ماذا سيفعل السيسي مع محمد علي؟!

علاء الأسواني

الأزمة التي يتعرض لها عبد الفتاح السيسي الآن هي الأسوأ منذ أن تولى حكم مصر، فقد ظهر فجأة ممثل ومقاول اسمه محمد علي عمل في مشروعات الجيش لسنوات طويلة. أذاع  محمد علي سلسلة من الفيديوهات على فيسبوك تحدث فيها عن رشاوى ومخالفات جسيمة في مشروعات الجيش. ذكر محمد علي الوقائع بالتفاصيل وأسماء المسؤولين المنحرفين بل وتطرق إلى ولع السيسي الغريب ببناء القصور الرئاسية التي تكلفت مليارات الجنيهات في بلد يعيش معظم سكانه في البؤس.

حققت فيديوهات محمد علي ملايين المشاهدات وارتبك نظام السيسي تماما فآثر السكوت في البداية، ثم بدأت حملة شعواء ضغطت خلالها أجهزة الأمن على والد محمد علي وأخيه وزوجته فظهروا في وسائل الاعلام يتهمونه بالسرقة واهمال أولاده. كان الغرض تشويه صورة محمد علي لكنه استمر في اذاعة فيديوهاته التي يتحدى فيها السيسي ويطلب منه الرد على وقائع الفساد واهدار المال العام. أخيرا ظهر السيسي منذ أيام في مؤتمر الشباب ولأول مرة يرى المصريون رئيسهم مرتبكا فاقدا للسيطرة على أعصابه حتى أنه صاح فجأة:

"نعم لقد بنيت القصور الرئاسية ولسوف أستمر في بنائها لكنى لا أبنيها من أجلي ولكن من أجل مصر"، هكذا اعترف السيسي علنا باهدار المال العام الذي يحصل عليه من الاستدانة حتى وصلت ديون الدولة المصرية إلى أرقام فلكية غير مسبوقة. إن المواجهة الفريدة من نوعها بين السيسي ومحمد علي تعكس عدة حقائق:

أولا: لم تحقق ثورة يناير بعد أهدافها السياسية لكنها مع ذلك أحدثت تغيرا عميقا في وعي المصريين. هذا الوعي الجديد كثيرا ما يختفي في زحام الأحداث اليومية وتحت وطأة القمع الذي يمارسه السيسي ضد معارضيه، لكنه يعود ويتجلى بقوة ليثبت أن طريقة الحكم التي أخضعت المصريين منذ بداية الحكم العسكري في عام 1952 لم تعد قادرة على اخضاعهم. كانت محاكمة حسني مبارك غير عادلة ولكن  في اللحظة التي وقف فيها كرئيس جمهورية لأول مرة خلف القضبان انتهت صفحة في تاريخ مصر وبدأت صفحة جديدة فلم يعد مقبولا عند قطاع عريض من المصريين أن يتصرف الحاكم في أموال الشعب كما يحلو له بدون رقابة أو محاسبة.

ثانيا: نجح محمد علي خلال أيام قليلة في تبديد دعاية اعلام النظام التي تكلفت مليارات الجنيهات والسبب في ذلك أن الواقع اليومى للمصريين أصبح يكذب كل ما يردده الاعلام.. أضف إلى ذلك أن محمد علي يتمتع بصفات ساعدته على النجاح: فهو خفيف الظل يستعمل سلاح السخرية الذي يحبه المصريون، وهوممثل محترف يعرف كيف يخاطب الكاميرا وكيف يستعمل تعبيرات الوجه وحركات الجسد، كما أنه  يقدم نفسه باعتباره رجلا بسيطا من عامة الشعب قليل التعليم ويستعمل لغة شعبية وأحيانا سوقية تلقى قبولا عند البسطاء لكن السبب الأهم في نجاح محمد علي أنه شجاع استطاع أن يواجه السيسي ويقول له مايريد ملايين المصريين أن يقولوه لكنهم يصمتون إما خوفا أو يأسا.

ثالثا: كل الحكام المستبدين الذين استقروا في السلطة لفترات طويلة قاموا بتطبيق معادلة "الخبز والعصا" التي وضعها الديكتاتور "بورفيريو دياث"PORFIRIO DIAZ الذي حكم المكسيك لمدة 35 عاما ( 1876 - 1911) وتتلخص هذه المعادلة في تحسين معيشة الشعب (الخبز) ثم ممارسة القمع الشديد ضد كل من يطالب بحقوقه السياسية (العصا).. لقد كفلت معادلة دياث سنوات من الحكم المستقر لمستبدين كثيرين على أن السيسي يطبق عكس هذه  المعادلة لأن الشعب يعاني بشدة من الغلاء وتدهور الخدمات وليس لدى نظام السيسي الا العصا التي يقمع بها الناس. ان الاعتماد على القمع وحده يستحيل أن يؤدي لاستقرار أى نظام. 

رابعا: الحماس البالغ الذي استقبل به المصريون فيديوهات محمد علي يدل على أن الأفكار الدعائية التي طالما استعملها نظام السيسي لاسكات المعارضين لم تعد تقنع أحدا. المصريون يحترمون الجيش لكن الاحترام لا يعنى التقديس فلم يعد الجيش فوق النقد والمحاسبة. إن الثروات الخرافية التي كونها بعض اللواءات من مشروعات الجيش  - كما ذكر محمد علي - لابد أن تكون محل محاسبة ولو كنا نحترم الجيش حقا فلابد أن نساعد على تخليصه من الفاسدين. كما أنه لم يعد مقبولا اتهام كل من يعارض السيسي بالعمالة والخيانة. إن محمد علي الذي كشف عن فساد مسؤولين كبار كان يعمل في مشروعات الجيش مما يعني أن المخابرات قد تأكدت من عدم انتمائه للإخوان أو لأي فصيل معارض للنظام.

خامسا: كشفت هذه المواجهة عن مفهوم السيسي الغريب لصلاحيات الرئيس وطريقة بناء الدولة. إن السيسي لا يرى الفرق بين مال الدولة وماله الخاص وهو يعتبر أن من حقه أن يأخذ من ميزانية الدولة أي مبلغ لينفقه كما يحب، كما أنه يغضب بشدة اذا سأله أحد عن تصرفاته المالية ويعتبر مجرد السؤال مؤامرة ضد مصر. إن مفهوم السيسي  لبناء الدولة لايتعدى تشييد الأبنية العملاقة ليفاخر بها الأمم بينما الدولة لا تقوم بدون توفير حقوق المواطنين في التعليم الجيد والرعاية الصحية وتكافؤ الفرص.

إن الثورات قد تتأخر في تحقيق أهدافها لكنها أبدا لا تنهزم ولا تموت. ان حلم العدل والكرامة والحرية الذي أيقظته ثورة يناير في نفوس المصريين ومات من أجله آلاف الشهداء. هذا الحلم العظيم أراه الآن أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى. 

الديمقراطية هي الحل

 DW

أربعاء, 18/09/2019 - 10:49