نهج الوسط وزعيمته

محمد أنس ولد محمدفال

كان الموالون للملك قديما  في البرلمان الفرنسي يجلسون جهة اليمين والمعارضون يجسون جهة اليسار ثم تطورت الفكرة عبر الزمن لتصل ما هي عليه اليوم من تباين بشأن الرؤى تجاه السلطة والسياسة والاقتصاد والمجتمع.

بيد أن الوسط إزاء هذه الثنائية السياسية ظل خيارا مقدرا له أنصاره ورواده، باعتباره قيمة سامية تبعد الإنسان عن الشطط في توجه ما أو نقيضه، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم كما قال الشاعر. (والقصد الوسط).

وفي موريتانيا لا تكاد تجد حزبا إلا ويدعي الوسطية والاعتدال، فكل يدعي وصلا لليلى، وليت ليلى تقر لهم بذلك.

غير أن من لم يوضع على محك التجربة والتنفيذ لا يمكن أن يُجزم بشأن مصداقية طرحه وقدرته على الثبات عليه و أن ينتقل من الأقوال إلى الأفعال، ومن الشعارات إلى "الوزارات" تجسيدا للرؤى وخدمة للوطن.

لقد ظل الواقع عندنا رهينا -أزمنة وآمادا- لثنائية المعارضة العدمية والموالاة العمياء، فلا الأولى ترى غير النصف الفارغ من الكأس ولا الثانية تنقد وتمحص وتثمن فقط ما يستحق التثمين، وتسعى لإصلاح الاختلالات  بما هو -أي الإصلاح- أسلوب نقدي بناء يؤثر الفعل على القول ويوقد ولو شمعة واحدة بدل أن يلعن الظلام ألف مرة.

ولعل حزبا واحدا استطاع الخروج من هذه الثنائية الحدية وتجسيد منهج  "الوسط" النادر، وذلك منذ أيامه الأولى وعبر أفكار زعيمه الأول الدبلوماسي ورجل الدولة المتمرس، الذ يعد أحد مؤسسي موريتانيا المعاصرة: حمدي ولد مكناس رحمه الله تعالى. 

إنه حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الذي تتزعمه اليوم السيدة الناها بنت مكناس، التي ظلت وفية لنهج والدها توازنا واعتدالا و وسطية.

ولأن حزبها حزب وسط فقد ظل محافظا على دور رائد في الأغلبية وعلاقة طيبة بالمعارضة، إلا ما كان من تحامل بعض من لا يفهم في السياسية، وأنها فن الممكن، وأن التمثيل في الحكومة يقتضي أن يقدم المتحالف أقوى أوراقه وليس لدى أي حزب ورقة أقوى ثقة ومصداقية من ورقة تمثيله برئيسه أو رئيسته.

فأن تقود أقدم حزب مرخص من الأحزاب الموجودة حاليا، وأن تنجح في حصول هذا الحزب على:

6 نواب (ثالث حزب ترتيبا في البرلمان)

423 مستشارا بلديا

17 عمدة

23 مستشارا جهويا

فأنت تستحق شخصيا أكثر من منصب وزير، وحزبيا أكثر من حقيبة وزارية واحدة، إلا إذا كانت هذه الحقيبة لسياسية بحجم الناها بنت حمدي ولد مكناس التي خلفت أباها في السياسة والدبلماسية، وخاضت تجربة "رجل الدولة"، فاستحقت لقب "سيدة الدولة" و "زعيمة الوسط"، لتجربتها الواسعة التي لم يكن أقلها  نجاحا وألقا حصولها على شرف كونها أول وزيرة خارجية في العالم العربي، هذا بالإضافة إلى قيادة عدة قطاعات و وزارات بعضها خدمي بكل ما يعنيه ذلك من صعوبة وملامسة للواقع ومعافسة لهموم الناس.

ولأن نهج النظام الحالي هو نهج وسط واعتدال بكل ما يجسده رأس النظام من اتزان وانفتاح، استطاع بهما تهدأة الأوضاع السياسية وتقريب وجهات النظر بين كافة الفاعلين السياسيين، خدمة للوطن وانساجمه و وحدته الوطنية.

فإن فرص حزب وسطي كحزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، ستكون واعدة أكثر من أي وقت مضى ما دام ثمت انسجام في الأداء وشراكة سياسية مثمرة قوامها نهج الوسط وتجذير الوحدة الوطنية.

هذه الأخيرة الأخيرة التي ظلت حاضرة بقوة في أدبيات وأولويات الحزب منذ عهد المرحوم حمدي ولد مكناس، وهو ما يفسر حضوره المتميز في منطقة الضفة بجميع مكوناتها، بما هي منطقة جامعة أكثر من غيرها لفسيفساء المجتمع وبرهان على قابلية التعايش والوحدة.

وهكذا كسبت الناها مع الزمن ثقة الساكنة هناك وظلت وفية لهم كما ظلوا أوفياء لها، وعيا منها بأن الوطن للجميع وأن الوحدة الوطنية صمام أمام السكينة والسلم الأهليين، وأن الحوار وتجاوز التقاليد والأفكار الرجعية هما سلبيل جبر الخواطر وتصافي القلوب.

 ولا يقتصر هذا الطرح على منطقة الضفة بل يتعداه لكافة أرجاء الوطن، التي بات حضور الحزب فيها يتنامى من خلال خطاب الوسطية والوحدة، وأجزم أن هذا الحضور سيتعزز في قابل الاستحقاقات، فالنجاح يجلب النجاح، والبقاء للأصلح، ولا يصح إلا الصحيح.

أربعاء, 23/06/2021 - 07:37