فلنترك التشويش على الرؤية الشرعية.

محمدن الرباني

أنصح الذين يتشبثون بالنفي الفلكي أن لا يطمئنوا إلى نسبهم ولا إلى نسب أبنائهم حتى يؤكدها الحمض النووي، وألا يقبلوا شهادة أي شاهد حتى يعرضوها على جهاز كاشف للكذب، 
  أمور الشريعة مبنية على الظواهر لا على الحقائق، وعلى ما يدركه العامة في الشعائر العامة يدل لذلك نصوص هي بمجموعها قطعية من ذلك:
- أن الأحاديث الواردة في الصوم والفطر جميعا ربطتهما بالرؤية لا بالوجود "إذا رأيتموه فصوموا .. وإذا رأيتموه فأفطروا" متفق على معناه، ولم يقل إذا علمتموه أو إذا وجدتموه"  ولهذا أطبق الجمهور على عدم اعتبار الحسابات الفلكية في الصوم، بخلاف الصلاة، لان الصلاة ربطت بوجود الظواهر "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا" سورة الإسراء 78.
 وقد فصل القرافي في ذلك في فروقه تفريقا رائعا في (الفرق الثاني والمائة بين قاعدة اوقات الصلوات يجوز إثياتها بالحساب والآلات وكل ما دل عليها وبين قاعدة الأهلة في الرمضانات لا يجوز إثباتها بالحساب) ونقله بعض شراح المختصر. ويتضح من كلامه ان السلف كانوا يعلمون ان حساب الأهلة والكسوفات قطعي ورغم ذلك اعرض السلف عنه في الصوم.
- ورد في الحديث الصحيح المتفق عليه" إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ان يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو مما أسمع" فقد قال على نحو مما أسمع، ولم يقل على نحو ما هو الحق، أو على نحو ما أعلم، وهذا تشريع منه لانه قادر أن يسأل الله ان يطلعه على حقيقة كل خصام يرفع إليه، ولكنه لم يكلف ولم تكلف امته بذلك، فالشريعة قائمة على ظواهر الأمور لا حقائقها التي يكون الفصل فيها إلى عالم الغيب والشهادة يوم العرض .
- ورد في القرآن حكم اللعان بدون إلزامنا بضرورة تتبع الحقائق لتحميل أحد الطرفين المسؤولية بعد الأيمان، قال تعالى: "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة ان لعنة الله عليه إن كان من الكاذيين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة ان غضب عليها إن كان من الصادقين" (سورة النور 5-9) ومعلوم قطعا أن أحدهما كاذب والآخر صادق، لكن الشريعة لم تكلفنا تقصي ذلك ومعرفته لأن مبناها على الظاهر طبقا لأسس وقواعد، وهذا الظاهر لا يرجح أحد الحالفين على الآخر. 
 فليتق الله المفتونون بالتجديد، فليس في الأمر تجديد فالحساب الفلكي قديم، وليعلموا ان تكذيب العدول من غير تهمة جلب نفع أو دفع ضر هو هدم لأساس مكين من أسس الدين.
 ولنعلم أن الشريعة أوجبت التحري ليلة الثلاثين حيث يظهر الهلال فإن رئي بالعين المجردة وجب ما يترتب على الرؤية، وليكن المرئي الزهرة أو عطارد أو كوكبا مجتازا فإن الشرع لم يكلفنا بتتبع حقيقة ذلك.
كما أن تكذيب أربعين شخصا على محسوس عندهم، ليس اقل من الناحية العلمية من التشكيك في الحساب، فإذا لم تكن الحواس
 مصدرا لعلم الشهادة فأين المصدر؟
 إذا لم يكن لديك ما يدفع هذه النصوص وما في معناها إلا التفلسف وضرورة مواكبة العصر، والسخرية من العلماء، فاتق الله ولا تشوش على الرؤية الشرعية.

سبت, 23/05/2020 - 14:06