اليوم التالي لوقف العدوان عن غزة… الكرة لا تزال في ملعب أبو مازن

 نادية عصام حرحش

كما في كل مرة، نعيش في هذا الوطن السليب سنوات هدوء مرتقب، حتى تتفجر الأمور من كل الاتجاهات، وتحط دمارا على غزة.
بقدر الألم والوجع والخسارة، تدب فينا حياة نتذكر بها اننا لا زلنا موجودين. لا يزال نبض الحياة كما يجب ان تكون فينا. نبض الحياة التي تؤكدها القدس في صمودها وتعززها غزة في مقاومتها.
بعيدا عن التضحيات الجسيمة التي قدمتها فلسطين في هذه الأيام، فكلنا نتنفس الصعداء بتوحدنا كما تمنينا دوما ان نتوحد. ولو للحظات مؤقتة. فهذه الوحدة وهذا الإصرار على الوجود وهذه المقاومة هي الشوكة التي ستبقى عثرة، مؤرقة، قاتلة في حلق اعدائنا. ستبقى شوكة في حلق كل من تسول نفسه على المساومة والمهادنة والتنازل عن حقنا بالوجود الذي نريده لنا. شعب واحد بوطن ممتد واحد، مهما تشرذم وتقسم وانقسم تبقى روحه واحدة.
لا فلسطين بلا القدس.
لا فلسطين بلا غزة.
لا فلسطين بلا حيفا واللد وعكا وام الفحم.
وحدتنا وايماننا بأحقية قضيتنا وعدالتها هي الثابت الوحيد والدائم في وجودنا كفلسطينيين. لا يهم كم يمر الزمن.
فجيل وراء الجيل تكبر فلسطين في وجداننا وقولبنا مهما تقسّمت وتشتت واستلبت.
ولكن….
كما دوما، للحقيقة وجه يقودها.
وما نحققه كشعب تجني ثماره القيادة.
سأقف اليوم بعيدا عن مجريات الأمور، ومخططاتها، وتوقعاتها السياسية، والإقليمية.
سأقف عند اللحظة الحالية التي لا يزال يتحكم أبو مازن بمعطياتها، ومؤقتا- ربما- مجرياتها.
فمهما قررنا تحييد قيادة رام الله الممثلة بفتح، وتحديدا أبو مازن شخصيا، الممثل بفتح والسلطة ومنظمة التحرير. فأبو مازن وحده يملك قرار التغيير وإنقاذ الوضع لما تجلبه لنا هذه اللحظة التاريخية. فنحن امام فرصة للتغيير نحو الأفضل بقرار منه، او الانحدار أكثر نحو الحضيض بقرار منه.
فهذه اللحظة اما ان تجلب لنا وحدة نلملم من خلالها شرذمتنا وانقسامنا وتشتتنا، واما تقسمنا أكثر وتقربنا أكثر وسط كل هذه التضحيات الى فرقة حاسمة، تأخذ فيها غزة دولتها وتتشرذم الضفة في ولايات الى ملوك طوائف.
الحل يكمن في قرار مبدئي يأخذه أبو مازن، وهو في إعادة الحياة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي لا يزال الشعب الفلسطيني يجد نفسه ممثلا بها. نحن امام فرصة تاريخية كشعب ان نجتمع من جديد تحت مظلة المنظمة فضخ دماء حقيقية جديدة بها، وفتح بابها نحو الكل الفلسطيني: فصائل وكتل وحراكات وأحزاب، وشباب من النساء والرجال.
ما نراه من مقاومة وإصرار لدى شباب فلسطيني من القدس الى حيفا الى رام الله يؤكد ان نبض هذا الوطن ممثل وحي بهؤلاء الشباب. كما الشباب الذي كأنه افراد المنظمة الحاليين قبل خمسين وستين سنة.
الحل ليس بإلهائنا بوهم انتخابات لن تحدث بخيار أبو مازن وعلى يبدو لن تكون بحياته. “فجهوزية” (على حسب تعبير أبو مازن بخطاب الجامعة العربية بالأمس) الامر بارتباطه بالقدس على طريقة أبو مازن لن تحدث، على الرغم من ان اهل القدس أكدوا رغما عن الاحتلال ورغما عن كل من حاول ان يسلخ القدس عن فلسطينيتها ان القدس ستبقى العنوان بأهلها لا برمزيتها. والانتخابات بشكليتها ورمزيتها، يمكن ان تظل عنوان مشاركة القدس بطرق خلاقة يمكن التجهيز لها. فلقد أثبتنا للسلطة ولإسرائيل وللعالم، ان هويتنا الفلسطينية ملك لنا لا يستطيع أحد ان ينتزعها منا مهما حاول استرضاءنا او تهديدنا.
والحل ليس بحكومة وفاق “ممكنة- يلتزم بها ” (على حسب تعبير أبو مازن بخطاب الجامعة العربية بالأمس)، لأننا نعرف جيدا ان الحكومة كالانتخابات في ذهن صاحب السلطة، عملية الهاء يبتغي منها ديمومة الوضع على ما هو عليه لا تغييره.
فاي حكومة تأتي بلا حلول حقيقية ومساحة حقيقية للعمل ليست الا مضيعة للوقت، واستهلاكا للموارد، والأموال، والارزاق. فهذه الحكومات التي يتم تشكيله تباعا نتكلف نحن الشعب بالدفع لمخصصاتها واجورها مدى الحياة.
نحن شعب تعدى الجميع في عدد الحكومات والوزراء، وبنفس القدر حرمنا من الانتخابات.
بينما يبحث أبو مازن في الوقت الضائع عن مخرج يتيح له الديمومة في الهائنا بحكومة وفاق على شروط الرباعية، أي انها ستكون حكومة تخلو من اهم مقومات وحدتنا وتعزز الانقسام وتؤكده. نحن لا نحتاج الى حكومة وفاق لاقتسام ثمن العدوان على غزة لتتيح للدول المانحة ضخ الأموال من اجل الاعمار من جديد.
نحن بحاجة للم الشمل الفلسطيني عن طريق منظمة التحرير الان، بفتحها امام الشعب لتمثله.
نحن بحاجة للترتيب لانتخابات حقيقية نستطيع من خلالها البدء بعملية الإصلاح للوضع المتصدع. فنحن امام دمار شامل لا يختلف في شكله عن الدمار الفعلي الذي نشاهده اليوم في غزة.
نحن بحاجة لإعادة بنائنا الداخلي. وعلينا المطالبة الجادة كفلسطينيين في كل مكان بإعادة الحياة لمنظمة التحرير بما يمثلنا كشعب فلسطيني، لا بما يريده أبو مازن لبقائه الابدي.
الحقيقة، انني دوما احترت بما يجول في عقل أبو مازن. تمنيت لو ان مشكلته فقط فيمن يحيطه من مستشارين. فلقد رأينا المآسي بالشهور الأخيرة من عدم كفاءة وقرارات كارثية فضائحية، جعلت من القيادة الممثلة بما يمثله أبو مازن اضحوكة للقاصي والداني. للمحب والحاقد. للصديق والعدو.
لا اعرف ان كان سوء الحظ هو حليف أبو مازن، ام هي قراراته الواضحة بإبقائه الوضع على ما هو عليه ببقائه.  لم يتبق من الحظ ما يحالفه، فلقد انتفضت عليه فتح نفسها، والتشرذم والتنحي والتمرد الحاصل في فتح لن يزيد الا دمارا لهذه الحركة المهمة والاصيلة بالوجدان الفلسطيني العام. فلا أحد يريد لفتح ان تتحطم.
وما جرى من هبة وانتفاضة ضد الاحتلال مبطن بغضب واستياء وتحذير ضد السلطة. فلا يحتاج الامر الى تحليل عميق. فالأمور واضحة. نحن شعب بغض النظر عن عملية كي الوعي الممنهجة التي طالته، لا تزال بوصلتنا موجهة في مقاومتها ضد الاحتلال. ولكن، بينما يتأجج الوضع بسبب الفساد المستشري، والدكتاتورية الناظمة لحياتنا كفلسطينيين تحت السلطة، والمحاباة، وانعدام الامن وغياب القانون وانتشار السلاح وقمع الحريات، تنتظرنا بالتأكيد حربا أهلية بشعة، ستطال الأخضر واليابس. السلطة والشعب.
وعليه، أتمنى لو يتحرك ضمير أبو مازن ويمارس دوره كرئيس فعلي لفلسطين. لا كرئيس لزمرة من ارباب المصالح التي تبقيه وتبقي مصالحهم كأن الوطن مشروعهم الاستثماري.

نقلا عن رأي اليوم

جمعة, 21/05/2021 - 10:57