طريق لاعودة منه أبدا

منى سالم الجبوري

هناك فرق کبير وشاسع بين مايتمکن الانسان ويقدر على فعله وبين مايريد ويطمح أن يتمکن منه ويستطيع أن يفعله، فالحالة الاولى هو واقع الحال أو الحقيقة، أما الحالة الثانية فهو مجرد طموح أو واقع إفتراضي أو الخيال والوهم. وفي أثناء الحروب أو المواجهات التي تسبقها أو قد تمهد لها، تطلق الدول العنان  لنفسها لکي تستغل الواقع الافتراضي من أجل تضخيم وتهويل قدراتها الحقيقية حتى تنال من معنويات أعدائها وخصومها وتجعلهم ينقادون ويخضعون لمطالبها، وبطبيعة الحال فإن البلدان ذات الانظمة الديکتاتورية، تذهب بعيدا في مبالغاتها وتهويلها لقدراتها وإمکانياتها، ولعل إستذکار نماذج مثل نابليون و هتلر وصدام والقذافي على سبيل المثال لا الحصر يعطي ثمة إنطباع عما نحن في صدد خوضه من موضوع.

التطورات الدراماتيکية في مجال الصراع الامريکي الايراني، ولاسيما مع إقتراب موعد تفعيل الوجبة الاولى من العقوبات الامريکية المفروضة على طهران في آب/أغسطس القادم، حيث تسعى الادارة الامريکية وفي ظل وجود معظم الاوراق القوية بيدها ورجحان الکفة لصالحها أن تجبر النظام الايراني على الانصياع والخضوع لمشيئتها خصوصا وإن الاخير يواجه واحدا من أسوء المراحل منذ تأسيسه، وإن طهران تعمل هي الاخرى على مواجهة الضغوطات والتهديدات الامريکية بسيل من تهديدات عنيفة ولکن الملفت للنظر هنا، إن الضغوطات والتهديدات الامريکية ممکنة التفعيل والتطبيق لواقعيتها أو على الاقل لقربها من الواقع في حين إن التهديدات الايرانية معظمها إفتراضية خصوصا عندما يتم مطابقتها بالحقيقة والواقع.

عندما تهدد الولايات المتحدة الامريکية بأنها ستمنع من تصدير إيران لنفطها، أو ماينقله مستشار الامن القومي جون بولتون عن الرئيس ترامب بأن"سوف يجعل إيران تدفع ثمنا باهظا لم تدفعه سوى دول قليلة على وجه الأرض، في حال أقدمت على أفعال خاطئة" أو ماقد رد به ترامب على تهديد الرئيس روحاني بالقول: "إياك أن تهدد أميركا مرة أخرى، وإلا ستواجه عواقب لم يواجهها سوى قلة عبر التاريخ"، بالاضافة الى تهديدات أمريکية بالوقوف الى جانب الشعب الايراني وتإييده في الاحتجاجات التي يقوم بها ضد النظام، کل هذه التهديدات الامريکية وبعيدا عن الميل والانحياز لأمريکا، عندما نقارنها بالواقع وبقدراتها وإمکانياتها نجدها إما واقعية أو قريبة من الواقع بمعنى إنها ليست إفتراضا أو وهما ولد في لحظة حماس وإنفعال.

أما لو جئنا للتهديدات الايرانية وفي مقدمتها التهديد بغلق مضيق هرمز والذي طفق هذا النظام بإطلاق تهديدات إغلاقه لمرات عديدة طوال العقود الاربعة الماضية ولکن من دون أن يقدم على ذلك عمليا، مع إستبعاد للعديد من الاوساط السياسية والاستخبارية لقدرة إيران على ذلك. وعندما يهدد روحاني بالقول:" محاولة أميركا وقف استيراد النفط من إيران «أمر جنوني» لم تفكر في عواقبه"، وقوله:" طهران ستتصدى بحزم لتهديدات الولايات المتحدة لحظر مبيعات النفط الإيراني"، وماقد قاله قاسم سليماني قائد قوة القدس الارهابية تعليقا على تهديد روحاني هذا:" سنمنع مرور شحنات النفط في مضيق هرمز، ردا على أميركا"، وماهدد به المرشد الاعلى أيضا من إنه:" إذا حظر على إيران تصدير نفطها، لن تقوم أي دولة أخرى بتصدير النفط"، الى جانب تهديد روحاني بأن:" على أميركا أن تعلم أن الحرب مع إيران هي أم كل الحروب" و"يا سيد ترمب لا تعبث بذيل الأسد، فهذا لن يؤدي إلا إلى الندم"، فإن التدقيق في هذه التهديدات والسعي لمطابقتها وقياسها بواقع قدرات وإمکانيات النظام الايراني، نجد إن معظمها من الواقع الافتراضي الذي ليس يعلم القادة الايرانيون فقط وانما الشعب الايراني أيضا بعدم إمکانية ذلك، وإن کل الامور تدل على إن إيران ستستلم في نهاية الامر"شائت أم أبت"للمطالب الامريکية وإلا فإنها ستمضي في طريق لاعودة منه أبدا!

اثنين, 30/07/2018 - 11:38