التبعات الاقتصادية للأوبئة

أكمل عبد الحكيم

في عام 2016، قدرت مفوضية المخاطر الصحية الدولية، التابعة للأكاديمية الوطنية للعلوم الطبية، أن الأوبئة المرضية الواسعة الانتشار، ستكلف الاقتصاد الدولي أكثر من 6 تريليونات دولار (22 تريليون درهم)، خلال القرن الحادي والعشرين، وبمعدل 60 مليار دولار (220 مليار درهم) سنوياً. وأوصت المفوضية أيضاً حينها، بضرورة أن ينفق المجتمع الدولي 4.5 مليار دولار سنويا، على إجراءات الوقاية والاستعداد، وعلى إمكانيات الاستجابة لهذه الأوبئة، إذا ما كان للعالم أن يقلل من وطأة التبعات الاقتصادية للأوبئة المرضية. وبنت المفوضية تقديراتها تلك على حسابات التكلفة الاقتصادية لوباء «سارس» الذي اجتاح العالم لفترة قصيرة عام 2003، وقُدر حينها أنه كلف الاقتصاد العالمي 40 مليار دولار.
هذه الأرقام على ضخامتها، يُتوقع أن تشهد زيادة ملحوظة، في ظل وباء فيروس الكورونا الجديد، لسبب بسيط، وهو الفارق الهائل في حجم الاقتصاد الصيني، وقت وباء السارس وحجمه وقت وباء الكورونا. فقبل 17 عاماً، وقت وباء السارس، كان حجم الاقتصاد الصيني لا يزيد على 4 في المئة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، وهي النسبة التي ارتفعت بأكثر من 4 أضعاف، حيث يشكل الاقتصاد الصيني حالياً 17 في المئة من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي.
الحجم الهائل الحالي للاقتصاد الصيني، والذي يصنف في المرتبة الثانية بين جميع اقتصادات العالم، بمجمل ناتج اقتصادي اسمي يزيد على 14 تريليون دولار، وبمعدل نمو سنوي يزيد على 6 في المئة، وفي ظل التوقع بتراجع معدلات نموه بمقدار 2 في المئة خلال العام الجاري حسب بعض التقديرات، سيتردد صدى هذا التراجع في جميع اقتصادات العالم دون شك. وسيسمع هذا الصدى في أروقة منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) في مقرها بمدينة جنيف، خلال اجتماع أعضاء المنظمة الأسبوع الحالي.
فالصين هي حالياً المستورد الأكبر في العالم للنفط، بمعدل استيراد يبلغ 14 مليون برميل يومياً، وبعد أن حققت الولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي، وأصبحت من الدول المصدرة للنفط. وبالتالي، سيؤدي بالضرورة تراجع نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 2 في المئة، أي ما يقارب ثلث معدل النمو العام الماضي، إلى تراجع حجم استيرادها من النفط الخام، لتزداد بذلك التخمة العالمية الحالية من النفط، مما سيدفع بالأسعار تجاه انخفاض ملحوظ.
هذا السيناريو بدأت بشائره بالظهور بالفعل، حيث تقدر الجهات المختصة بمتابعة أسواق النفط العالمية، أن حجم استيراد النفط في الصين قد انخفض بالفعل بنسبة 20 في المئة، وهو ما يعادل مجموع الاستهلاك السنوي للمملكة المتحدة وإيطاليا معاً، اثنين من أكبر الاقتصادات الدولية. كما قررت شركة «سينوبك» الصينية، أكبر شركات تكرير النفط الخام في القارة الآسيوية، خفض ما تكرره من النفط يومياً بمقدار 600 ألف برميل، أي ما يعادل 12 في المئة من إنتاجها اليومي قبل ظهور وباء الكورونا الجديد، وهو الخفض الأكبر على الإطلاق خلال أكثر من عقد. وبخلاف انخفاض الطلب على النفط الخام من الاقتصاد الصيني، تعتبر السرعة التي حدث بها هذا الانخفاض، سابقة من نوعها. وهو ما ترك بصمته على أسعار النفط العالمية، والتي شهدت هي الأخرى انخفاضاً متسارعاً منذ بداية الشهر الماضي، وبنسبة 20 في المئة خلال أسابيع قليلة. حيث بلغت أسعار خام «برنت» أقل من 55 دولار بداية الأسبوع الأول من فبراير، وهي أسعار لم تشهدها أسواق النفط منذ يناير الماضي، حينما كانت الأسعار تلامس حينها 70 دولاراً لخام برنت، و75 دولاراً في أبريل الماضي.
ورغم أن حجم الطلب وأسعار النفط تعتبر من المؤشرات المهمة على حالة الاقتصاد العالمي، فإن التبعات الاقتصادية للوباء الحالي ستطال جميع القطاعات الاقتصادية. وعلى سبيل المثال لا الحصر: قطاع السياحة مثل شركات الطيران المدني، والفنادق، والمطاعم، والمزارات السياحية، وقطاع الصناعة سواء بسبب إغلاق المصانع لتحجيم انتشار الفيروس، أو لانخفاض الطلب على المنتجات التي تنتجها هذه المصانع، وهو ما سيؤدي أيضاً بالتبعية إلى انخفاض الطلب على المواد الأولية المستخدمة في تلك الصناعات، وخفض أسعارها هي الأخرى. وكما ذكرنا سابقا، لا يمكن استثناء أية نشاط اقتصادي، سواء كان صناعياً، أو زراعياً، أو خدمياً، من التبعات السلبية لوباء الكورونا الجديد، والتي لن ينتج الجزء الأكبر منها من عدد الوفيات، وإنما بشكل أكبر من حالة الفزع التي أصابت العالم خلال الأسابيع الماضية، والمتوقع لها أن تزداد حدتها في المستقبل القريب، لدرجة تربك الاقتصاد العالمي، وقد تستمر لفترة غير محددة.

*نقلاً عن "الاتحاد"

جمعة, 07/02/2020 - 14:12