المعهد التربوي الوطني: بيت التعليم العتيق

عثمان جدو

لا يجوز الحديث عن المعهد التربوي الوطني لمن جهل قيمته ومعناه، وغاب عن إدراكهِ حقيقةُ دورهِ وطبيعةُ مستواه..

إن المعهد التربوي الوطني هو بيت التعليم العتيق، وهو حجز الزاوية فيه، والركيزة الأساسية، والرافعة الصلبة القوية.. فهو مُنتِجُ الكتاب المدرسي بدءا بتصوره، ثم تأليفه وطباعته ونشره وإيصاله إلى يد التلميذ، ثم متابعته وتقييمه ومراجعته وتحيينه، ولكل واحدة من هذه المراحل خصوصيتها وحيثياتها التي لا يفقهها إلا من أوتيَّ حظا من التهذيب أو كان له قسط من التربية والتعليم.

تحدث (كاتب) عن المعهد التربوي الوطني بتحامل كبير وتجنٍ مكشوف؛ ليت صاحبه استحضر أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، كي يكون على بينة من أمره، أو هداية في طرحه، تكلم هذا الرجل عن ميزانيات ضخمة وسيارات كثيرة! وليته أخذ العبرة من تصريحات علنية لشخصية أرفع منه في هرم الدولة؛ انجلى عنها غبار البحث والتفتيش لتصبحَ إدعاءً ممن كان يلزمه اليقين قبل التصريح!، وما هذا الصغير المتحامل إلا تَبعٌ لمن سبقه وإن عن غير قصد، فلربما جمع الجهل النقيضين.  

إن من يقف على حقيقة عمل المعهد التربوي الوطني سيتفاجأ لا محالة؛ لكون هذا المعهد يعتمد في توفير الكتب على طابعات من الجيل القديم في أحسن أحوالها لا تستطيع طباعة ما يزيد على ثلث الحاجة من الكتب سنويا، ومع ذلك يمكن أن يكون هذا الثلث وافرًا إن أحيط بالصيانة اللازمة، ولكانت تراكمات الإنتاج بين يدي التلاميذ تسدُّ الحاجة في ظرف زمني وجيز، لكن غيابَ ثقافةِ صيانةِ الكتاب المدرسي وتداوله بشكل سليم في عمرٍ افتراضيٍّ ينبغي أن يتجاوزه استهلاكا؛ جعل الجهد ضائعا والكتاب مفقودا.

 ثم إن غياب القوانين المجرمة لبيع الكتب المدرسية في السوق الموازية(خارج الأكشاك) شكل تشجيعا للمتاجرين والمتربحين الذين يَعزُبُ تحركهم عن صاحب هذا الضوء الباهت الذي أراد تسليطه على هذه القضية، وظن أنه بذلك أتى بفتكة بكر!، فهؤلاء يجلبون الحاويات المحملة بالكتب من خارج البلاد ويزاحمون المعهد التربوي بطابعاتهم داخل الوطن، وطبعا طريدهم الربح أينما وجد وكيفما قُدِر عليه.

إن الذي يقول أن الأكشاك خاوية على عروشها؛ جانَبهُ الصواب، فالإنصاف يقتضي ذكر العناوين الموجودة والمشاهدة وهي كثيرة، والتذكير يقتضي التنبيه على العناوين المفقودة وهي كثيرة أيضا، ومَرَدُّ ذلك لأسبابٍ عدة منها: المراجعات المتزاحمة التي كانت سِمةً طاغية على الفترات الماضية، ومنها التجريب الذي تخضع له البرامج حالا؛ والذي يُرَكَّزُ فيه على طباعة العناوين الموجودة في سنوات محددة بشكل رسمي من طرف الوزارة الوصية، وبموجب ذلك تقتصر الطباعة هذا العام الدراسي (2020-2021) على طباعة كتب السنة الأولى فقط من كل مرحلة من مراحل التعليم الثلاث، وتسلك هذه الكتب بعد طباعتها طريقا واضحا يُمنع فيه البتة دخولها إلى الأكشاك، بل تسلم عن طريق المعهد التربوي الوطني إلى الإدارات الجهوية للتعليم والتي تتولى مسؤولية توزيعها داخل الفصول على كل تلميذ، وهنا بالذات ينبغي أن يزول اللبس ونتجاوز الإشكال..

بقِيَّ أن نشير في الأخير إلى أن الطابعة العصرية التي طُرِح موضوعها على رئيس الجمهورية يوم الافتتاح في امبود وأعطى تعليماته باقتنائها؛ لا يمكن توفير الكتاب المدرسي دون الحصول عليها، ولا يمكن أن تختفي مشاكل الكتاب المدرسي قبل إغراق الأكشاك بالكتب المدرسية، ولا يمكن تجاوز مشاكل الصيانة وغياب المتابعة دون توفير سيارات للمعاهد التربوية الجهوية لضرورة الوقوف على كل مدرسة ومتابعة الكتاب في كل نقطة من الوطن، هذا بالإضافة إلى ضرورة وجود نواة حقيقية للتأليف مجسدة في سلك ناظم وإطار جامع، كي نضمن تسليح المدرس الناطق بسنده الصامت، الذي يعد دون منازع إكسير المنظومة التربوية.       

خميس, 18/02/2021 - 19:26