ابروديوم الصحافة بين المشروعية والتحايل

عبد الرحمن جد أمو

الصحافة كمهنة في هذا البلد عرفت جملة من مظاهر التمييع، لا تكاد تتعافى من جانب منه إلا وعبرت إلى جانب آخر أكثر مأساوية، تشويها للعاملين في هذا الحقل الذي كان يسمى تقليديا بسلطة رابعة؛ ينبغي أن تمنح لها الوسائل اللازمة لاضطلاعها بهذا الدور على أحسن وجه، خدمة للمصالح العليا للوطن، ومواكبة لتطلعات الرأي العام الوطني والدولي.
وبعيدا عن المقدمات الطويلة أعتقد أن ما يسمى بـ"ابروديوم" الصحافة أو التعويض للصحفيين عن أتعابهم ينبغي أن يتمتع بالخلفية القانونية والقوة الواقعية اللازمة، على غرار أتعاب أخرى مبوب عليها في القانون لشرائح عمالية في قطاعات مختلفة ولا تثير أية حفيظة بل تمنح وفق ضوابط محددة لصالح المعنيين دون مواربة ولا تلكؤ.
وقد ذكرني الجدل الدائر حول استفادة صحفيين هنا أو هناك من مبالغ مالية من هذا القطاع الوزاري أو ذاك بضرورة الحديث دون رتوش عن هذا البعبع، فنحن منتسبو المهنة نود ألا نكون "لحم الرقبه" في المخيلة الشعبية، فمن ذا الذي يزاول مهنة ولا يريد منها مداخيل واستفادات وتعويضات عن أتعابه، ولكن ينبغي أن يمر كل ذلك بطرق قانونية، تحمي سمعة العامل سواء كان صحفيا أو مصورا أو فنيا، بذل جهدا لتغطية أحداث معينة، وأخرج ما في جعبته، خدمة لأجندة تنفذ وفق ميزانيات مرصودة لتغطية تكاليف التنظيم، تحقيقا للأهداف المرسومة من قبل الجهات المعنية، سواء كانت مؤسسات حكومية أو شركاء أو ممولين.
وليس بعيدا عن هذا الجدل الذي ملأ فضاءنا طيلة الأيام القليلة الماضية، ينبغي أن نعرف كيف نتتبع صرف الأموال العمومية والرقابة عليها بطريقة موضوعية، إذ لا يمكن أن يكون هذا التتبع من وظائف الرأي العام، بل ينبغي أن تضطلع الجهات المختصة في مختلف المؤسسات بالأدوار المنوطة بها، حيث توجد في الدولة أجهزة تفتيش ورقابة كلفها القانون بهذا المسار، ولا بديل عن تركه لها دون استعجال ولا مسايرة للشائعات، بعيدا عن استهداف سمعة العاملين في قطاع واسع كقطاع الإعلام، وكأنهم وحدهم من يجوز تسريب خصوصيات عملهم وتفاصيله الدقيقة.
أما استفادة منتسبي المهنة الصحفية بالفعل من التعويضات التي ينبغي أن تكون مدرجة في الميزانيات فذلك أمر آخر، ويفتح الحديث عنه استدعاء صفحات من الفضائح والمناوشات أربأ باهتمام القراء الكرام عن التوقف مع تفاصيلها المخجلة، ولكن تلك الاستفادة تتطلب بعض الشروط الغائبة في ممارساتنا اليومية، حيث تستوجب إرساء مسطرة للعمل المهني الجاد، حماية لحقوق شريحة واسعة من العمال يتوزعون بين تخصصات الفريق الصحفي، بدء بالكاتب الصحفي، ومرورا بالمصور وليس انتهاء بالفني والسائق، فكل هؤلاء أفراد يؤدون أدوارا لكل منها خصوصيته، ولا يمكن نجاح أية مهمة إعلامية دون جميع هؤلاء العناصر، وهكذا يتطلب الأمر مستوى من العدالة والشفافية، وإيجاد مرجعيات قانونية تحدد تلك الامتيازات وتبعدها عن أهواء الآمرين بالصرف، وتعيدها لمسارها الطبيعي حتى لا تبقى منة تصاحبها مظاهر الإحراج والصرف في الغرف المظلمة، وكأنها عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
وختاما أعتقد أن هذه الخربشة مجرد صيحة في واد، لكنها إضاءة تعني الكثير للمعنيين بها، ونتيجة لذلك سيبقى النفس النضالي والخلفية النقابية هما الأقرب لاستحضار مثل هذه الإشكالات، من أجل معالجتها والوصول بها إلى إجراءات عادية، لتمثل مستوى من إعادة الاعتبار لمنتسبي مهنة تتمنع على منتسبيها الحقيقيين، وتمنح نياشين الامتيازات وجزيل الإكراميات لأدعياء تسلقوا على ظهور بعض المغيبين في قاعات التحرير وغرف الإنتاج.

خميس, 20/05/2021 - 13:19