في «حارتنا» بلطجي اسمه «إسرائيل»

عماد شقور

نشرت وسائل الإعلام العالمية يومي الاثنين والثلاثاء من هذا الاسبوع، خبرين، لفتا انتباهي كثيرا، وتوقفت عندهما:
خبر يوم الثلاثاء، الذي نشرته جريدة «القدس العربي» تحدث عن بيان صدر عن الإليزيه، حول استقبال الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، اربعة من أحفاد المحامي والزعيم الوطني الجزائري، علي بومنجل، حيث «أدلى الرئيس ماكرون بنفسه، وباسم فرنسا، بالإعتراف أن (جدّهم)علي بومنجل، تعرّض للتعذيب والقتل على أيدي الجيش الفرنسي خلال الحرب الجزائرية في 1957» ولم ينتحر، كما حاولت فرنسا التغطية على هذه الجريمة في حينه.
تابع بيان الإليزيه أنّه في العام 2000، «اعترف بول أوساريس، (الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية في الجزائر العاصمة) بأنه أمر أحد مرؤوسيه بقتل علي بومنجل، وإخفاء الجريمة على أنّها انتحار». وأضاف البيان أنّ الجيش الفرنسي اعتقل بومنجل «في خضمّ معركة الجزائر، ووُضع في الحبس الانفرادي، وتعرّض للتعذيب ثم قُتل في 23 آذار/مارس 1957». ولفت البيان إلى أنّ ماكرون «أبلغهم باستعداده لمواصلة العمل الذي بدأ منذ سنوات عديدة، لجمع الشهادات، وتشجيع عمل المؤرّخين، من خلال فتح الأرشيف، من أجل إعطاء عائلات جميع المفقودين على ضفّتي البحر الأبيض المتوسّط الوسائل لمعرفة الحقيقة».
كذلك شدّد الرئيس الفرنسي في بيان الإليزيه، على أنّ «هذه المبادرة ليست عملاً منعزلاً، ولا يمكن التسامح أو التغطية على أيّ جريمة أو فظاعة ارتكبها أيّ كان خلال الحرب الجزائرية، وهذا العمل سيتوسّع ويتعمّق خلال الأشهر المقبلة، حتّى نتمكّن من المضيّ قدماً نحو التهدئة والمصالحة والنظر إلى التاريخ في وجهه، والاعتراف بحقيقة الوقائع من أجل التصالح مع الذاكرة».
صحيح أن الجزائر هي «بلد المليون ونصف مليون شهيد» وأن لكل واحد من هؤلاء الشهداء والضحايا أبا وأما، ولكثيرين منهم ومنهن زوجات وأزواج وأبناء، وأحفاد.. مثل أحفاد الزعيم الوطني الجزائري، علي بومنجل، ولكل واحد من هؤلاء الحق في التخليد، وفي التعويض ايضا على من فقدوهم. ولعل في ابراز قضية أحد ضحايا الاستعمار الفرنسي للجزائر، ما يبعث الأمل في ان يتوسع هذا الملف ليشمل كل الضحايا. فلكل ضحية اسم وصورة وقصة يجب أن تسجّلَ وتنشر وتروى.
يحصل هذا عندهم على ضفتي البحر الأبيض المتوسط، أما في «حارتنا» التي تسميها الخرائط والأطالس «الشرق الأوسط» فإن إسرائيل، «بلطجي حارة الشرق الأوسط» الموغل في دماء أبناء الشعب الفلسطيني، تُمدد فرض السرية، مرة تلو الأخرى، على جرائم قادتها السياسيين والعسكريين، وكل افراد اجهزة الأمن فيها، وجنود وضباط جيش الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي. بل تُكرِّم الآلاف منهم وتكافئهم على جرائمهم. واكثر من ذلك انها تحاول وتعمل على منع منظمة التحرير الفلسطينية، من تقديم الدعم المادي لعائلات ضحاياها الفلسطينيين.
هذا الخبر من فرنسا الذي ينكأ الجرح العربي الجزائري، بقصد علاجه، ويعترف ويعتذر عن جريمة قتل مناضل وطني كبير بعد 64 سنة على جريمة قتله بدم بارد، يوصلنا إلى الخبر الثاني الذي توقفت مليّاً عنده هذا الاسبوع، وهو ايضا خبر نشرته وكالة الصحافة الفرنسية، لكنه من شمال أوروبا، من الدنمارك، (احدى الدول الثلاث الاسكندنافية الاساسية، مع السويد والنرويج) حيث تبدأ رئيسة حكومتها، ميتا فريدركسن، اليوم الخميس، زيارة لإسرائيل.

كانت الدول الاسكندنافية وخاصة السويد والنرويج والدنمارك، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية خصوصا، على مدى عقود، وحتى الآن، أشبه ما تكون بـ«ضمير الإنسانية» المطالب والمساند لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها

تقول الوكالة الفرنسية، إنه منذ اعلان فريدركسن عن هذه الزيارة لإسرائيل، في نهاية الاسبوع الماضي، بدأت حملة شعبية في الدنمارك، عبر وسائل التواصل الاجتماعي هناك، ثم تواصلت وتوسعت في الصحف ووسائل الإعلام الاخرى، ضد فريدركسن، رئيسة الحكومة، ورئيسة أحد أحزاب اليسار الوسط، التي تشكل مع أحزاب اليسار الائتلاف الحكومي هناك، الى أن بلغت هذه الحملة ذروة جديدة امس الاول الثلاثاء، عندما أعلنت رئيسة الحكومة أنها «ستتوجه الى تل أبيب في زيارة مشتركة مع المستشار النمساوي (اليميني المتطرف) سبستيان كورتز، للاستفادة من التجربة الإسرائيلية في تقديم اللقاح (الخاص بالكورونا) لشعبها، وللتعاون في مجالات الأبحاث وتصنيع اللقاحات وشراء الفائض منها»!. وقالت فريدركسن إنها عرضت فعلا شراء اللقاح الفائض من إسرائيل.
وتركزت الانتقادات في الدنمارك لرئيسة حكومتهم على نقطتين: الأولى هي «رفض التعاون مع دولة تحتل أراضي شعب آخر، وتعامله بطريقة وسياسة الفصل العنصري»؛ وأما النقطة الثانية فهي بسبب «منع الفلسطينيين من الحصول على اللقاحات». واعتبر عدد من احزاب اليسار واليسار الوسط في الدنمارك أنه «في الوقت الذي اظهرت فيه إسرائيل فعالية في تطعيم سكانها، فإنه لم يسمح لسكان المناطق المحتلة من الفلسطينيين الحصول على القدر ذاته من التطعيم»؛ وقال مقرر الشؤون الخارجية في حزب «الشعب الاشتراكي» كارستن هونغي، «ان السياسة الإسرائيلية تقوم بـ«لقاح فصل عنصري» وهو مصطلح دقيق للغاية، ولا أعتقد أنه يجب شراء اللقاح من الإسرائيليين» وقال هونغي لاحقا، «سأكون مترددا جدا في قبول تلقي لقاح كان يمكن أن يذهب للفلسطينيين، بحسب الاتفاقات الدولية، ويجب رفض التمييز ضد الفلسطينيين، وعلى ميتا فريدركسن ألّا تتحدث عن تجربة إسرائيل وكأنها قصة مشرقة ومنيرة للآخرين». واعتبر حزب «اللائحة الموحدة» انه كان يتوجب على فريدركسن، أن تثير مع بنيامين نتنياهو سياسة التمييز، وانه يجب تقديم اللقاح للفلسطينيين بالدرجة نفسها» وقالت القيادية في الحزب، بيرنيلا سكيبر، انه يتوجب على فريدركسن ان لا تتعاون مع دولة الاحتلال، وان «على الدنمارك الّا تنهب اللقاح من يد الفلسطينيين تحت الاحتلال».
كذلك اضافت صحيفة «بيرلنغكسا» كبرى الصحف الليبرالية في الدنمارك، في انتقادها لزيارة فريدركسن لتل أبيب، نقطة اضافية هي أن هذه الزيارة «تأتي قبل فترة قصيرة من الانتخابات في إسرائيل (23 آذار/مارس الحالي) وقد تشكل دفعة لنتنياهو الذي يسعى لاعادة انتخابه».
لقد كانت الدول الاسكندنافية وخاصة السويد والنرويج والدنمارك، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية خصوصا، على مدى عقود، وحتى الآن، أشبه ما تكون بـ«ضمير الإنسانية» المطالب والمساند لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وفي التحرر من الاستعمار والتمييز بكافة أشكاله، وبرز ذلك بوضوح اثناء الثورة الجزائرية، وخلال العدوان الأمريكي على فيتنام الشمالية. ومن هذه الدول في شمال أوروبا، انطلقت الشرارة الأولى لإدانة نظام التمييز العنصري، الابرتهايد، في جنوب افريقيا، مستذكرين في هذا السياق، أن إسرائيل ذات النظام المطابق لنظام جنوب افريقيا، كانت الأقرب لذلك النظام، والاخيرة بين حلفائه.

خميس, 04/03/2021 - 18:14