من الظواهر الغريبة في مجتمعنا وما أكثر الظواهر الغريبة فيه ظاهرتان:

محمدن الرباني

- جرأة العامة من غير ذوي العلم الشرعي على إبداء الرأي في أحكام الشرع، وهي بلية عظمى لأنها تؤدي إلى تميبع الشريعة ورفع القدسية عن أحكامها وتلبس الحق بالباطل.
- جرأة بعض المحسوبين على العلم أوالدعوة على التشكيك في كل شيء وإبداء الرأي الشرعي الذي لا يستقيم إلا على رأي فني متخصص دون اعتماد عليه، وهي لا تقل عن الأولى لانها تظهر أهل الدعوة كالعامة يهرفون بما لا يعرفون، فينزع المصداقية عنهم، لحديثهم في كل شيء، ومعارضة كل شيء، من غير تحقيق ولا تدقيق.
لقد تفاجأت من بيان وقعه بعض الدعاة يرفض إلزام الناس بالتلقيح ضد الأوبئة.
وقد ساقوا أدلة تفيد عدم وجوب التداوي وهي أدلة انحرف مساقها ولم يستشهد بها في محالها.
تصلح الأدلة التي ساق  البيان لعمل المرء في نفسه، ولأن يعتمدها قولا يفتي بها مستفتيه، لكنها لا تصلح لمخاطبة أولياء الشان في تدبير مصالح الناس طبقا للمصلحة كما يقرها المختصون..
إن واجب ولي الأمر ان ينظر فيما يصلح الناس، ولا مانع من أن يحرم عليهم الحلال، إن ترتبت المصلحة على ذلك، كما لا مانع من أن يستفيد في أمور الحياة وما يصلح الناس من تجارب الأمم الكافرة.
يدل على هذين الأمرين حديث صحيح رواه مسلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "ﻟﻘﺪ ﻫﻤﻤﺖ ﺃﻥ ﺃﻧﻬﻰ ﻋﻦ اﻟﻐﻴﻠﺔ ﻓﻨﻈﺮﺕ ﻓﻲ اﻟﺮﻭﻡ ﻭﻓﺎﺭﺱ، ﻓﺈﺫا ﻫﻢ ﻳﻐﻴﻠﻮﻥ ﺃﻭﻻﺩﻫﻢ ﻓﻼ ﻳﻀﺮ ﺫﻟﻚ ﺃﻭﻻﺩﻫﻢ ﺷﻴﺌﺎ" ﺛﻢ ﺳﺄﻟﻮﻩ ﻋﻦ اﻟﻌﺰﻝ، ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ - ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ -: ﺫﻟﻚ اﻟﻮﺃﺩ اﻟﺨﻔي" ﺭﻭاﻩ ﻣﺴﻠﻢ.
فالغيلة وهي وطء المرأة المرضع حلال في الأصل وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم -ولا يهم إلا بمباح- بالنهي عنها لمصلحة الأمة خشية من أضرار تصيب الأولاد، ولم يصرفه عن النهي عنها إلا النظر في تجارب الأمم في عصره.
كذلك فإن المصلحة المرسلة التي لا يشهد لها دليل ولا يلغيها آخر دليل شرعي عند المالكية والحنابلة وكثير من المحققين.
وانطلاقا من مراعاة هذه المصلحة دونت الدواوين وضربت السكك وأقيمت مصالح مختلفة في نواحي الحيا ة المتعددة.
وقد نص العلماء على جبر الأفراد على بيع ممتلكاتهم إذا تعلقت بها مصالح عامة كتوسعة مسجد أو طريق أو مقبرة ففي الدسوقي تعليقا على قول خليل: "لا إن أجبر عليه جبرا حراما" ﻗﻮﻟﻪ: (ﺟﺒﺮا ﺣﺮاﻣﺎ) ﺃﻱ ﻭﺃﻣﺎ ﻟﻮ ﺃﺟﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻴﻊ ﺟﺒﺮا ﺣﻼﻻ ﻛﺎﻥ اﻟﺒﻴﻊ ﻻﺯﻣﺎ ﻛﺠﺒﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﻊ اﻟﺪاﺭ ﻟﺘﻮﺳﻌﺔ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺃﻭ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﻭ اﻟﻤﻘﺒﺮﺓ.
فإذا جاز جبره في ماله لتوسعة طريق فجبره في بدنه من أجل محاصرة الوباء وجعل الناس ينطلقون إلى معاشاتهم وضربهم في الأرض مطمئنين جائز.
والذي يحدد رجحان المصلحة من عدمها المختصون المؤتمنون والفقيه يحدد الحكم الشرعي بناء على أقوالهم.
والعلم عند الله تعالى.
 

اثنين, 09/08/2021 - 12:23