قضية فلسطين بين التفاؤل والتشاؤم!!

التراد سيدي

لقد كتب على هذه الأمة التي خصها الله بما لم تنله أمة غيرها من الاصطفاء والتكريم فجعلها منطلق الرسالات السماوية من إبراهيم وذريته إسحاق وأبنائه أنبياء بني إسرائيل كلهم مرورا بموسى وانتهاء بعيسى وإسماعيل الذي من ذريته نبينا محمد خاتم الرسالات ورسل آخرين هود وصالح وشعيب ويونس كلهم كانوا من هذه المنطقة التي جعل الله فيها بيته الحرام وحرمه في مكة والمدينة ،وجعل فيها قدس الأقداس وأرضها المباركة هذه الأرض التي نالت ما نالت من الاصطفاء والتكريم والتي انبثقت منها كل الإرهاصات التي أسست للمدنية ونشوء الحضارات والتي منها عرفت الحروف وبدأت الكتابة سومرية و هيروغليفية وحميرية عربية..إلخ شاءت الحكمة الإلهية أن تتعرض هذه الأرض المباركة مبعث الرسالات ومهد الحضارات لسيل من أقوى المؤامرات والغزوات والمذابح ،عبر كل تاريخها هذه الارض وهذه الأمم التي بفضل الإسلام انصهرت فصارت أمة واحدة أو كادت تكون كذلك.

وهكذا عرفت هذه المنطقة هذه الأحداث:حصل الاجتياح المغولي القادم من آسيا ودمر وحطم وارتكب من المجازر ماشاء الله واحتل عاصمة الخلافة العباسية وحطم وحرق المكتبات وألقى أطنانا من الكتب في نهر دجلة وقتل الخليفة شر قتلة و ذبح خلقا كثيرا..ثم أوقف هذا الاجتياح و انقشع الكرب وصار الغزاة مسلمين . وبعد ذلك اندفعت أوروبا جميعها في حملات سمتها صليبية استهدفت السيطرة على مهد المسيح أرض فلسطين التي اعتبروها مغتصبة ويحتلها أغراب كفرة وأن واجبهم تحريرها واستعادتها منهم بأي ثمن وقد قاد هذه الحملة ملوك أوروبا وقادة جيوشها ورجال دينها، فمن جميع دول أوروبا جاءت الأساطيل والحشود.

لقد عانت مصر والشام من هذه الحملات والحروب الظالمة الأمرين وقدمت من التضحيات وكابدت من الصعاب مالا يمكن وصفه وقامت كيانات وانهارت أخرى وتمت سيطرة الغزاة على القدس وكثير من المناطق وأسست إمارات وحصون تابعة للمحتلين الغزاة وحدثت مآثر خالدة في الصبر والجهاد سطرها الشاميون والمصريون في مقاومتهم للعدوان والغزو، وكانت خيبات وخيانات ومؤامرات اقترفها البعض أيضا ولم تنطفئ جذوة النضال وروح التصدي والمقاومة رغم استسلام الكثيرين وخنوعهم.. وفي النهاية كان النصر حليف الأمة وطرد الغزاة شر طردة على يد أباة ابطال وحدوا مصر والشام فاكتسحوا حصون الغزاة ودمروا قوتهم وبددوا شملهم وأسروا قادتهم وملوكهم وطردوا منكسرين يجرون أذيال الخيبة والخزي والعار ..!!

وجاءت الهجمة الأخطر والغزوة الأمكر من أبناء الصليبيين الذين تم طردهم جاءوا هذه المرة باستيطان يهودي خططوا له طويلا وبعد أن حاولو استغلال ظروف الدولة العثمانية وحاجتها للمال الذي تحتاجه كثيرا للوقوف في وجه المؤامرات والحروب التي تشن ضدها حاولوا استغلال وضعيتها للحصول على موافقتها على السماح بتجميع لليهود في أرض فلسطين لكن السلطة العثمانية رفضت رفضا قاطعا فكان التوجه للغرب فوافقت سلطة المملكة المتحدة ، وصدر١٩١٧ ما عرف بوعد بلفور من بريطانيا العظمى يعد اليهود بوطن لهم في فلسطين.

لقد جاء الغزو ضمن احتلال استعماري للمنطقة كلها وفي ظله تم تجميع وسوق عشرات الآلاف من يهود أوروبا نحو الأرض الموعودة أرض فلسطين التي سبق وطرد منها الصليبيون جاءها الصليبيون الآن باليهود الذين عانت منهم أوربا كثيرا وعانوا هم من الاضطهاد في كل أنحاء أوروبا لقد خطط قادة اليهود وقادة أوروبا بقيادة بريطانيا لجعل فلسطين هدفا لغزو استيطاني ظالم وضمن ظروف السيطرة على كل الإقليم الذي تم طرد الأتراك منه عندما تمت خديعة السكان بالوعود الكاذبة بأنهم سيمنح دولة عربية موحدة على الأرض التي كانت تتبع الدولة العثمانية إذا قبلوا مساعدة الإنجليز في طرد الأتراك وقد انطلت الخديعة عليهم وشاركوا في طرد الأتراك وهكذا توفرت الظروف المناسبة لبريطانيا لتطبيق وعدها لليهود بتجميعهم في أرض فلسطين وأشرفت على مراحل تثبيتهم وتركيز وجودهم واعترضت وفشلت جميع محاولات أهل الأرض للدفاع عن أرضهم ومنع استلاء الغزاة القادمين من كل بقاع العالم عليها وقد قامت الحكومة البريطانية التي تعتبر حكومة الانتداب طيلة هذه الفترة بإخماد الثورات والاحتجاجات وجميع الفعاليات التي قام بها السكان ضد تركيز وجود الإستيطان اليهودي في مختلف مناطقهم.

وكم قدم الفلسطينيون من تضحيات وكم بذلوا من جهد كانت الحكومة البريطانية التي كانت ذلك الوقت تمثل امبراطورية لا تغيب عنها الشمس لهم بالمرصاد فأمام كل ما بذل الفلسطينيون وقفت أمامهم بكل قوتها تقمعهم وتخضعهم.. لقد قرأت في مذكرات مارشال بريطانيا الشهير مندغومرى مامعناه: ( استدعتني وزارة الدفاع وعرضوا علي مشكلة مقاومة الفلسطينيين العرب لسياسات حكومة الانتداب في فلسطين وتشكيلهم عصابات مسلحة فقلت لهم علينا قتلهم فليس هناك حل سوى قتل المسلحين) لقد استمرت الحكومة البريطانية تقمع أهل الأرض المظلومين وفي الوقت نفسه تطور وسائل الأَغْرَاب التي جاءت بهم من مختلف البلدان.. وعند اطمئنانها على نضجهم وقوتهم سلمتهم الحكم ورحلت ظاهريا ، وهي في الحقيقة لم ترحل فهي التي أنشأت الجامعة العربية و ظلت تشرف على سياسات الحكومات و تتحكم في تطورات الصراع الشكلي الذي ادعت الحكومات العربية أنها اشتركت فيه ضد سلطة الاحتلال التي أعلنت دولتها على أكثرية أرض فلسطين وذلك سنة ١٩٤٨ وعندما فشلت اللعبة التي سموها حربا بين العرب وما سمي بإسرائيل بدأت الحكومات الغربية تتنافس جميعها في دعم دولة الاحتلال الصهيونية واستلمت إمريكا قيادة سياسة السيطرة الغربية في المنطقة، و جعلت في مقدمة مهامها حماية ورعاية الكيان الصهيوني الذي تم زرعه بتجميع شتات اليهود من جميع أنحاء العالم و إمدادهم بكل أسباب القوة مع السهر على استمرار ترسيخ الضعف والتخلف في المحيط العربي من حولهم وتم زرع أنواع المشكلات الطائفية والإثنية مع استمرار السيطرة على أكثر المنطقة واستمرار محاربة كل أسباب النهوض والتقدم الذي حاوله أكثر من تيار ومن زعيم... وهكذا أطيح بكل الزعماء الوطنيين من د مصدق وعبد الناصر وصدام حسين والقذافي وآخرين. وأفشلت جميع خطط التطوير والنهوض وسيطرت روح الاستسلام والخنوع وتحولت جميع مؤسسات الجامعة العربية التي كان يأمل منها العروبيون خيرا إلى توابع ومكملات لنشاط الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأصبح الصراع كله بيني داخلي ففي مصر امتلأت السجون .. ولم تبقى القبور تتسع لمزيد من الجثث وفي سوريا لم يبقى شيء لم يتحطم وفي اليمن أُفنيّ البشر وأزيل الشجر وتفتت الحجر وفي ليبيا الكل يحارب الكل وفي العراق يجري ما يسعد الأعداء ويكتم نفس الأصدقاء وباقي الأقطار كلها مشغولة بأمور تفوق قدرتها على مواجهته وتحمله. في هذا الواقع لم يبقى في وضع طبيعي في هذه البقعة المباركة سوى المحتلين وحلفائهم ومن مد يد الود لهم .!! هذا ماأرادوه لنا أن نقتنع بأن كل موقف تحرري سيجلب الهلاك لصاحبه وكل طموح للحق والعدالة سيؤدى للعزلة و معاناة الحصار. هذا هو السبب الذي جعل الهرولة نحو التطبيع هي السائدة لدى الدول التي تبدو للرأي العام أنها هي الدول السالمة من الأمراض فلا هي من نوع سوريا واليمن وليبيا المتصارعة ولا هي من نوع إيران ولبنان والسودان المحاصرة فهي المثال والنموذج الذي يجب الاقتداء به إن هذا المظهر الذي تظهر به هذه الدول يخفي خلفه حقائق ليست واضحة للجميع! أولا:إن الدول التي تستخدم كنموذج للدول السالمة من العيوب والمشاكل والتي يعتبر تطبيعها نموذجا يحتذى به . هي في الحقيقة دول وظيفية يستخدمها مدمرو هذه الأوطان لتحقيق مايريدون بما في ذلك التطبيع وتمييع المواقف ثم إنها بعد انتهاء تحقيق وظيفتها ستنتهي وقد يكون وضعها أسوء من وضع أسوء أوضاع الدول التي توجد الآن في عين العاصفة. ثانيا: إن سيطرة الدول التي تتصرف الآن بمصير العالم ليست دائمة ومستمرة في سيطرتها لأن الصراع على زعامة العالم محتدم وفي مراحله النهائية وسيترتب على حسمه نتائج مهولة.وإن الأولويات ستتبدل وتجعل استمرار وجود هؤلاء السادة في هذه المنطقة المباركة التي سيطرو عليها كثيرا أمرا منتهيا .إن كل الدلائل تؤشر إلى أن هذه المرحلة آذنت بالانتهاء. ثالثا: إن هناك ثلاثة أمور تجعل المستقبل لأهل الحق مهما كانت أمور الواقع التي تبدو مسيطرة وهي: ١- إن تمسكنا بعقائدنا يمدنا بقوة وإيمان ويقين يمنعنا من التنازل عن حقنا والاستسلام. ٢- إن التطورات البيولوجية ازديادا وازدياد عدونا يجعلنا بحول الله نضمن المستقبل وسنستمر نتفوق عدديا وهذه ميزة لا يملك أحد القدرة على تغييرها أو التحكم فيها. ٣- إننا مادمنا نصنع سلاحنا بأيدينا ولانحتاج شراءه واستجلابه من بعيد وما دام سلاحنا مؤثرا وفي كل يوم يزداد تأثيره فإننا لم نبقى ضعاف نتعامل مع قوي. بالإضافة لهذه المسائل هناك أمورا أخرى كثيرة ترجح تغير ميزان القوة لصالح أهل الحق . فنحن مستعدون لكل المخاطر وعدونا لا يتحمل أي مخاطر فكل تفجير يحدث ينجم عنه دخول العشرات من المحتلين في المستشفيات للمعالجة من اختلالات نفسية ومن الهلع بينما نحن بحمد الله لا تتأثر و نتحمل مختلف الضغوط.!!! وإن المحتلين الصهاينة لايستطيعون استمرار النزاعات والقلاقل والاضطرابات زمنا طويلا لأنهم يريدون أرضا بلا مشاكل ونحن متكيفون مع أوضاعنا وإكراهات واقعنا مهما كانت شدته وصعوبته.!! الخلاصة: إن الظلم والسيطرة بالقوة لاتسقط حقا و لا ترتب نتائج يعتد بها. فما دامت الأرض موجودة وأهلها مصممون على استرجاعها ولايقبلون التخلي عنها بأي ثمن فلن تضيع وستعود المياه لمجاريها عاجلا أو آجلا.. فلا أمل للمحتلين باستمرار احتلالهم إلا بتخلينا عن متابعة حقنا وهذا لن يحدث ولن يتفق عليه الجميع.. فما دمنا مؤمنون بالحق وعيوننا مفتوحة متجهة للمستقبل فلن يكون إلا الخير ولن يكون ضعف مرحلة أوتعثر جماعات يحتم نهاية تاريخ...قضية!!!؟

سبت, 17/10/2020 - 13:04