مآلات سياسة بايدن في فلسطين

عبدالله الأشعل

تصريحات بايدن وتقرير اللجنة التى شكلها لعرض برنامجه فى السياسة الدولية رفعت أسهمه عند الفلسطينيين وأغاظت إسرائيل خاصة وأن بايدن لم يتصل بنتانياهو خروجا على تقليد الرؤساء الأمريكيين وبالفعل عين نتانياهو مبعوثا خاصا له للتواصل مع الإدارة الأمريكية الجديدة. المهم أن الفلسطينيين تفاءلوا بينما إسرائيل تشاءمت فما هو حقيقة الموقف الأمريكى الجديد من القضية الفلسطينية.؟
مبدئيا يجب أن نشير إلى عدة حقائق قبل عرض الموقف الأمريكى الجديد ومآلات فلسطين في ضوئه.
الحقيقة الأولى هى أن السياسة الأمريكية ترتبط بالمصالح الاستراتيجية للدولة العظمى والذى يتغير حسب الظروف هو الوسائل والأدوات. أما طبيعة شخصية الرئيس فمجال تأثيرها محدود للغاية فى النظم الديمقراطية التى تحكمها المؤسسات وتبنى سياساتها للمدى البعيد.
الحقيقة الثانية هى أن اللوبى الصهيونى هو خير ضمان لاستمرار الخط الأمريكى المؤيد لإسرائيل. وقد أشاع البعض أن الرئيس أوباما لم يكن صديقا شخصيا لنتانياهو ولذلك قالوا أن أوباما ليس ملتزما بخدمة إسرائيل كما تريد ودللوا على ذلك بأنه سعى إلى ابرام الاتفاق النووى مع إيران واعتبره الإنجاز الوحيد لإدارته فى ثمانى سنوات وقد أغضب ذلك إسرائيل واعتبرته دليلا على تخلى أوباما عن أمنها وطموحاتها، كذلك لاحظ نتانياهو أن أوباما قد ضحى بصديقه حسنى مبارك لصالح ثوار يناير، ومع ذلك أشاع الإعلام المصرى أن أوباما هو الذى دبر ثورة يناير وفضل الإخوان المسلمين وتناسى هؤلاء سجل أوباما الإجمالى فى الملف المصرى دون تفصيل. والحق أن أوباما لعب دورا هاما فى مصر لخدمة إسرائيل، كما أن اتفاقه النووى هو لصالح إسرائيل وحدها، ولكن الكيمياء الشخصية بين أوباما ونتانياهو لم تكن على مايرام.
الحقيقة الثالثة هى أنه مع ثبات السياسة الأمريكية فى الانحياز لإسرائيل، فإن ترامب بالغ كثيرا فى هذا الخط، وظن الفلسطينيون أن بايدن سوف ينحاز إليهم ويصحح تجاوزات ترامب، ولذلك رافقهم الأمل فى رحيل ترامب بسلام  وتولي بايدن ووضع نهاية لكابوس ترامب.
الحقيقة الرابعة أن انحياز واشنطن لإسرائيل لا تتوقف على مزاج الرئيس أو عدد اليهود فى الإدارة أو المصالح الأمريكية المستجدة مع إسرائيل وإنما هذا الانحياز سمة ثابتة فى السياسة الأمريكية فى المنطقة.
الحقيقة الخامسة أن معظم إدارة بايدن من اليهود وأن إسرائيل بدأت عهده بالتشكيك فى ولائه وهذا انحراف خطير لأى رئيس، خاصة أن بايدن ترك انطباعا بأنه عكس ترامب فى جميع الملفات ولكن الخط الذى أعلنته إدارة بايدن فى فلسطين يثير القلق حول مصداقية الإدارة الجديدة وتناقضه.
فقد أعلنت إدارة بايدن النقاط العشرة الآتية:
1- أن واشنطن تعترف بأن القدس عاصمة دائمة وأبدية لإسرائيل.
2- أن واشنطن لن تنقل سفارتها من القدس إلى تل أبيب مرة أخرى وتحتفظ بما فعله ترامب.
3- أن واشنطن تعتبر الجولان أراض محتلة.
4- أن واشنطن تتمسك بحل الدولتين عن طريق التفاوض.
5- أن واشنطن تعترف بالقدس الشرقية والغربية عاصمة لإسرائيل ولا تعترف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المقبلة.
6- أن واشنطن لا تعترف بضم الأراضى والاستيطان من جانب إسرائيل فى الأراضى المحتلة فى فلسطين وسوريا.
7- أن واشنطن تؤكد حق إسرائيل فى الوجود وتلتزم بأمن إسرائيل
8- أن واشنطن تشجع التطبيع العربى مع إسرائيل وتعتقد أن ذلك فى خدمة السلام والتسوية.
9- أن المساعدة الأمريكية للفلسطينيين ترتبط بمدى استعداد الفلسطينيين للتفاوض من أجل السلام.
10- أن واشنطن تعيد إسهامها فى وكالة الأنروا.
واضح أن عناصر الموقف الأمريكى الجديد متناقضة ولكنها تبقى على الانحياز المطلق لإسرائيل. أما رفض واشنطن للاستيطان وضم الأراضى فأظن أن ذلك للمستقبل البعيد ولاقيمة له فى خطط إسرائيل لضم مستوطنات الضفة الغربية، ولذلك منعت الحكونة الاسرائيلية الحديث عن خطط الاستيطان في الوقت الراهن وهي واثقة أن بايدن يسير علي خط ترامب.
وإذا كانت واشنطن متمسكة بحل الدولتين فذلك ذر للدماء فى العيون، والدعوة إلى المفاوضات فكرة عقيمة وتهدف إلى تسليم فلسطين لليهود وتنفيذ صفقة القرن والانتخابات الفلسطينية يؤمل امريكيا ان تنسجم مع خط بايدن.
أما القدس فهى بشقيها عاصمة إسرائيل. فكيف يتكون جسم الدولة الفلسطينية إذا التهمه الاستيطان والضم الحالى والقدس لإسرائيل فعلام يتفاوض الفلسطينيون الا علي تسليم فلسطين واسقاط خيار المقاومة.
 يضاف إلى ذلك أن التضييق على حزب الله والضغط على إيران ضمن الاتفاق النووى الجديد المقترح هدفه التخلى عن مساندة المقاومة وتقييد سياسات إيران فى المنطقة .وأما المرونة مع الحوثيين فالهدف هو احتواؤهم فى تسوية جديدة تمنع التهديد للسعودية  وقبول التسوية في فلسطين وقطع الصلة مع إيران  استمرارت لهذا الخط المقيد لسياسات إيران فى اليمن ولبنان مقابل الاعتراف بهم طرفا في التسوية.
ونعتقد أن إدارة بايدن تريد وضع حدود لنفوذ إيران فى العراق ولبنان واليمن، وإدخال السعودية وإسرائيل فى الملف النووى الجديد حتى تكون إيران تحت هيمنة ورقابة هذه الدول ليس فقط فى الملف النووى وإنما فى كل ملفات التسلح والتحركات السياسية.
فإذا كان بايدن يريد تجفيف منابع الدعم للمقاومة والاعتراف بالقدس كلها عاصمة لإسرائيل فما هو الفرق بينه وبين ترامب ولماذا التفاؤل بقدومه والفرح لزوال ترامب.
وأخيرا فإن أريحية بايدن بإعادة المساعدة الأمريكية لمنظمة الأونروا ليس صادرا عن رحمة بالفلسطينيين وإنما هو إجراء مكمل لخطه فى تمكين إسرائيل وتقوية الأنروا حتى تهتم باللاجئين الذين ينتظر أن يزيد عددهم مع طرد الفلسطينيين من فلسطين .
وسوف ترعى واشنطن بنفسها مفاوضات تسليم فلسطين وفق الاتفاق بين ترامب ونتانياهو الذى أسموه خطة السلام الأمريكية الجديدة.
وأعتقد أن ترامب كان صريحا خلافا لبايدن الذى جاء ليكمل ما بدأه ترامب بهدوء وبطريقة تبدو حكيمة .
ولذلك أطالب بدعم المقاومة ضد المخطط الأمريكي الإسرائيلى الذى استدرج العرب إلى صف إسرائيل، وضرورة دعم إيران حتى لا تقع ضحية هذه المؤامرة الواسعة ولابد من الدعوة إلى الحوار بين إيران وتركيا والسعودية والإمارات ومصر وتشكيل تحالف عربى إيرانى تركى يوقف الاندفاع الخليجى نحو إسرائيل بفزاعة إيران.

رأي اليوم 

ثلاثاء, 16/02/2021 - 09:39