المسألة الاجرامية و القوة الصامتة

الحسن ولد اعمر بلول

الم تر أن الشمس كانت مريضة 

فلما أتى هارون أشرق نورها

تقلد رئيس رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مناصب سامية وحساسة في الجيش والأمن لأكثر من ثلاثين سنة: من قائد للاستخبارات الوطنية الى قائد عام للامن الوطني فقائد عام للجيوش..تجربة طويلة، غنية ومتنوعة، لم تعرف البلاد خلالها حروبا و لا نزاعات مسلحة، ولا سلب من أراضينا شبر واحد..

هبت علينا رياح الإرهاب وتطايرت شرارتها وعبرت حدودنا ، وكانت المعالجة على يد قائد الجيوش آنذاك نموذجا فريدا، جمع بين الحزم واللين، وبين قوة النار وقوة الكلمة الحسنة، بين الحرب والسلم، فاضمحل شبح الإرهاب والتطرف العنيف ..و تراجعت التهديدات والمخاوف.. 

ولقد كان صبر الرئيس ، قائد الجيوش حينها، على أمن البلاد والذود عن حوزتها الترابية ، لا يعادله إلا صبره عن الحكم وزهده فيه..ولو لم يكن كذلك لانتهز أعظم فرضة وأسنحها، عندما أصيب الرئيس السابق بما عرف برصاصة( اطويله ) ودخل غيبوبة شديدة، كان يكفي للاستيلاء على الحكم رنة هاتف ، فأمر ، فالبيان رقم 1..

شمائل الصبر والصمود والصفح والصمت والثبات والانضباط جعلته مرشحا وطنيا أجمع عليه الطيف السياسي الوطني حيث أدركت النخب الامنية والعسكرية والسياسية والاحتماعية .. أنه رجل المرحلة و الرجل الأمثل ، القوي الأمين، لقيادة البلاد .

فخرج من الزحام يحمل عراقة  الأصل  والمنشأ على كتفيه ، مستلهما تربيته و خلقه الحسن ، و مستشعرا تحديات  الحاضر والمستقبل  لإعادة تأسيس الذات الموريتانية المستقلة التي يتفيأ أفرادها ظلال المواطنة و يسهم  كل منهم بخبراته ومؤهلاته في عملية البناء،..

قرار الترشح حمل نكهة جديدة: وزيرا للدفاع ، جنرالا متقاعدا، صفحة بيضاء في السياسة، يقدم نفسه لخوض غمار الانتخابات بأساليب تختلف عن المألوف في أخلاقيات التنافس الانتخابي، بعفة لسان وسعة صدر واعتراف  بأن الدولة الموريتانية تسع كل مواطنيها..ليشعر المواطن بالأمان. 

تولى الرئاسة عن شرعية كاملة فضيق الفجوة بين المعارضة الشديدة وبين النظام، وهذب الموالاة فتغير الخطاب السياسي لدى المتنافسين، ولم تعد المعارضة توصف بالخائنة العدوة ، و لا تعير الموالاة بأنها كتلة عمياء لا تحسن سوى التصفيق والتسبيح بحمد السلطان و الركوع له.. فألقى الساسة عصا الترحال والتنابز بالالقاب.. 

قرب الرئيس البعيد وتذكر المنسي وآوى المهمش و الطريد.. فنشأت بيئة جديدة للتقارب والتصالح والحوار مع رسو سفينة إصلاح ربانها متمرس، يعرف المجال جيدا ويختار فريقه بعناية، يسير بتؤدة و خطى حثيثة، معلنا قيام دولة في خدمة مواطنيها، خافضة الجناح، متصالحة مع مواطنيها، مضمدة الجراح ، باعثة الأمل ، ناشرة الأفراح..

فهذه خطوات صامتة وحسبك أنها فعالة ، مستنيرة و مستشيرة.. انجزت الكثير من الأعمال خلال السنتين الماضيتين، رغم ظروف الجائحة والإرث الثقيل من الفساد الممنهج .. زرعت الأمل  وجعلت سقف التوقعات لدى المواطنين مرتفعا جدا..

*الظاهرة المقارنة و مساءلة الحدة

نعم، حصلت جرائم مؤلمة، وأحداث تبعث على الغضب والضجر. و لا ينبغي  الاستخفاف بمشاعر الناس او التقليل من هول ما حدث، او نكران أن الأمن من أولى الاولويات وآكدها. وحين صدحت حناجر وتعالت أصوات منددة بما تراه خللا أمنيا على الدولة تحمل مسؤوليتها بشأنه، فإن ذلك يعني فيما يعني أن المواطن بحاجة الى الدولة و هي مطالبة دائما ببسط نفوذها و هيبتها وقوتها، و فرض الأمن والسكينة و الحفاظ على الأرواح والممتلكات..

إلا أن كل ذلك لن يحول دون التساؤل عما إذا كانت حالة الخلل الأمني هذه وليدة الساعة او هي الآن تمثل استثناء في تاريخ البلاد؟؟ 

إن مثل هذه الأحداث على فظاعتها و شدتها على النفوس، حصلت قبلها، للأسف، جرائم أكثر فتكا وألما وإرهابا، وهذه نماذج منها: 

يناير 2012توفي ولد دحود حرقا امام القصر

21 يناير 2012 بدر يطلق النار على رجاء بنت اسيادي

10فبراير 2012 عبد الرحمن ولد بزيد ينتحر حرقا أمام القصر

18 اغشت 2012 الطبيب الحسن ولد احمد يقتل أبناءه الأربعة.

8 دجمبر 2015 مقتل التاجرة خدوج بنت عبد المجيد وسط كابيتال طعنا وبدم بارد

8 نوفمبر 2016 شرطي يقتل زوجته رميا بالرصاص قرب بقالة ديسق الفلوجة

11 مايو 2017 رجل يقتل سيدة دهسا بتيارت

12 مايو 2017 مقتل المحامي الشيخ ولد حرمه رميا بالرصاص

19 مايو 2017 عامل منزلي يذبح أحد أبناء مشغله بالرياض

26 سبتمبر 2017 شابا يقتل زميله طعنا بصالة للعب بملح

4 أكتوبر 2017 مراهق يقتل زميله طعنا بانبيكت لحواش

31 أكتوبر 2017 مقتل مالك بوكرن ذبحا

18 فبراير 2018 العثور على رجل مقتول في سيارة افنسيس

10 أبريل 2018 مقتل حارس ليلي بتوجنين

16 مايو 2018 مقتل الفنان محمد الامين ولد أيده طعنا يتفرغ زينه

وفي نفس اليوم قتل شخصان في نزاع عقاري بالحوض الشرقي

11 اغشت 2018 مقتل مراهق طعنا بحي الترحيل بانواذيبو

23 أكتوبر 2018 تم قتل الفنان محمد الامين ولد أيده بدم بارد في تفرغ زينه

5 نوفمبر 2018 مقتل سيدة طعنا من طرف لصوص باطار

10 مارس 2019 مقتل شاب طعنا بقرية سوكني بالحوض الشرقي.

كل هذه الجرائم وقعت في عهد الرئيس السابق ، محمد ولد عبد العزيز.

فلماذا يتم تحميل الجرائم الواقعة أخيرا من معاني الخطورة والانفلات الأمني ما لم تحمل الجرائم الأفظع التي حدثت في العهد السابق؟

نسختان من الجرائم، لكن ردة الفعل كانت مختلفة..لماذا تكون ردة الفعل اليوم أكثر حدة و سخونة من ذي قبل؟

تفسيران في رأيي:

أ* التفسير الأول والأكثر برواز يتمثل في وجود أبواق إعلامية هائلة من ذباب الكتروني وغيره، لمواجهة النظام يحركها أباطرة الفساد الذين أحسوا بأن الدولة دخلت الى مخادعهم، وإستبانت كنوزهم الحرام وأصبحوا أمام المساءلة الحرجة. بل إن الذباب الإلكتروني قد بدأ الهجوم على نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني منذ بعض الوقت و تشتد حدة هجومه كلما تم الاعلان عن انطلاقة برنامج جديد او خطة جديدة لدى فخامة الرئيس، والأمثلة كثيرة( حفل توقيع بطاقات التأمين، حفل انطلاق برنامج اولوباتي، مهرجان تمبدغه لاطلاق مشروع زراعي ضخم..) . ويتضح هذا المعنى أكثر عند بروز أي حدث أمني، فيتم العمل على تصخيمه وجعله قاعدة لإطلاق الشائعات المغرضة الكاذبة الخاطئة، والاعلان أن الأمر يتعلق بانفلات أمني.. 

و لا يخطئ عقل اللبيب الأهداف الكامنة وراء مثل هذه الحملات حيث إنها تتلخص في السعي لكبح جماح مسيرة الانجازات، وزعزعة الثقة بين النظام والشعب..بل إن.هذه الأهداف تظل ثانوية بالنسبة للهدف الأكبر ألا وهو عرقلة مسار العدالة في التحقيق في ما بات يعرف ب "ملف العشرية".

ويجب القول بأن ما يحصل اليوم من تصرف إجرامي، ندينه، كان نتيجة حتمية وطبيعية للواقع الاجتماعي المتردي الذي تركه الرئيس السابق، حيث بات الشباب وفئات عريضة من الشعب يرزحون تحت وطأة ثنائي مدمر وهدام: 

- موجة من  نهب المال العام، لم يشهدها تاريخ البلد؛ و كان بالإمكان توجيه المال المنهوب لإصلاح التعليم وتكوين وتشغيل الشباب؛

- نشر خطاب الفئوية والجهوية والكراهية والشرائحية..وهو خطاب ظل يؤطر لعمليات الإخلال بالأمن وزعزعة السكينة و الإنسجام الاجتماعي والحيلولة دون العيش المشترك بين المواطتين في أمن واستقرار.؛

ب- التفسير الثاني يتعلق  بالعامل النفسي: تفسير سيكولوجي  سببه ارتفاع سقف التوقعات لدى الكثيرين بفعل ما ينتظرونه من رئيس الجمهورية..وهي توقعات طبيعية لأن الرئيس أبان عن إرادة صادقة وأنجز ما وعد به  في التنمية و تحقيق العدالة الاجتماعية ، وواجه أحداث كبيرة مثل جائحة كوفيد١٩ فتصدى لها..و وقع اتفاقيات هامة سيكون لها أثر عميق على تقدم البلاد،  و وضع مشاريع عديدة لامست حياة المواطنين وخاصة الفئات الهشة و المستهدفة..

إلا أنه حين تكون بعض تلك التوقعات تتجاوز الواقع وتقفز على المتاح، ولا تنظر الى الإكراهات والمعطيات الموضوعية، فسينجم عنها لا محالة إحباط نفسي لا يرجع الى أداء النظام بقدر ما يعود الى غياب الموضوعية في التصور الاصلي..

 إن " خيبة الأمل هذه" الناتجة عن سوء التقدير تفتقر الى رؤية نقدية تضع في عين الاعتبار سياق الحاضر و تبتعد عن المنهج السابق و لا تسترشد بأدوات العشرية السابقة..

* بعيدا عن السياسة

إن مثل هذه الجرائم حين يتم التعامل معها من زاوية سياسية بحتة فسيؤدي الأمر الى تسطيحها وتبسيطها والابتعاد عن ملامسة إشكالاتها الحقيقية والموضوعية.إن التفسير السياسي شيئ والتفسير العلمي شيئ آخر.

والعوامل الموضوعية لمثل هذه الظواهر معلومة لدى أصحاب الاختصاصات السوسيولوجية والأمنية و السيكولوجية..

وواضح من خلال برنامج فخامة رئيس الجمهورية السبد محمد ولد الشيخ الغزواني: "تعهداتي" وأولوياته أنه وضع في الحسبان كل المشاكل والاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والخلقية لدى المجتمع الموريتاني، وتصور حلولا جذرية لها..و يوما بعد يوم يسير في اتجاه تحقيق برنامجه رغم المنغصات والسياقات الدولية والأزمة الصحية العالمية.. يزرع الأمل كل حين في محاربته الفقر والتهميش وتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة الاعتبار للمدرسة الجمهورية و مكافحة الفساد المالي والإداري وتهذيب الحياة السياسية والعودة الى القيم الموريتانية الأصيلة، والتأسيس لولوج عصر جديد..

أربعاء, 23/06/2021 - 07:35