الفساد العمودي والأفقي .

المصطفى ولد آكليب

يشكو أغلب المواطنين من فساد الانظمة التي تعاقبت على حكم هذا البلد ، مؤكدين أن بعض تلك الأنظمة شاركت في ذلك الفساد جاعلة منه نهجا وأسلوبا في الحكم ، وأن بعضها الآخر غضت طرفها عنه وتركت المفسدين يجمعون المال جمعا متواصلا دون وجه حق ، وهو ما جعلهم يحتلون مكان الصدارة في هذا المجتمع ، فيصبحون أصحاب سلطة وجاه إضافة إلى المال . 

إلا أن فساد الأنظمة والحكومات وما يرتبط به من فساد الأطر والموظفين  والذي يمكن تسميته بالفساد "العمودي" ، لأنه يعتمد على مراكز النفوذ ، لا ينبغي أن يخفي عنا فسادا "أفقيا" بدأ ينتشر منذ عقود في مجتمعنا ، انتشار النار في الهشيم . 
وهذا الفساد الأفقي يباركه الجميع ويبحثون عنه ويتخذونه وسيلة لبلوغ الأرب وتحقيق الأهداف .
فكل فرد يريد الحصول على الوظيفة إنما يريد الحصول عليها بطرق ملتوية ، تجعل الموظف السامي يحول المرفق العمومي إلى مجال لتوظيف الأقارب وابناء العمومة والخؤولة ، بعيدا عن الكفاءة والتميز . 
وهذا الفساد الأفقي هو الذي على أساسه يتم التعيين في الوظائف السياسية والإدارية التي يدير أصحابها شؤون البلد .

وهنالك مظهر من مظاهر هذا الفساد الأفقي اصبح يلامس حياة جميع الأفراد داخل هذا المجتمع . 
فقد ظن الكثيرون أن الاكتتاب عن طريق المسابقات سيوفر فرصا أكثر عدالة ونزاهة بدل الاكتتاب عن طريق الوساطة والزبونية ، إلا أن الفساد استطاع أن يتكيف مع طريقة المسابقات .
حيث أنه يبدأ يطل برأسه ابتداء من طرح الاسئلة ، فالذين يطرحون اسئلة المسابقات هم أفراد من هذا المجتمع _ الذي يعيش انهيارا في القيم _  ولهم أقارب يضغطون عليهم لمعرفة تلك الاسئلة فيحدثونهم عنها بشكل شفهي ثم تمر المسابقات بمراحل "الرقابة" و " التوهيم" ثم " التصحيح " ثم إعلان النتائج ، وفي كل مرحلة من هذه المراحل يقتطع الفساد الافقي حصته من كل ذلك وفي الغالب تكون هي الأكبر . 

ومما يدل على انتشار الفساد الأفقي في مجتمعنا هذا ، قطع الإنترنت أثناء إجراء المسابقات والامتحانات الوطنية ، لأن الجميع يريد المشاركة في ذلك الفساد : الأسر والأقارب والاصدقاء والمحبين والموالين والمعارضين .... إلخ 

ومشاركة " الجميع " توسع دائرة المستفيدين من الفساد وبذلك تتضرر مراكز النفوذ وداوئرها الضيقة ، وهي الاقل حظا من المعرفة ، والأكثر تضررا من تعميم الفساد الأفقي في مجال المعرفة . 
وإذا كان من الممكن قطع الإنترنت أثناء إجراء المسابقات فهل يؤثر قطعها أثناء مرحلة طرح الاسئلة ومرحلة التوهيم والتصحيح ؟ 

علينا أن نفكر جميعا في طرق أكثر أخلاقية ونزاهة من هذه الطرق المألوفة التي يمكن اختراقها بسهولة ، لأن الفساد في مجتمعنا اصبح قادرا على "التكيف" مع الإجراءات التي يتم اتباعها من أجل محاربته . 

مع أنني لا أزال أشك في  وجود إرادة جادة لمحاربة الفساد .

أربعاء, 14/04/2021 - 12:48