الحوار أو التشاور والرهانات

 محمد محمود إسلم عبد الله

في ظل الحديث عن حوار أو تشاور مرتقب بين الطيف السياسي الوطني يبرز السؤال الجوهري : هل نحن بحاجة لهذا التشاور ؟ وأي نتائج يمكن أن نتوقعها منه؟

إن الإلمام بواقع البلد الحقيقي يمنحنا عادة القدرة على التصور والحكم ، فما هو حال البلد اليوم ؟ وما هي أبرز المشاكل والمعوقات المطروحة أمام النظام الحاكم؟

يعاني بلدنا اليوم مع الأسف من ترد هائل معيشي وخدمي ، فضلا عن ضعف الحكامة الرشيدة ، وغياب الأفق ، وانعدام الثقة في السلطة الحاكمة من طرف طيف واسع من النخبة ، والمواطنين البسطاء على حد سواء.

إن الاستسلام الملاحظ من طرف القائمين على الشأن العام لمجهول المقادير دون بذل أدنى جهد لتغيير واقعنا المزري ، وإنقاذ سفينة الوطن ، أمر يبعث على الشفقة أكثر مما يدعو للحقد أو الكراهية والغضب والتعصب.

في الساحة الثقافية والسياسية هناك دوما من يقدمون حلولا جاهزة ووصفات سحرية لكل مشاكل الوطن ، بعيدا عن العقلانية والمنطق ، صليل سيوفهم يصم الآذان ، وصهيل جيادهم ينسيك ذي قار وبدرا والقادسية واليرموك.

أيها الساخطون العاطفيون المتحمسون المغاضبون والسكارى بخمر الثورات الملونة والانقلابات العسكرية ، وحروب الجهات والفئات والألوان إننا ضد تفكيركم ، ونوازعكم ، وحلولكم النمطية المستوردة التي أنتجت دمارا في مشارق الأرض ومغاربها ، فلا تعولوا علينا في نزواتكم العابرة في امتطاء صهوة عذاباتنا ، فعجز الأنظمة وفشلها في التنمية أحلى من فردوسكم المزعوم.

إن لسخطنا على النظام القائم ما يبرره فواقع غلاء المعيشة اليوم والتذبذب في اتخاذ القرارات وتطبيقها ، ، وبطء تنفيذ المشاريع ، وضعف المتابعة ، كل ذلك يسبب إرباكا لدى المواطن ، ويضعف هيبة الدولة ، ويجعل إجراءاتها حبرا على ورق ، فضلا عن سوء الاختيار في صفوف المؤهلين لتولي الشأن العام ، والتردد في محاربة الفساد لدرجة أننا لم نعد نسمع عن مفتشية الدولة ، ولم نر موقوفا من مفسدي ما بعد العشرية ، وأظنهم كثيرون.

فهل يمكن أن يتم تدارك كل ذلك عن طريق هذا الحوار؟

هل يمكن طرح الأمور بواقعية ، ونقاشها بجدية ، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه دون خوف أو تردد أو خداع ، أو مزايدات ؟

هل يمكن استعادة هيبة الدولة بمسؤولية وحكمة ، وتطبيق العدالة الاجتماعية ، وفرض احترام القانون على الجميع ؟

هل يمكن إطلاق المواهب ، وانتقاء الكفاءات للشأن  العام ، بعيدا عن حساباتنا التقليدية القبلية والجهوية والعرقية ، التي أنهكت الدولة وآذت مئات الألوف من حملة الشهادات؟

هل يمكن ترميم ديمقراطيتنا المشوهة ، واحترام إرادة الناخب في الاختيار ، ووضع ضوابط لانتقال السلطة إلى المدنيين دون صدام مع الجيش؟

هل يمكن نقاش مشكل الهوية ، واللغة بشقيها التعليمي والوظيفي بأريحية لإيجاد حل ينسجم مع الدستور ، ويناسب الجميع ، ولا يقصي أحدا؟

إن الشجاعة والحكمة تقتضي القسوة أحيانا ، واتخاذ قرارات وتنازلات مؤلمة خشية الأسوأ ، فهل نحن جميعا مستعدون لذلك ومدركون لحتميته ؟

بغض النظر عن تفاؤلنا أو تشاؤمنا إلا أننا جميعا نتمنى التوفيق للمتحاورين أو المتشاورين في خلق مناخ جديد يكون منطلقا لأفق أرحب يمكن فيه تسوية بعض الهموم الوطنية الملحة ، وتخفيف بعض الأعباء عن كاهل المواطن البسيط ، والإنحياز لمشاكله ، وما أكثرها.

إذا كان هذا التشاور جادا فعلا فسيكون في مصلحة الجميع ، وسيكون قد جاء في وقته  ، وإذا كان تلهية واستهلاكا فسيكون أشبه بالكوميديا السوداء ، و(المدرك إبليام عريان).

ختاما يخيل إلي دائما أن حال بلدنا مع الأسف ربما تلخصه مقولة الأديب العالمي المصري علاء الأسواني الذي ذاع صيته  وترجمت أعماله لزهاء أربعين لغة ، حيث وصف الشعب المصري ذات مرة في عهد حسني مبارك على ما أظن قائلا : (نحن أشبه بمجموعة من لاعبي كرة القدم الموهوبين ، لكن المدرب لا يحبنا ولا يحترمنا ولا يريد إعطاءنا الفرصة أبدا ، وهو يستعمل في الفريق لاعبين فاشلين وفاسدين يؤدون دائما إلى هزيمة الفريق).

سيدي الرئيس

حبذا لو جربتم فريقا جديدا ، وأساليب جديدة ، فالمواهب الحقيقية لا تطفو على السطح ببساطة ، ولا بد لاكتشافها من غواصين مهره ، والعاطفة والمجاملات لا تناسب في أحيان كثيرة القائد الناجح .

 

وفقكم الله

وسدد خطاكم

وألهمنا جميعا من أمرنا رشدا.

ثلاثاء, 26/10/2021 - 12:46