المسائل التجديدية في نظم المباحث الفقهية

محمدفال ولد سعيد

يعد كتاب نظم المباحث الفقهية للعلامة الفقيه والولي الكامل : الشيخ محنض باب ولد امين حفظه الله، ونفعنا ببركته؛ من أجل الكتب التيألفت أخيرا في الفقه، وخصوصا الفقه المتناول لنوازل ومستجدات العصر، وذلك لما يتميز به المؤلف من غزارة العلم ووفرة المادة العلمية التيحباه الله بها هذا إضافة إلى سلاسة النظم وجودة صوغه في ثوب بديع بليغ قل أن يجد مثله ولا يكون الإنسان مبالغا إذا قال بأن الشيخمحنض باب من أنظم من دخل هذه البلاد، ومن الذين نفع الله بعلمهم، فأقبل عليه طلاب العلم، ووجدو ضالتهم، في مسائله، يتدفق منها أريحالتجديد الفقهي في قالب فقهي مميز صاحبه عالي الكعب في العلم، متضلع في جميع علوم الشريعة أصولها وفروعها، بحث، ونقّح، وصحّح،وأفاد، وأجاد، والكلام فيه يطول ويكثر ولا تكفيه كلمات كهذه، وسنحاول في هذه العجالة إبراز مكامن التجديد في هذا النظم؛ تسهيلا وخدمةله فهو كتاب عديم المثال. 

وقد من الله علينا بالاطلاع على هذا الكتاب منذ أن كان مخطوطا فقد كان صديقنا العلامة النحرير والعلم الشهير الفقيه الشاب الدرديري ولدباب ولد معط حفظه الله ورعاه، فقد كان يثني عليه ويحفظه ويرشدنيص منه، حتى أخذ بمجامع قلبي، فلله درّ الشيخ محنض باب فقد كانكتابه كتاب تجديد في الفقه، يتحدث فيه عن الكثير من المسائل النافعة. 

إن من أبرز مكامن التجديد في هذا النظم، وخصوصا في هذا القطر، هو تقريب الفقه لطلاب العلم، وترغيب أهل العصر فيه، وذلك يتضح منخلال مقدمة تربوية يقدمها الناظم عند كل باب لتكون عونا وبابا  لطالب العلم على دخوله في ثوب مشوق وعبارات منسابة عديمة النظيرولكثرة الأبواب سنكتفي بمثال واحد وهو باب الصلاة حيث بين حفظه الله وأبقاه مقاصد الصلاة، وحكمة مشروعيتها، حيث قال : 

أجسامنا للقوت ذات حاجة ........ وهكذا الأرواح للعبادة 

وكل  روح  بالذي  لها خلق  ........ لم تتصل تُبلى بكرب وقلق 

 وشأن  كل   عاقل   لبيب    ........ ترك المعارضة للطّبيب 

  فهو    يقبل   بلا  جدال    ........ نوع الدّوا ووقت الاستعمال 

 والصّلوات  حقن  صحية   ........ أو وجبات للورى شهيّة 

شرعها  المهيمن  الحكيم  ........  لأنّه  بخلقه عليم 

إلى آخر ذلك 

وفيه ميزة أخرى أنه سلس وواضح لا يحتاج إلى شرح، وهذه ميزة قل أن توجد في الأنظام الفقهية. 

أما جانب التجديد فإنه باد لكل من قرأ الكتاب أو تصفحه، ومن ذلك التجديد؛ مسألة حكم الصور  الفوتوغرافية، وهي مسألة مطروحة، ونازلةنزلت وسال فيها حبر كثير من العلماء؛ بين مجوز ومحرّم، حيث بيّن  حكمها في كلامه على الملائكة حيث قال رحمه الله : 

وموضع الصّوّر والأجراس ........ إن كانت الصور صنع الناس 

لا ما من الرسوم بالفوتوغرا ...... فيِّ لدى المعاصرين يدرى 

فليس  حابس  الجهاز  الظّلّ ...... كناحت مصوّرٍ  للاصل 

وإنما يحبس في بعض الورق ...... ظلا لبعض ما له الله خلق 

وقد  يكون  حابسا لظلِّ  ما  ........ يعد حبس ظله محرّما 

كمثل ظلِّ فتياتٍ مبدياتْ   ....... لزينة أو كاسيات عارياتْ 

وذلك التحريم ليس راجعا  ...... لنفس حبس الظِّلِّ عند من وعا 

بل هو راجع إلى ما استُعْمِلاَ ..... فيه إذ استُعْمِل فيما حُظِلا 

وفي مبحث آخر من الأمور المتجددة وقد عنونه ب ( الكلام على بعض مسائل النجاسة، والترخيص في التداوي بالأدوية المشوبة بنجس قليل)  ذكر بأن الأدوية في هذه العصور التي تستعمل للدواء، لا تخلو من بعض النجس القليل، وذلك النجس مما يعسر الاحتراز منه، ولذلك فهومعفو عنه ومرخّص فيه حيث يقول حفظه الله : 

هذا وفي هذي العصور تصنع ....... أدوية لجل الادوا تنفع 

وقد يشاب بعض ذي الأدوية ....... بالنجس القليل دون مرية 

وكون  الاحتراز  منها  يعسر   ....... أمر له المنصف ليس ينكر 

فأكثر النّاسَ إليها ذو احتياجْ ..... أو اضطرار إذ بها اليوم العلاجْ 

وفي مبحث آخر نجد الناظم حفظه تعالى محررا النزاع في بعض المسائل اللغوية التي لها تعلق بالفقه، فنجده مثلا يفرق بين اللمس والمسّليوضح ما يترتب على كل منهما في مسألة نقض الوضوء فالمس هو ملاقات الجسم للجسم بالإطلاق وأما اللمس فهو : ملاقات جرم لجرم آخرلطلب معنى فيه، وقد بين الناظم الحكم والفرق بينهما، حيث يقول : 

اللمس في اللغة غير المسِّ  ...... والشّرح يمنع وقوع اللبس 

فالمسُّ  هو  ما  من التّلاق   ...... يقع للجسوم بالإطلاق 

واللمس ما من التّلاقِ يصحبُ ..... طلب معنى في الجسوم يطلبُ 

 مثل  البرودة   أو الحرارة      ...... أو الصّلابة أو الرّخاوة 

واللمس ينقض الوضوء إن وجد ... صاحبه اللّذّة أو لها قصد 

كما نجده في باب الحيض والنفاس محررا لمسائل لم يسبقه إليها الفقهاء من قبل ممن اهتمو بالنظم ففي ذكر بعض المسائل من الأخلاقوالآداب المتعلقة بالنفساء يرى بأنه ينبغي للزوج إجمام الرحم، وذلك لمقصد وغرض مميز وفيه مسألة تتعلق بالطب وقد بينها حفظه الله حيثقال : 

وينبغي للزوج إجمام الرّحم .... وإن يخف ضُرٌّ فحتمه لزم 

فعنق الرّحم ربّما يصاب  .... بقرحة أو وّرم أو التهابْ 

وقلّ أن يَّحصُلَ قبل  ستّةِ ..... من الأسابيع تمام الصّحّةِ 

ونجد أنّه في نظمه من الفقهاء المحرّمين لأذان السدس في البوق، وذلك مراعاة لما قد يترتّب عليه من الإضرار بالمرضى والشيوخ الكبار منالإزعاج وهذا نظر وبعد مقاصدي جميل واتى فيه بالأسباب محررا ومبينا لسبب ذلك حسبما بيّن في النظم حيث قال : 

واتّق في البوق أذان السُّدُسِ .... إن كنت ممَّن بالهُدَاةِ يَأْتَسِ 

فَقَدْ يَكُونُ للشُّيوخ والعجا .... ئِزِ وبعضِ الحبليات مُزعجا 

وفيه إضْرار بكل ذي وصب .... وكل من أنهك جسمه تعب 

وندب رفع الصّوت بالأذان قَدْ .... جاء فأصل الرفع ليس يُنْتقدْ 

ولكن  استعمال  بوقٍ  مُّزْعجِ  ..... فيه عن افضل القرون لم يجي 

وفي باب الزكاة تكلم على بعض النوازل المتعلقة بها مبينا النصاب في الورق؛ ذاكرا لأقوال العلماء القدماء والمعاصرين؛ بعيدا عن التعصبناصرا الحق مبينا حكمه وذاكرت الخلاف وسنقتصر على بيتين اورد فيهما الحكم الشرعي فيهما وأنهما تجب فيهما الزكاة حيث قال : 

ومعْدنِيُّ النَّقد في ذا العصر  ..... لا يُتَعَامل به في مصر 

فخَطَأٌ إسْقَاطُ حقِّ الفُقَرا .... في هذه العُمَل عن أهْل الثّرا 

وفي الزكاة كذلك تكلم على حكم المستغلات والرواتب ونحوها سواء كان فردا أو حكومة، أو شركة أو محاميا أو مهندسا وما أشبهه من أهلالمهم الحرّة وقد أوجب الناظم في هذه المسائل الزكاة وذكر الخلاف فيما إذا هل تجب فقط بدون حلول الحول أم لا بد من حلول الحول، يقولمبينا ذلك : 

وتجب الزّكاة في نصاب مال ...... من هذه الجهات كلِّها يُنَالْ 

والحول فيه عن بعض من فرطْ .... مشترط وقيل ليس مشترط 

وفي مسألة دفع القيمة في الزكاة وهي مسألة قديمة نص كثير من الفقهاء على عدم قبولها فخليل في المختصر يقول ( أو بقيمة لم تُجْزِ ) فالشيخ حقّق فيها المناط، وأبدى اجتهاده؛ ذاكرا أن دفعها بالقيمة أولى لما يترتّب على ذلك من نفعها للفقراء وسهولتها على من يدفع الزّكاةونفعها مشترك بين الفقير والغني مستشهدا بآية ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ) ذاكرا بأن هذا عام والمال منه الدرهم، وأن النبي صلى الله عليهوسلم طالب أهل الأموال بما هو سهل عليهم يقول الناظم حفظه الله : 

ودفعها اليوم لدى المحققين  ..... من المعاصرين أولى بيقين 

 فهْو  على  المُلاَّكِ  للأموال   ..... أسهل في البعض من الأحوال 

معْ  كَونه   للفقراء  أنفعا    ...... فَفِيهِ نفع للفريقين معا 

والله قال ( خذ من أموالهم ...... صدقة) والمال من الدرهم 

وليس ملاَّكُ القلاص القُودِ  ...... يوْمئذٍ من مالكي النُّقُود 

لذلك طالب الرّسول أهلا  ....... الاموال بالذي رآهُ سهْلاَ 

وفي مسألة رضاه الكبير حقق الحكم واجتهاد ورأى القول الأعدل في المسألة هو قول وسط مروي عن ابن تيمية وابن القيم رحمه الله وهذهالمسألة اختلف فيها الفقهاء قديما فمنهم من يرى أن لا رضاع إلا في الحولين مستندين لحديث صحيح وفيه حديث آخر معه وهذا هو مذهبمالك رحمه الله ومن العلماء من يرى أن رضاع الكبير يحرم؛ مستندا لحديث سالم رحمه الله، حين رضع سهلة رضي الله عن الجميع، وهوحديث صحيح، كما في صحيح مسلم، أما الشيخ فقد اختار مذهبا وسطا وهو مذهب ابن تيمية وابن القيّم  رحمهما الله حيث جعلاالتخصيص بالتحريم مرتبطا ببعض الأحوال والأشخاص فعنده أن امرأة نشأ في بيتها شاب ذو عفة، ويشق معه الاحتجاب لكثرة المخالطةمما تستدعيه الضرورة، فهده يحق لها إرضاعه ورضاعها معتبر هنا لهذه الضرورة وتنتفي الضرورة بانتفاء الموجب لها، وكذلك إذا ألجأتامرأة حاجة للسفر مع فتى في مكان قفر، فإن إرضاعها له محرم له، وتنتفي المحروسة بانتفاء الموجب لها فيقول بعد سرد الأقوال : 

وأعْدل الأقوال قول قد نمي  ..... إلى ابن تيمية وابن القيِّم 

إذ جعلا التحريم ذا اختصاص ..... ببعض الاحوال أو الأشخاص 

فمرأةٌ  في  بيتها  نشأ  شابْ   ...... ذو عفّةٍ يشُقُّ معْهُ الاِحْتِجَابْ 

 أو  ألجَأَتْها  حاجةٌ  لِّسفر   ......... معْ ذا الفتى في صحْصحَانٍ مُّقْفِرِ 

إِرضَاعُهُ الذي الضَّرورةُ إليْهْ ....... مُلْجْئةٌ مُحَرِّمٌ لَّها عليْهْ 

وينتفي التَّحْريمُ حيث انتفت ..... تِلْكَ الضَّرورَةُ التِي وصفتِ 

وفي مسألة البنك تكلم عليه وعلى فوائده وبدائل الإسلام بديلا إسلاميا عن أحكام الربا المحرم، ذاكرا أهمية البنك للدولة وللإنسان مبينا أهميةالبنك الإسلامي الذي يتعامل بالمعاملات الإسلامية حيث يقول مبينا الحكم وفي الضرورة كذلك ما يبيح بعض الأمور : 

هذا وللبنكِ قيامٌ بمهام ....... ليس يرى لغيره بها قيام 

وهو يرى في هذه العصور ..... لكل دولة من الضرور 

 وأكثر  الناس  له محتاج  ...... كان له ادِّخَارٌ أَوْ إْنتاجُ 

ثم يتكلم على البنك الإسلامي وفوائده وبديل الإسلام وحكم من دعته حاجة لغيره إن فقد  فيقول رحمه الله : 

والبنك الاسلامي دون شكّ ...... حاوٍ لمنفعة كل ملكِ 

 وفِيه  إغناء  عن  الأبناكِ  ...... من رأسماليٍّ أو اشتراكِ 

وحيث قلّ اليوم في البلاد .... والاحتياج لسواه باد 

فليس يأثم امرؤٌ دعته له   .... أي : لسواه حاجة إن عامله 

والعفو من رب الورى العفوِّ ..... عمن قد اضطر من المرجوِّ 

وتكلم على حكم من لم يجد في قطره إلا معاملات فاسدة بأنه إن اضطر يجوز له التعامل بها والفرق بين الشبهات وتفاوتها حسب الأخففالأهل فيقول : 

والمرء إن في قطره لم يجد ..... إلا التعامل بوجه فاسد 

جاز  له من فاسد المعامله ..... حينئذ ما دعت الحاجة له 

والشبهات بعضها أخف من .... بعض وما خفّ بالايثار قمن 

هذه مسائل، وغيرها كثير؛ في ثنايا الكتاب، لقد كان بحق كتاب مباحث في الفقه جليلة عزيزة، جمع فيه المؤلف أشتات المسائل النافعة،وأبدع فيه غاية الإبداع؛ هذا مع السلاسة في الالفاظ وحسن صياغة المعاني المطاوعة لها، حفظ الله الشيخ محنض باب ونفعنا ببركته ومتعالله به الأمة ولا زال بخير وعافية. 

ثلاثاء, 16/03/2021 - 14:49