منظومتنا التربوية، تحت المجهر

محمد سالم حبيب

تعاني -  للأسف - وزارتي الوصية من اختلالات بينة، بعضها هيكلي وآخر بنيوي، والمفارقة أنكم لن تبذلوا كبير عناء - لمن لم يقرأ العنوان- في معرفة الوزارة التي أقصدها، فما إن أبدأ  بكتابة أولى حروفي عنها وعن واقعها، إلا وتعرف عليها الجميع وبكل سهولة ويسر.

أما ما سأكتب عنها فلا أدري من أين أبدؤه

تكاثرت الظباء على خراش

فما يدري خراش ما يصيد.

 أأكتب عن التسريب؟

أم عن فكرة الامتياز؟

أم عن الجدلية بين القطاعين العام الخاص؟

أم عن طاقم الإشراف المسؤول عن التسيير والطرق المتبعة في اختيارهم، ومدى قدرتهم على إحداث تغيير بناء في هذا المرفق الحساس المسمى "التعليم"؟

أم عن ما يحدث داخل هذا  المرفق من ممارسات يندى لها الجبين؟  وعنها حدث ولا حرج.

لكن سأضرب صفحا عن كل تلك الموضوعات، والتي لاشك سأتعرض لها لاحقا في خرجات أخرى وفي حلقات متصلة عن قطاع التعليم - إن كان في العمر بقية - لأقتصر هذه المرة على أهم مسببات الاختلالات التي تشهدها منظومتنا التربوية، وبأضدادها يتضح العلاج.

إن لكل بلد منظومته التعليمية، التي ترسم غايات ومرامي، تهدف إلى تحقيقها. وليس بلدنا بدعا من تلك الدول، إذ تهدف تلك المرامي والغايات عندنا من بين أخرى، إلى تكوين مواطن صالح محب لوطنه، مؤتمن عليه ومؤمن به يسعى للحفاظ عليه وعلى مكتسباته والذود عنها.

ومن البدهي أن لكل هدف شروطا، ينبغي أن تتوافر حتى نتمكن من قياس مدى تحققه.

لكن لا أظن أننا سعينا مرة للتحقق من مدى نجاح تلك الأهداف التي رسمنا لتعليمنا.

بحيث نتأكد من أننا فعلا حققنا تلك الأهداف أم أننا أخفقنا فيها.

وبنظرة بسيطة، يتضح أننا فشلنا في تكوين المواطن الصالح(الهدف المرسوم) فشلا ذريعا.

يشفع لذلك على الأقل، أن نفس العقليات والطرق التي كان يسير بها هذا القطاع لا تزال هي نفسها كما هي، لم تتغير قيد أنملة.

كما أن لنا في مخرجات تعليمنا بجميع مستوياته خير شاهد على ذلك، وتتضح الصورة أكثر في الممارسات حين يتولى أحدهم الشأن العام.

ومن آخر ذلك ما تم تداوله من تسريب جهود قطاع بأكمله بدراهم معدودة.

يتضح أن صاحبه مواطن زاهد في وطنه وأمانته. والأكيد أن ما خفي في كل مفاصل التعليم أعظم.

هذا الوضع المأساوي لواقع تعليمنا، كان من اللازم أن يكون دافعا للقائمين على هذه المنظومة التعليمية للسعي في محاولة الاهتداء إلى مواطن الخلل والقصور والبحث عن البدائل والحلول.

ولعل مرد هذا الواقع - حسب وجهة نظري المتواضعة - تتمثل في إهمال المحددات التي تخدم الأهداف المرسومة، والابتعاد عنها وتهميشها.

ويأتي في مقدمتها؛ مادتان أساسيتان، لو تم التركيز عليهما لكانتا كفيلتين بتقويم سلوكنا المدني والديني اللذين حادا بنا عن جادة الصواب.

وهاتان  المادتان هما: التربية المدنية والتربية الإسلامية.

لقد أهملتا وأهمل ضاربهما ومعلوم أن الطلاب، يوجهون اهتمامهم -"عادة"-  على المواد ذات الضارب الدسم.

ومعلوم كذلك أن هاتين المادتين، ينعكسان سلوكيا وفكريا على أصحابهما حين قياس مدى تحقق الأهداف، متمثلة في السلوك القويم والمدروس والمعقلن، وتقديس الدين، واحترام الرموز الوطنية، وما يغرسه ذلك من حب للوطن والحفاظ عليه، والابتعاد عن كل الممارسات التي لا تخدم هذا الاتجاه.

إن منظومتنا التربوية بحاجة لمراجعة شاملة، تنكس ممارساتها رأسا على عقب، ذلك أنها وعلى الرغم من كل هذه السنين وما استثمر فيها من مقدرات، لم تستطع أن تخرج لنا مواطنين صالحين يسعون إلى بناء جانبهم من الوطن يحافظون عليه وعلى مقدراته، لا ما نلحظه اليوم في وطن لا يراعي فيه أبناؤه إلا ولاذمة، بل وسعوا أبعد من ذلك حين أدخلوه ورطة، لن يكون الانفكاك منها بالأمر المتاح، على الأقل في مستقبلنا المنظور.

اثنين, 19/10/2020 - 12:57