خطيئة الثامن من آذار

 غالب قنديل

ترجح تطورات المأزق الحكومي صحة الرأي القائل بأن المشكلة بعدم ملاءمة الصيغ الحكومية المحتملة لحقيقة التوازن السياسي في المجلس النيابي الجديد الذي يجب النظر إليه وإلى مواقع الكتل النيابية وتشكلها بما هو أعمق من مظاهر التمايزات المحلية التي بنيت على فرضية اختفاء تكتلي الرابع عشر من آذار والثامن من آذار اللذين ظهرا عام 2005.

فرضية الاختفاء ما زالت مجرد خط وهمي بين مرحلتين تكذبه الوقائع العنيدة فعمليا كان الخط الفاصل بين المعسكرين عند تشكلهما هو الافتراق السياسي في الموقف من سورية والمقاومة وهو عصب الاختلاف والتمايز المستمر بينهما رغم محاولات عامدة لخلط الأوراق بهدف البرهنة على قيام واقع سياسي جديد او الإيحاء بذلك وتكريسه لغايات متعددة في نفوس أصحابها.

في المجلس النيابي المنتخب وتشكيلته وعلى ذلك الخط الفاصل أي سورية والمقاومة تحوز قوى الثامن من آذار خمسة وأربعين مقعدا مقابل أربعة وأربعين لقوى الرابع عشر من آذار التي أعاد توكيد استمرارها كلام الرئيس المكلف سعد الحريري عن التضامن السرمدي مع حليفيه وليد جنبلاط وسمير جعجع وعن رفضه لأي تواصل لبناني سوري مهما كانت اعتبارات المصلحة الوطنية.

في ظل هذا التخندق يمثل التيار الوطني الحر و"تكتل لبناني القوي"  كتلة الترجيح داخل المجلس النيابي بتسعة وعشرين مقعدا وهو فعليا أقرب إلى قوى الثامن من آذار في الموقف من سورية والمقاومة مع وجود عناوين اختلاف كثيرة تطال الشؤون المحلية مع قوى كالمردة وحركة امل.

قيام حكومة وحدة وطنية مستقرة يفترض بناء التشكيل على هذه الخريطة ونسب التمثيل التي تحتمها داخل مجلس الوزراء وهو ما يسعى الرئيس المكلف وشريكاه جعجع وجنبلاط لحجبه كليا متذرعا بمعايير تمثيلية تخرج عملية التأليف عن جوهرها السياسي المبدئي .

الخطيئة القاتلة التي وقعت فيها جميع اطراف تحالف الثامن من آذار هي الاستغراق في اللعبة الطائفية داخل النظام اللبناني والتراخي في إشهار الموقف السياسي والخيار السياسي وتحويله فعليا إلى قناعة باطنية مطموسة وغير ظاهرة لصالح التخصص في المنافسة على الولاء الشعبي داخل الطوائف والمذاهب بمنطق الخدمات وبمسايرة العصبيات بما في ذلك مداهنة جهات خارجية معادية لمحور المقاومة الذي تنتمي إليه قوى وزعامات ورموز معروفة بتاريخها وجميع البوادر الواقعة في هذه الخانة صبت لصالح القوى الأكثر مصداقية في تجسيد الارتباط بتلك الجهات.

ارتضت معظم قوى الثامن من آذار ان تتبنى خيارات ومواقف وخطبا سياسية محورها المنافسة التمثيلية داخل الطوائف ومن غير أن تقدم حقيقة خياراتها السياسية المبدئية كأولوية في الخطاب السياسي وللتقليل من حدة الصراع السياسي مع المعسكر الآخر أي قوى الرابع عشر من آذار الذي أظهر تصميما على خوض حملاته الانتخابية بشعاراته السياسية النافرة والمشحونة بالعداء لسورية وللمقاومة من غير أي مداراة او تهاون.

السؤال اليوم ماذا سيجري إذا جمعت قوى الثامن من آذار نوابها الخمسة والأربعين وأعلنت تمسكها بتمثيل وزاري يناسب هذا الحجم النيابي وعلى أساس تصور يشترط التزام الحكومة الجديدة صراحة بحماية المقاومة وبالتصدي للضغوط والعقوبات التي تستهدفها وبقيام افضل علاقات التعاون الأخوية مع الشقيقة سورية وبعدم الرضوخ لشروط الوصاية الأميركية وتبني توجه واضح لعلاقات خارجية دولية وإقليمية متوازنة تنهي عزلة لبنان عن التحولات الجارية وتنهي القطيعة والحذر مع إيران والصين وروسيا وتتبنى مفهوم السعي لشراكة إقليمية مع سورية والعراق والأردن بالتوازي مع العلاقات اللبنانية التقليدية مع الغرب ودول الخليج(الفارسي) وماذا سيجري إذا ضمنت قوى الثامن من آذار إعلانها عناوين لسياسة اقتصادية اجتماعية متوازنة تحمي القطاعات الإنتاجية وتخلق فرص عمل جديدة وتلبي مصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة وتعيد العمل بقروض الإسكان المدعومة؟

خطيئة قوى الثامن من آذار هي تفضيل التموضع الطائفي والمناطقي الفرعي على السياسة الوطنية والقومية فقد مارست إنكارا انفصاميا باختيارها اللاسياسة في مسألة سياسية بامتياز هي تشكيل حكومة لبنانية لأربع سنوات وذلك التموضع فرقها ومزقها فأضعفها وحولها جمعا مبعثرا لا حول له ولاقوة بل إن كتلتها القابلة للصرف في التوازن الكلي لمجلس النواب وللواقع السياسي تبددت عند احتساب التموضع الطائفي والمذهبي والمناطقي دون اعتبار الخيار السياسي.

إن استمرار هذا الواقع المزري يضعف الفاعلية ويضيع الفرص مقابل وحدة الفريق الآخر وانسجامه وتنسيقه المستمر وبدلا من استمرار الصمت والتذاكي يحتاج الأمر مبادرة تعيد التذكير بحقيقة الاصطفافات السياسية الكبرى وعندها يمكن إيجاد المخارج الواقعية القابلة للحياة بروح الحفاظ على الاستقرار والبحث عن التفاهمات والحلول الممكنة لجميع المشاكل المتفاقمة.

جمعة, 03/08/2018 - 11:33