نحنُ والقانون

الشيخ محمد حرمه

حين قال كبولاني إنه سيقيم «دولة للبيظان»، ضحك الإليزيه حتى بدت نواجذه، وسقط على ظهره، وصار يرفس الأرض برجليه.

لقد خطرت الفكرة في ذهن الفرنسي الشاب حين صعد هضبة تكانت، وألقى نظرة على السهول الممتدة في الأسفل؛ قُتل كبولاني.. فولدت «الدولة» من العدم.

يقول الوزير السابق والرجل المحترم التيجاني ولد كريم، إننا مجرد «سكان» ولسنا «شعبًا»، لأننا لم نتشبع بعد بقيم المواطنة، وعلاقتنا بالدولة ما تزال علاقة «غير طبيعية»، إننا نخشى القوانين ولا نرغب في الخضوع لها، فلا نقف لإشارات المرور ولا نحترم الطوابير.

اليوم تتأكد هذه الحقيقة، أولا حين رفض المعلمون تقييمهم من طرف الوزارة الوصية، وثانيا حين احتج مثقفون وسياسيون على قانون يحد من الإساءة في النقاش العام، وأخيرا حين تطبق الدولة القوانين بازدواجية واضحة.

في شهر فبراير 2017 اعتقل الأمن السنغالي أربعة أشخاص، من ضمنهم صحفية، وجهت إليهم تهمة «بث صور مخلة بالأخلاق»، تهدف إلى «الإساءة» لشخص رئيس الجمهورية، وكان المعتقلون ثلاث فتيات وشاب، جميعهم في حدود العشرين من العمر، وأحيلوا إلى السجن فورا.

يتعلق الأمر بصورة تم التلاعب بها، لجسد رجل عارٍ على سرير، وركب له وجه الرئيس السنغالي ماكي صال، وهي الصورة التي لم يتم تداولها على نطاق واسع، وقلة من شاهدوها بسبب قوة قانون يحمي «الرموز الوطنية» صادقت عليه السنغال قبل ذلك بعدة أشهر، أي نهاية عام 2016.

جميعنا نعلم أن الديمقراطية السنغالية متقدمة «نسبيا» على ديمقراطيتنا «البدوية»، ومع ذلك فقد عاش السنغاليون قبل سنوات قليلة وضعًا شبيه بما نعيشه اليوم، وهو حالة هستيريا على مواقع التواصل الاجتماعي (خاصة فيسبوك وواتساب)، تدنى فيها الخطاب إلى مستويات غير مألوفة لدى السنغاليين «المسالمين»، فانتشرت الشائعات والأخبار الزائفة، وغلب خطاب عنيف على النشطاء، وأصبح المدونون عدوانيون جدا، ويخلطون بين الإساءة والنقد، وبين المجالين العام والخاص.

إن عدوانية الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤشر مهم لأنها تعكس الإحباط من السياسات العمومية، ومن انتشار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية، ولكنها مشاعر «سلبية» يجب التعاطي معها حتى لا تتحول إلى «مرض اجتماعي»، رغم أن علاجها الحقيقي هو استهداف جذورها (الفساد، الظلم، التهميش).

الدولة كهجاز عليها أن تستمع للمحبطين، لا أن تكمم أفواههم، فصمتهم إخفاء لبركان سينفجر في أي وقت، وحالة الإحباط أكبر من أن تخفى، سواء أولئك المحبطين الذين يتحدثون أو الذين يلوذون بالصمت، أو من فقدوا القدرة على الحديث من شدة الإحباط..

دعوا الناس تتكلم ولكن علموها كيف تحترم القانون.

إن أول درس في احترام القانون يجب أن تقدمه الدولة حين تطبقه على الجميع، دون أي استثناء، فمن غير المنطقي أن تسن القوانين لتصبح سلاحا بيد الأنظمة السياسية تشهره في وجه المعارضين، ومن هنا ينتاب الجميع قلق كبير من هذا القانون، في ظل غياب حدود واضحة المعالم بين النقد والتجريح.. إنها تهمة جاهزة لإسكات أي معارض.

أعتقد أن الرحلة التي سيخوضها القانون قبل أن يصبح ساري المفعول (مصادقة البرلمان، والنشر في الجريدة الرسمية)، يمنح السلطات فرصة ذهبية للتوعية وشرح القانون، لأن ترك الوعي بالقانون للصدفة يفقد القوانين قوتها والإيمان بها.

القانون مهم.. ولكنه مخيف في ظل مزاجية أجهزة الدولة، وعدوانية الناشطين الافتراضيين، وارتجالية القرارات.

خميس, 15/07/2021 - 11:32