زبل البقر!

خالد الفاظل

أحيانا عند الكتابة الموازية تصادفني كلمات من اللهجة الحسانية أحاول تعريبها. لكنني عند الذهاب للقاموس اكتشف بأنها فصيحة. اللهجة الحسانية مشتقة أساسا من العربية، لكن الإيقاع الصوتي لمتحدثيها يجعل غير المتكلم بها يظنها بعيدة عن الفصحى وذلك نتيجة الطقس الجاف ونوعية المشروبات التي نتناولها وتؤثر على حبالنا الصوتية..
عند اقتراب موسم الأمطار، اذكر بأننا كنا نقوم بتزبيل سقف المنزل بغية سد الثقوب التي يتسرب منها المطر، وأذكر  بأن عملية التزبال كانت تؤتي أكلها وتحمي السقف من البكاء. كما أنني أذكر أيضا أن النساء الباحثات عن السمنة ونضارة البشرة أيام كانت البدانة من علامات الجمال، كن يقمن بتزبيل اللبن وذلك بغمس زبل طازج فيه قبل شربه. كما أن بعر الإبل أذكر أنه كان يخلط بالماء ويشرب للتداوي لست متأكدا ويستخدم أيضا في أشياء أخرى. وزبل البقر أيضا كان موقدا يوفر كمية كبيرة من الحرارة ويستخدم في الطهي وطباعة الميسم على الدواب حتى يصبح نسبها معلوما للرعاة. أما كيميائيا؛ فيمكننا بواسطة زبل البقر إنتاج غاز الميثان (CH4). حيث إن حوالي 1000 بقرة تنتج 250-300 كيلو وات من الكهرباء يوميًا مما يكفي لإنارة 300 منزل. يعني أننا إذا قمنا بتزبيل وزارات مثل الطاقة والتنمية الريفية والزراعة والبيطرة فيمكننا مثلا توفير طاقة نظيفة تساعد في تجنب الانقطاعات المتكررة للكهرباء بمعظم مدن الدواخل وحتى العاصمة.
كما أن مشاهدة الزبل المتناثر صباحاً في لمراح وأظنها بدورها كلمة فصحى(لمراح)، يساعد في إثارة الوجدان وخاصة عندما تطأ قدمك زبلة رطبة في صباح خريفي أخضر تغذيه النسائم المعبأة بروائح اللبن المسخن والأعشاب الخضراء المنقوعة في جداول الماء..
ختاما؛ الزبل والتزبال كلمتان فصيحتان حسب القاموس:
زَبْل: (اسم)
زَبْل : مصدر زَبَلَ
زَبَّلَ: (فعل)
زبَّلَ يزبِّل ، تزبيلاً ، فهو مُزبِّل ، والمفعول مُزبَّل
زبَّل الفلاَّحُ أرضَه: سمَّدها وأصلحها برَوْث الحيوانات حتَّى تجود للزِّراعة. الروث أيضا كلمة فصحى !
وهذا المنشور؛ يدخل في إطار تزبال " اتحاد الكتاب والأدباء الموريتانيين ". الذي مافتئ شعراؤه وكتابه يستخدمون غالبا الياسمين والشراشف والزيزفون والثلج والنورس والمداءات والغاب وأنواع الأزهار والأحجار الكريمة، مبتعدين عن تزبال القصيدة الموريتانية بالمعاني والأخيلة المخبأة بمخزوننا من التراث الضارب في أعماق اللغة العربية ومعانيها. فلا ضير إن كتب أحدهم قصيدة ثورية ضد الفساد والمحسوبية عنوانها الكبير "زبلوهم" تأسيا برائد مدرسة "التزبال" الوطنية المدون المغترب Talib Abdel Wedoud  أو يكتب لنا قصيدة مبللة بالرومانسية عنوانها "زبليني" إذا كان يخاف من المجاهرة بنقد واقع المواطن التائه خياله في مداءات المشاكل. کما أن عملية تزبال الفضاء السمعي والبصري لابد منها، حتى يكون لنا إعلام حر وشفاف ونزيه قادر على تزبال الحقيقة...

جمعة, 25/06/2021 - 09:55