قالت الأرملة

خالد الفاظل

كان الليل حالكاً والنجوم في السماء كئيبة. وكان كوخنا يتيما مثل أبنائي، يتوسد مساحة فارغة من العمران في حي شعبي مغطى بظلمات التهميش. كنا ننتظر الصباح لنصافح الحياة كما تعودنا مصافحتها دائما بأيدي خشنة وباردة. كنا ننام بكل عمق ونترك السهر لتلك المناطق المضاءة من العاصمة حيث يرمى النعاس مع بقايا الطعام على أرصفة الطرقات المكتظة بنقاط التفتيش والحواجز الأمنية...
كان الليل جدارا دافئا نسند عليه ظهورنا المرهقة بعد وعثاء النهار، كما كان صمته معينا لنا على الاسترخاء بعيداً عن الغبار والشمس التي تحفر أخاديد التجاعيد في ملامحنا وتجعل من الابتسامة العريضة المُبهجة تفشي أسرار صبرنا للعابرين عندما تفرج عن خطوط التجاعيد..
كنا نتذوق طعم السكينة في الليل، وفجأة تحول الليل لمأساة متشردة بلا مأوى، لنجدة تائهة في سرداب من الصمت. ثلاثة وحوش اقتحموا كوخنا يحملون الأسلحة. أنا وأمي وأبنائي اليتامى وأختى في كوخ لوحدنا بداخل عاصمة يقطنها حوالي مليون "مواطن". كان معظم رجال الأمن في الطرقات البعيدة عن كوخنا يفتحون الطريق للعائدين من السهر ويقفون أمام أبواب الأكابر في منازلهم. اغتصبوني بقسوة وحوالي مليون مواطن داخل منازلهم نائمون أو سهارى لم يسمع منهم أحد صراخي وعندما وصلهم صراخي صباحا أذابوه في الفيسبوك غضبا خافتا أو دفاعا عن تقصير المسؤولين. اللصوص غرسوا جراحا عميقة في عائلتي، جراح لا تندمل. روعوا أبنائي وأمي وأختي ثم ذهبوا، وإن امسكوهم فمأواهم سجن "دار النعيم" المريح، بينما أنا وعائلتي سنبقى مسجونين في ذاكرة حزينة وخائفة من الليل والوطن على حد سواء.
لم يزرنا الرئيس مواسياً. لم نر وزير الداخلية غاضبا ومستقيلا من منصبه. لم نر رجال الأمن يخرجون من بيوتهم بقوة مثلما تخرج العواصف الغاضبة من الأفق. لم نر مواطنا يخرج بقوة من منزله زاحفا ناحية الغضب. لم يتحدث أحد عن العار وعن الشرف، ولأني مواطنة مستضعفة وأعيش في أقاصي الحياة النائية سيكون ألمي العميق ورقة مطوية يتجاذبها السياسيون وعندما تنكمش وتذبل سترمى في مهب النسيان..
لكنني سأخبر الله بكل شيء في رسالة مطولة موقعة بنظرات أمي كما في الصورة. الله يعرف فحواها قبل أن أكتبها ولكن وكما ردد دائما والد يوسف عليه السلام: (( قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )).
تنبيه: أعتذر لعائلة الأرملة المغتصبة عن تأخر التضامن، فقد علمت بالخبر الحزين متأخرا. لكنني في نهاية المطاف؛ مجرد فقاعة انشائية وخطواتي لن تتجاوز عتبة الكلام...
هنا دكار. سهرت وليس من عادتي السهر، لكن أصداء الجريمة البشعة جعلت الليل مخيفا ومكتظا بأصوات تأنيب الضمير..

جمعة, 18/06/2021 - 09:49