حكومة جديدة لتوازنات سابقة

غالب قنديل

يستغرق الوسطان السياسي والإعلامي في تداول التقارير والمعلومات عن عقد تشكيل الحكومة واستعراض مظاهرها بالمفرد فتصبح مسائل التمثيل والأحجام داخل الطوائف محور الاهتمام وينظر إليها معزولة عن السياق السياسي العام ومغزى وانعكاسات ميزان القوى المتحول داخليا كما عبرت عنه الانتخابات النيابية الأخيرة وكذلك بعيدا عن التحولات الإقليمية والدولية الجارية من حول لبنان .

عند التدقيق في الأبعاد السياسية الفعلية للعقد المحكي عنها يتضح ان الرئيس المكلف سعد الحريري وبالتفاهم مع كل من السيدين وليد جنبلاط وسمير جعجع يسعى للفك بين توازنات الحكومة الجديدة ونتائج الانتخابات النيابية التي كرست قاعدة التعدد السياسي في جميع الطوائف.

من الواضح ان هذا الثلاثي يخشى من محاكاة تركيبة المجلس النيابي في الحكومة الجديدة لأن الحاصل السياسي سيكون ترجيحا لخيار دعم المقاومة والعلاقة مع سورية ورغم عدم تبلور جبهة سياسية نيابية واضحة تعكس غالبية نيابية موجودة بالفعل وهي تلتقي على هذا الخيار.

تلك الغالبية موجودة عندما نجري حساب الخيارات لكن يستحيل جمعها حول مفردات الواقع اللبناني المحلي بتناقضاته الظاهرة ويمكن القول إن التيار الوطني الحر بات في موقع قوة الترجيح داخل البرلمان بين خندقي الرابع عشر من آذار والثامن من آذار وهو يلتقي مع جميع حلفائه السابقين في الثامن من آذار حول بندي المقاومة وسورية بل ان صوته قد يكون الأعلى احيانا في المجاهرة بهذا الخيار بينما تسود اختلافات وتناقضات بينه وبين كل من تيار المردة وحركة امل والحزب القومي في العديد من العناوين المحلية التي تؤثر الخلافات حولها أحيانا على حرارة العلاقة بين التيار وأقرب حلفائه حزب الله..

يمثل ظهور المبادرة الروسية لإعادة النازحين المطروحة بقوة على الواقع السياسي اللبناني تعبيرا عن عمق التغييرات الإقليمية والدولية الجارية بنتيجة صمود سورية وانتصارها مع حلفائها على العدوان الاستعماري الصهيوني السعودي وتلك التغييرات تفرض تكيفا لبنانيا يجب ان نشهد انعكاسه على التشكيلة الحكومية وبرنامجها واولوياتها فالمبادرة الروسية ليست مجرد مواكبة دبلوماسية أو دعائية لانتصارات الجيش العربي السوري بل هي إيذان بانطلاق حملة كبرى سياسية واقتصادية لإزالة نتائج وآثار العدوان على سورية وأهمها في الواقع اللبناني مشكلة النزوح التي كانت موضع استثمار واستغلال ومادة لرهانات سياسية وامنية متكسرة وخائبة.

إذن ليس المطلوب فحسب هو حكومة تجيد التكيف مع التوازنات الفعلية داخل المجلس النيابي الجديد مما يفترض عدم المغامرة بعرض تشكيلة تنتمي للمجلس النيابي السابق بل أيضا ثمة توازنات دولية وإقليمية جديدة عبرت عنها قمة هلسنكي وخصوصا في عدم الممانعة الأميركية لحملة روسية تهدف إلى قيادة عملية شاملة في المنطقة والغرب لإعادة النازحين السوريين إلى وطنهم بنتيجة اتفاق جرى بين القيادتين السورية والروسية.

اولى بديهيات التكيف مع المبادرة الروسية هو التخلي عن المواقف والسياسات اللبنانية الرافضة للتعامل مع الدولة السورية المنتصرة التي تحظى باعتراف دولي مكرس في الأمم المتحدة وهذا امر يشمل حكما تخلي الحريري وحليفيه عن اللغة العدائية الاستفزازية اتجاه الدولة الوطنية السورية ورئيسها الدكتور بشار الأسد او أقله القرار المعلن بعدم اعتراض طريق الحكومة الجديدة إلى إحياء العلاقات الثنائية والتعهد بمواكبة الارتقاء بدرجات التنسيق والعمل المشترك بين الحكومتين السورية واللبنانية سياسيا وامنيا واقتصاديا بدلا من المراوحة في حلقة اجترار الأحقاد دون طائل فعلى من تورطوا بالعدوان على سورية إدراك انهم خاسرون والأفضل لهم ان يجيدوا التكيف مع هزيمتهم لاحتواء النتائج والحد من الخسائر بدلا من المكابرة لإخفاء الحقائق عن مناصريهم.

يعتقد البعض انهم ينتظرون ضوءا اخضر سعوديا اميركيا قد يتأخر صدوره وهذا الانتظار يتم على حساب مصالح لبنانية ملحة تستدعي خطوات عاجلة فالقيادة السعودية محتجزة في حربها الخاسرة على اليمن وهي فعليا عالقة في باب المندب.

معضلة فريق الرابع عشر من آذار أنه لم يجر فحصا لخيباته السابقة كما لم يقم بأي مراجعة فعلية رغم الفشل المتراكم لرهاناته منذ سنوات بل إنه ماض بقوة العادة وبنتيجة المنافع الخاصة في ارتباطه بمنظومة الإمرة الخارجية بدلا من اعتماد المصالح الوطنية كمرجعية لحساباته ولمواقفه.

التمسك بعقبات التشكيل يعني السير عكس ما تمليه تركيبة المجلس النيابي المنتخب وهو كذلك خيار يسبح عكس تيار إقليمي دولي جارف أبسط ما يشير إليه الانكفاء الصهيوني الأميركي في معارك الجنوب السوري بحيث لم يبق من خيار لواشنطن وتل أبيب بعدما أسقطت سورية وحلفاؤها جميع الخطوط الحمراء سوى تحريك خلايا داعش المحمية في التنف لارتكاب مجزرة السويداء وجاء رد الفعل الشعبي معاكسا لرغبات التدخل الجنبلاطي من لبنان فجرى مزيد من الالتفاف والتلاحم في العلاقة بين الأهالي والجيش العربي السوري الذي يواصل زحفه لتطهير الجنوب من زمر الإرهاب وقد أتم انتشاره في معظم نقاط خط الفصل على جبهة الجولان من غير أي استجابة للضغوط والشروط الأميركية الصهيونية وعلى ثلاثي العرقلة اللبناني ان يفهم مغزى الإعلان عن قرب تسليم "قوات سورية الديمقراطية " بانتشار الجيش العربي السوري في مناطق سيطرتها بعد زيارة وفدها إلى دمشق وما يعنيه ذلك على صعيد السياسة الأميركية فثمة محور دولي إقليمي ينتصر ورضوخ اميركي للنتائج ولا يعني اعتراض طريقه من لبنان سوى قرار بالانتحار السياسي.

 

أربعاء, 01/08/2018 - 10:23