التظاهرات في مصر.. بين مشروعية المطالب والوقائع الإقليمية

حسن مرهج

تحديت كثيرة تُحيط بمصر، ليس انطلاقا من بُعدها القومي العروبي فحسب، بل أن الدور المصري في سياق التجاذبات لإقليمية، يلعب دوراً بارزاً في رسم خطوط المنطقة، خاصة بعدما اجتاحت المنطقة العربية ثورات الربيع الأمريكي، من هنا فإن الدور المصري لا يقتصر على النطاق الإقليمي، والذي لعبت السعودية دوراً بارزاً في ضعضعة هذا النطاق، فالدور المصري يُعد شئنا أم ابينا ميزاناً للنسق الاقليمي العربي، والذي يُعد بدوره ميزاناً لكافة التحولات والتفاعلات في المنطقة.وكحالة طبيعية ومنطقية للتفاعلات الشرق أوسطية، يبدو أن مصر تُعاني أزمات داخلية كثيرة، وهذا يأتي جراء حالة العدم استقرار التي تمر بها المنطقة العربية بالعموم، لكن الحالة المصرية تُعد في جزئيات المعادلات الإقليمية، ظلعاً لا يمكن فصله عن المربع الأمريكي السعودي الاسرائيلي، وهذه الحقيقة قد لا تروق للبعض، ولعل هذه الحقيقة جلبت لمصر تحديات اضافية، ويمكن وصفها بالتحديات الخطيرة، فالدور المصري الإقليمي بناء على ذلك، اقتصر على الشكل دون المضمون، وهذا الدور يأتي بطبيعة الحال لحرف أنظار الداخل المصري عن المشكلات الاجتماعية والثقافية المُتفاقمة، إضافة إلى ربط ذلك بتحديات الارهاب، وما تنتجه الحالة الأمنية المصرية من انعكاسات داخلية، ارهقت كاهل المواطن المصري.في سياق ذلك، فمن الواضح أن الدور المصري قد بات مؤطراً في سياق السياسية الأمريكية، والمراقب للحالة المصرية وتأثيراتها في الإقليم، يدرك بأن مصر عززت علاقاتها وتحالفاتها مع واشنطن، خاصة مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتقارب وجهات النظر بينه وبين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إضافة إلى التحالف المصري الاسرائيلي، والذي يعد بحد ذاته تحدياً ذو وجهين، فمن جهة قد أُفرغت الكثير من القضايا العربية من مضمونها جراء هذا التحالف، ومن جهة أخرى فإن هذا التحالف قد أفقد الثقة بالحكومة المصرية لجهة الشعب المصري ومن ثم العربي.قد يقول البعض، بأن التحالف المصري الاسرائيلي الأمريكي، قد منع وقوع العديد من لحروب في المنقطة، لكن الحقيقة تُجافي ذلك، فحرب العرق واليمن وسوريا وفي وقت سابق حرب تموز 2006، جاءت في سياق هذا التحالف، فضلاً عن أن القضية الفلسطينية باتت جراء هذا التحالف بعيدة عن التوجهات العربية ككل، الأمر الذى بات جلياً في تصريحات الرئيس السيسي والجولات المكوكية لوزير الخارجية المصري بشأن عقد المصالحة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية في الآونة الماضية، لهو تأكيدا على الاهتمام المصري بإنهاء القضية الفلسطينية، وأن مصر أرادت هنا إيصال رسالة مفادها أنها على الرغم من كم التحديات التي تواجها فإنها ” لا تقبل بنشر وتصدير الفوضى في جوارها “، وهي ما ستعمل جاهدة على تهدئته ضمن السياسة الدبلوماسية والاتصالات الهادئة مع دول الجوار.في جانب أخر، يمكن القول بأن ما سُمي ثورات الربيع العربي قد أنتجب بُعداً جديداً في شكل النظام المصري، وقد تُرجم ذلك في البُعد الديني، حيث صعد إلى حكم مصر عقب الثورة المصرية في 2012 مباشرة ” جماعة الإخوان المسلمين “، ولكن سرعان ما فشلت الجماعة في الحفاظ على سلطانهم وحكمهم، فقد كانت هذه الفترة بمثابة نقطة سوداء في التاريخ المصري على كافة النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لن ينساها المصريين، وهذا لفشل مُرتبط جوهرياً بأبعاد الربيع العربي “الديني”، والرغبة في نشر حُكم الإخوان المسلمين ليس في مصر فحسب، بل في كامل المنطقة العربية.الشعب المصري انتفض في ثورة الثلاثين من يوينو 2013، واختار وزير الدفاع الأسبق عبد الفتاح السيسي ليصبح بذلك رئيسا للجمهورية المصرية، فأصبح لمصر رؤية وهدف وسياسة خارجية مُتزنة  تعي الكثير من المصالح المصرية جيداً سواء على النطاق الإقليمي أو الدولي، وبالتالي تم إعادة رسم خرائط الأعداء والأصدقاء، وتكوين تحالفات واتخاذ مواقف دقيقة إزاء أزمات وقضايا الإقليم الشرق أوسطى، فأصبحت مصر حليف قوى ومركزي بالنسبة للسعودية نتيجة تشابه التوجهات في السياسة الخارجية للبلدين اتجاه قطر ودعمها للإرهاب والتطرف من جهة، وأيضا ما يُسمى بخطر المد الشيعي الإيراني في المنطقة من جهة أخرى، وبالتالي بات واضحاً أن السياسية المصرية تماهت مع السياسات الأمريكية السعودية الاسرائيلية في المنطقة، لكنها لم تتماهى البتة مع الشعب المصري ككل، ويضاف إلى ذلك حجم المشاكل الاقتصادية التي عصفت بمصر، كل هذا إذا ما وضعناه في ميزان دقيق للغاية، يُنتج عنه أزمات ومظاهرات تطالب بتصحيح الاوضاع في الداخل المصري، وتقويم السياسية في الخارج.في المحصلة، بعيداً عن أي اعتبارات سياسية، وأي مواقف أتخذت ضد الدولة السورية، لكن اليوم وتعقيباً على ما يجري في مصر، فمن الواضح أن هذه التحركات وإن كان بعضها يأتي في إطار المطالب المُحقة، لكن في الجوهر والمضمون هناك مشروع خطير جدا تتم بلورته في مصر، ليتم تصديره إلى المنطقة من جديد، والدخول في متاهات النار السياسية والعسكرية، وهنا لا ننكر إطلاقاً بأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد كانت له مواقف ايجابية كثيرة، وعلى هذه المواقف يمكن التعويل كثيراً لجهة عودة مصر إلى موقعها العربي المحوري المؤثر، لكن توقيت هذه التظاهرات يوحي لنا بأن شيء ما يُحاك ضد مصر أولاً، وضد المنطقة والإقليم ثانياً، فالمشروع التركي المُمتد من سوريا إلى العراق وليبيا وصولاً إلى مصر، وبالتزامن مع انعقاد المؤتمر العام للإخوان المسلمين في وقت سابق في اسطنبول، كلها مؤشرات توحي بأن المنطقة والمشروع الإخواني سيكون عنواناً بارواً في الفترة المقبلة.

رأي اليوم

ثلاثاء, 01/10/2019 - 08:48