طريق الغيوم.. في تأبين المناضل والمفكر والإنسان محمد يحظيه ولد أبريد الليل (1944-2021)

محمد السالك ولد ابراهيم

الآن.. وبعد أن ذهبتُ.. دعوني أمشي في طريق الغيوم..
رغم أنه لا يزال لديّ أشياء وأشياء لأقوم بها في وطني..
ولأن طريقي لا ينتهي هنا..
لكن، لا تتمسّكوا بي بذرف دموعكم..
فلست أحب الوداع..
كونوا سعداء بسنوات قضيناها معًا..
حان وقت مواصلة طريقي نحو العلا..
فحياتي سماء تتدفق فيها آلاف النجوم..
لكن.. سأسافر وحدي..

*****
قد تبكونني لبعض الوقت.. 
إن كنتم بحاجة إلى بكاء..
لكن.. دعوا آلامكم تتحول إلى أفراح..
فللحظة فقط .. يذهب كل منّا في طريق..
غائب عن جسدي.. حاضر عند الله..
*****
سأسجّر الذكريات التي في قلبي عنكم جميعا...
فقد تخفف عني آلام الفراق..
ولن أكون بعيدًا عنكم.. 
لأن الحياة ستستمر..
*****
لا تذهبوا إلى قبري في "لكصر".. للبكاء 
فأنا لست هناك .. لأني لا أحب الظلام..
أنا لا أنام.. 
وقد أسرَجتُ خيلي بالعشيّ الصافنات الجيّاد..
أنا ألف رياح تهب في الصحاري..
أنا بريق بلورات حصى الأرض..
المشرعة نحو السماء..
أنا النور الذي يعبر حقول القمح سُحيرًا.. 
في سماء "آدوابَه"..
أنا ضوء الشمس يسطع فوق السنابل الناضجة..
 في بيادر "إينشيري"..
أنا مطر الخريف الدّفاق.. 
يروي عطش الصحراء الممتدة نحو الأفق..
أنا إيقاظ الطيور عند فلق الصبح.. 
وهي تهفو نحو  المرابع والتلال..
في رقصتها الدائرية ..
أنا النجم القطبي في الدياجي الحالكات..
قبسٌ من كوكب دُريّ..
يسافر سنوات ضوئية..
لكن.. لا تذهبوا إلى قبري في "لكصر".. للبكاء 
ولا تقفوا عنده في حزن..
فأنا لست هناك.. 
لست بين الأموات..
*****

كل ما قدمتُه في سنوات عمري.. 
يبقى لكم..
لا تحبسوه في صناديق صدئة..
حتى حديقتي السرية.. تبقى لكم..
لا تتركوا فيها زهرة منسية تذبل..
فكل ما قدمته للآخرين.. سوف يُزهر.. 
وكل ما زرعته سيعطي مئات السنابل..
و ستنبت كل دمعة ..
ابتسامة على شفاه ملايين التائهين..
وكل ما عانيتُ منه..
سيعود به الآخرون إلى الحياة..
فقط.. فكروا بي.. 
لأن القبر الحقيقي هو النسيان..
*****
محمد السالك ولد إبراهيم
أنواكشوط، 23 يناير  2021

أحد, 24/01/2021 - 16:05