مسلمو ميانمار في تايلند ومشكلة الهوية

أصدرت شبكة حقوق الإنسان في ميانمار تقرير مطولا عن مسلمي هذا البلد اللاجئين في تايلند، وذكرت فيه أنه لا توجد أرقام دقيقة لأعدادهم لأن كثيرا منهم يفتقدون لوثائق تسجل تاريخ هجرتهم أو حتى هويات تعرف بهم وبقراهم الأصلية في ميانمار التي هاجروا منها.

واعتمد التقرير -الذي أعلن نتائجه المدير التنفيذي لشبكة حقوق الإنسان تشو وين في مؤتمر صحفي- على مقابلات مع عشرات من اللاجئين الميانماريين في المناطق الحدودية بين ميانمار وتايلند، ومع حقوقيين وناشطين في مجال الهجرة وحقوق الإنسان خلال الشهرين الماضيين.

كما أجاب 36 منهم على استبيان مفصل عن حياتهم وأوضاعهم القانونية والمعيشية، وثلثا المستجوبين كانوا من النساء اللاجئات، وتبين أنهم مسلمون من قوميات مختلفة وليسوا من الروهينغا فقط، بل من قوميات التشين والكاتشين والكارين والشان.

 

شهادة الهوية
من دوافع إعداد التقرير تجدد إشكالات العمالة الأجنبية في تايلند مؤخرا، ومنهم الميانماريون المسلمون، عندما أعلنت الحكومة التايلندية العام الماضي عن حملة لتسجيل ما بين مليون ومليوني أجنبي لمنحهم"شهادة الهوية" الخاصة بالمهاجرين والعمال الأجانب.

وما زال مئات الآلاف منهم يتابعون معاملة معقدة لتسجيل أنفسهم لدى السلطات التي منحت مهلة للجميع حتى آخر يونيو/حزيران الجاري.

وحسب شهادات أدلى بها مسلمون ميانماريون في تايلند، فإنهم واجهوا صعوبات في الحصول على شهادة الهوية لتقنين إقامتهم، حيث تطالبهم السلطات التايلندية بإثباتات لا تطلبها من عمال أجانب من قوميات أخرى، كتقديم بطاقات هوية ميانمارية وعائلية حديثة الإصدار، ورسائل من الشرطة ومختار الحي أو القرية، وهو ما يشكل تحديا لهم.

فمن يملك المال والعلاقات مع مسؤولين في حيه أو قريته في ميانمار هو من يمكنه فقط أن يحصل على بعض تلك الوثائق، وذلك بالسفر عائدا إلى ميانمار بطريقة غير قانونية في محاولة للحصول على ذلك مجددا.

ومن لا يستطيع الحصول على بطاقة الهوية من السلطات التايلندية فإنه سيضطر للعمل بصورة غير قانونية، وإذا ألقي القبض عليه فإنه قد يعاقب بدفع غرامة تتفاوت بين 160 و1600 دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة لمن يعمل بأجرة تعادل 260 دولارا فقط شهريا، وعوضا عن ذلك فإنه قد يرحل من تايلند ولا يسمح له بالعودة إليها للعمل.

وحسب الاستطلاع الذي أجرته الشبكة الحقوقية، فإن 37% ممن استجوبوا تقدموا للحصول على شهادة الهوية التايلندية ولكن طلبهم رفض، مقابل قبول طلب 19% منهم فقط ممن استوفوا الشروط، بينما لم يتقدم 44% منهم بالأساس للسلطات التايلندية بالطلب لعدم امتلاكهم الشروط اللازمة.

وتعود إشكالية المسلمين الميانماريين من الناحية القانونية في مهجرهم إلى أن نسبة منهم لا يمتلكون بطاقات هوية ميانمارية أو ما يثبت جنسيتهم في بلدهم الأم، وهذا ما يفاقم معاناتهم عندما يهاجرون للعمل في دول مجاورة كتايلند، رغم أنهم موجودون في ميانمار منذ القرن التاسع الميلادي حسب دراسات تاريخية عديدة.

ورغم أن بعضهم من القوميات الـ135 المعترف بها في قانون المواطنة بميانمار- من غير الروهينغا- فإن نسبة متزايدة منهم تواجه إشكالية في تجديد وثائقهم أو الحصول على واحدة جديدة لأبنائهم بسبب كونهم مسلمين أو من قوميتين مختلطتين.

 

"ماي سوت"
ومن ضمن البلدات التي زارها فريق شبكة حقوق الإنسان في بورما بلدة "ماي سوت" الحدودية التي تعد ممرا للتجارة القانونية والسوق السوداء على حد سواء بين البلدين، ويفصلها عن الأراضي الميانمارية نهر موي الصغير الذي يعبره المواطنون من الجانبين بشكل غير قانوني.

ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة عن عدد المسلمين الميانماريين في ماي سوت فإن عددهم هناك حسب تقدير قد لا يتجاوز عشرة آلاف، معظمهم من ولايتي كارين ومون الواقعتين شرقي ميانمار الأقرب لحدود تايلند، وقد تركوا قراهم بسبب صعوبات الحياة في ظل حكم العسكر الذي امتد لعقود، والتي لا تدع سياساته لهم مجالا لتحسين مستوى معيشتهم.

بينما قال 22% ممن جرى استجوبهم إنهم تركوا ميانمار بسبب التمييز العنصري والاضطهاد، أو بسبب الصراع الذي تشهده ولايات شرقي ميانمار، وتقاتل فيه جبهة مسيحية مجموعة مسلحة بوذية أخرى تقف مع الجيش منذ عقود.

 

تقنين العمالة
ومن بين 36 شخصا استجوبهم فريق بحث شبكة حقوق الإنسان كعينة من مسلمي بلدة ماي سوت قال 28 منهم (أي ما نسبته 78%) إنهم بلا وثائق تثبت جنسيتهم الميانمارية رغم أنهم كلهم ولدوا في ميانمار، ويؤكدون أن والديهم وأجدادهم ولدوا في ميانمار، ولذلك يصفون أنفسهم بمسلمي ميانمار، دون الإشارة إلى أي قومية بعينها.

وبعض من كان قد حصل على هوية ميانمارية يواجه صعوبة بالغة في تجديدها اليوم بعد انتهاء صلاحيتها، ويشعرون بعدم الأمان إذا هم رجعوا إلى قراهم شرقي ميانمار في محاولة للحصول على وثائق جديدة.

ويقول بعض من تحدث إليهم معدو التقرير إن قلقهم يتزايد مع تشديد السلطات التايلندية إجراءات الحصول على وثائق تايلندية تقنن العمالة الأجنبية.

ومع عدم تحسن الأوضاع السياسية في ميانمار بعد نحو عامين ونصف على الانتخابات، التي كان يؤمل أن تحدث تغييرا في المشهد السياسي والقانوني في البلاد، ولعدم امتلاك معظمهم وثائق قانونية؛ فإنهم يعملون في المصانع وقطاع البناء والمزارع بصورة غير قانونية وبأجرة يومية تعادل ستة دولارات أميركية مقابل أكثر من عشرة دولارات لمن لديه شهادة هوية.

وعندما سئل المسلمون الميانماريون المقيمون في تايلند عن وثائق جنسية والديهم وأجدادهم كانت الإجابة من قبل 64% بأن والديهم وأجدادهم كانت لديهم بعض الوثائق التي تثبت مواطنتهم في ميانمار، بينما قال 25% من المستجوبين بأنه لا وثائق بحوزة والديهم، بينما لا تعرف البقية وتشكل 11% إن كان الوالد أو الجد لديهما هوية ميانمارية.

 

أحفاد بلا جنسية
أما توثيق ولادة أبناء وأحفاد المسلمين الميانماريين الذين ولدوا في تايلند، فحسب الاستطلاع الذي أجراه معدو التقرير فإن 66% منهم حصلوا على شهادة ولادة لأبنائهم الذين ولدوا في تايلند، بينما لم يحصل 12% منهم على ذلك لأبنائهم.

والمفارقة أن 22% من الأسر المسلمة الميانمارية المهاجرة عايشت تجربة متباينة؛ فبعض أبنائها لديهم شهادة ولادة، وبعضهم ليس لديه أي شيء يثبت أنه ولد أو يحيا في تايلند.

لكن معاناة الأطفال أو جيل الأبناء الذين ولدوا في تايلند تتجاوز شهادة الولادة إلى عدم حصول 67% على أي بطاقات هوية أو جنسية ميانمارية أو تايلندية، بينما حصل 6% منهم فقط على بطاقات هوية ميانمارية.

وحصل 27% منهم على بطاقات من جهات مختلفة بعضها مدرسية تايلندية من مدارس المهاجرين التي يدرسون فيها، وهي بطاقات تصدرها وزارة الداخلية التايلندية لأطفال المهاجرين بشكل مؤقت وتحميهم من الترحيل.

لكن النسبة الأكبر من أبناء المسلمين الميانماريين في ماي سوت لا يمتلكونها، ولهذا لا تشعر الأغلبية من المسلمين في بلدة ماي سوت بالأمان إذا عادوا مع أبنائهم الذين ولدوا في تايلاند إلى قراهم في شرق ميانمار، ويفضلون البقاء مهاجرين في تايلاند على العودة إلى ميانمار.

 

الاعتقال والترحيل
عندما يعلن قرار جديد بشأن المهاجرين في تايلند فإن الشرطة والجهات المعنية تتحرك لإنفاذه. وحسب ناشطين قانونيين تحدثوا لمعدي التقرير في بلدة ماي سوت، فإن المسلمين الميانماريين طالما كانوا أول ضحية لحملات التفتيش عن هويات الأجانب، وبعضهم يقيم في تايلند منذ عقدين، ويفتقدون أي وثائق تايلندية أو ميانمارية.

وقد تكون نتيجة ذلك فصل الأمهات عن أبنائهن بعد أن يتم احتجازهم في دائرة الهجرة أو ترحيلهم إلى ميانمار.

 

أقليات منسية
ويدعو تشو وينمن من خلال إعداد منظمته الحقوقية هذا التقرير إلى الالتفات إلى حالات أقليات ميانمار المسلمة المهاجرة التي لا تقل معاناتها عما تواجهه داخل ميانمار، فما يواجهه المسلمون على اختلاف قومياتهم في ميانمار من تمييز عنصري واضطهاد وأحوال اقتصادية صعبة كغيرهم من الأقليات في ظل الحكم العسكري، يدفعهم إلى الهجرة والعيش في ظروف قانونية ومعيشية مريرة في دول الجوار.

وطالبت شبكة حقوق الإنسان الحكومة الميانمارية بمنح المسلمين هويات تؤكد مواطنتهم وعدم إجبارهم على الإقرار بأنهم من أصول أجنبية، وهو ما يرتبط بضرورة إصلاح الدستور والقوانين المعمول بها في ميانمار.

كما دعت السلطات التايلندية إلى التعاون مع الجهات القانونية والحقوقية المعنية بالمهاجرين لتقنين إقامتهم ليتسنى لهم العمل والعيش الكريم في في تايلند، وأن تسهل حكومة بانكوك إجراءات وصول المنظمات الإغاثية إلى أماكن تواجد المسلمين الميانماريين لتقديم برامج عون وتعليم وتنمية ورعاية صحية لهم.

 

المصدر : الجزيرة

سبت, 30/06/2018 - 14:54