أين "ابوليس"

محمد الأمين محمودي

كنا نطارده،نركض خلفه والمسن الذي يشبه عجوز النقود أو طيف الوجه الذي كنا نتخيله في الورقة النقدية،نفس التسريحة والذقن، يلتفت الينا ثم يواصل هرولته،وحين نقترب منه ونصرخ:ابوليس ابوليس..يتحول وجهه الى وجه صبي مرعوب شاهد قناعا مخيفا لأول مرة..أذكر وجهه وهو يطلب منا بعينيه الخائفتين أن نسكت،يوصد أذنيه بكفيه، ثم يجري رغم ملابسه النظيفة وشعره الأبيض المرتب..في الحالات العادية يحمل حنجور الطلاء الذي حوله الى قنينة ماء يستخدمها للوضوء على عادة الكبار يومها،ثم يذرع أحياء العاصمة بهرولة خفيفة هي مايميزه عن لداته من شيوخ انواكشوط..كأنه في كل مرة يوشك أن يحلق أو يقفز استعدادا للارتقاء،لابد انه يسير على الجمر، يبدو دائما في حلته البيضاء وارتقائه كأنه المسيح عليه السلام كما يصوره الغربيون تخيلا في السينما..مايحدث هو أن كلمة واحدة تغير أحواله وتفقده وقاره وهيبته..هل هو ضحية من ضحايا شرطة القمع؟!
هل عذبوه يوما..آثار العذاب لاتسقط بالتقادم، فذات يوم صفعني وأنا اليافع مفوض يسمونه اسويلك(ليس تصغيرا للاسم وانما اشتهر به هكذا)، ومازال اسم المفوض الى اليوم يشل خدي الأيمن رغم انني سامحته بالطبع.
"ابوليس" اختفى من الشوارع قبل عقدين، ولم أسمع له ذكرا لكن وجهه لم يفارقني تماما كما حركة يديه حين يبدو وكأنه يحمي نفسه من رجم بالحجارة، وان لم نزده على كلمة واحدة، لكن يبدو أنه يراها حين يسمعها ويحسها حين تخرج من أفواه الصغار كقاذفة صواريخ تبحث عن عينيه كهدف.
ربما مات ..ربما رماه أحدهم في فناء بيت ليطعمه من بقايا طعامه حتى يرحل..رحمه الله.. لكن هل منكم من يعرف حكايته؟!
ثم هل كنا نعذبه؟ وهل كان حزينا وعاجزا رغم قلة حيلتنا كأطفال؟
أحزن حقا متى تخيلت أنه كان فعلا حزينا وعاجزا.
 

ثلاثاء, 29/06/2021 - 14:16