البيان رقم 1 من مدرسة الشرطة:  لا يا "ميتادور" عزيز!

سعيد ولد إبراهيم

قرأت باستغراب شديد و الضحك يغالبني، البيان رقم 1 من المدرسة الوطنية للشرطة، الذي "أسدره" الرئيس السا.. (ضعوا أي حرفين مكان النقاط) محمد ولد عبد العزيز.

وأول ما أثار استغرابي هو هذه الصياغة الطارئة قطعا لقلم الرئيس الكا.. عزيز، فلا شك أنها نزلت عليه بنفس "الكرامة" التي نزلت بها ثروته الهائلة كما سنعلم لاحقا.

عهدنا بعزيز قبل البيان أن القضاء اتهمه بالتورط في تحويل الثروات الموريتانية إلى ممتلكات شخصية له، وأنه ردم أغلبها في ملاذات آمنة عبر العالم حيث لاتراها شمس ساطعة ولا عين باصرة، إلى أن يستولي عليها المودعون (بفتح الدال)، كمثيلاتها من الأرصدة المشبوهة لمسؤولي العالم الثالث. وعهدنا به أنه لما سئل عن ثروته الطائلة من طرف الصحافة قال -والعهدة عليه- إنه حصلها من "لحجاب" (بكسر اللام وجزم الحاء). وهي طريقة لم تتوقعها الصحافة الحاضرة رغم ظمئها، ولم يصدقها "شعبه العزيز" رغم فقره. عجيبة والله ومبهرة هذه الطريقة في تحصيل الثروات، فنحن نعرف حجابين ناجحين أفنوا أعمارهم 'ينفضون" ولم يحصلوا ثروة كهذه أبدا طوال حياتهم المديدة.. رغم نجاعتهم وصحة الحكمة في أيديهم..

أما ما أثار استغرابي أكثر فهو لبوس التقوى والنزاهة والمسؤولية التي برز بها عزيز من مدرسة الشرطة في بيانه لشعبه "العزيز عليه" حسب نص البيان.

السيد الرئيس السا.. نعلم عنك أنك كنت من المولعين بالاستفتاءات، وأنت على قيد الرئاسة، أو ليس من المناسب الآن أن تسفتي شعبك العزيز اليوم عن رأيه في استفتائك له سابقا حول رموزه الوطنية؟ لما افتريت عليه و أطحت بكل رموزه الوطنية الكبرى رغم أنفه، قبل قانون حماية الرموز الوطنية الذي أثارك: ألست أنت من أطاح بالنشيد الوطني الجميل خارج أية شرعية؟ أوليس رمزا وطنيا؟ ألست أنت من داس على العلم الوطني المألوف ومزق نضرته افتياتا على شعبك العزيز، بكل قسوة؟ ألم يكن رمزا وطنيا؟ ألست أنت من تخلص بكل وحشية من مجلس الشيوخ؟ ولم تكتف بذلك بل أهنت ممثليه المنتخبين، بعد أن حاولت شراء ذممهم، فأخذوا منك دون أن يعطوك، ومع ذلك تتحدث عن شراء الذمم؟ ألم تحرمهم من حقوقهم الدستورية بعد ذلك بنسبة مشاركة مجهرية في استفتاء فاشل أخرجته أسوأ إخراج، بعد أن تحكمت في تلك النسبة وسمنتها بعد أن ذبحت الديقراطية من الوريد إلى الوريد أمام عينيها، بالتزوير والتبرير، والتشهير، والتحقير، والتكبير والتصغير، والتهديد والوعيد، واللكم والتسديد.. أنت تنسى السيد الرئيس السا..

يشهد الجميع أنك لم ترتح حتى مارست رياضتك الصباحية بكل نشوة على أنقاض بناية الشيوخ التاريخية البريئة. بسعادة غامرة تذكر بسعادة الدكتاتور الروماني "نيرون" عندما أحرق روما ليتمتع برؤية وهج النيران وهي تلتهم عاصمته الجميلة، إمعانا في السوداوية، ألم تقم بذلك لأن الشيوخ عارضوك ودافعوا بكل شرف وأنفة عن القيم الديمقراطية وعن الرموز الوطنية الكبري! وهل وصلت النرجسية بالحجاج وإيفان الرهيب، واستالين، وإخوانهم ممن ذكرتهم في بيانك درجة تصفية الحساب مع مبان و جدران لاتسمع ولا ترى ولا تحس؟

كيف -بالله عليك- توجه نداء لشعب احتقرته جميعا، ومرغت رموزه في التراب، وتمشيت على أشلائها ووجهك يطفح حبورا وتشفيا من مسح معالمه الكبرى؟ ثم تقوم بغسل أمواله، عبر تبديل عملته وتهجير ذهبه، وتسفيره وتدويره في موجة فساد شهدت بها الصحف الاستقصائية وشهد بها الرجال الذين أعادوا طواعية عشرات المليارات من ودائعك لهم.. اهههه، وتتحدث بعدها عن الفساد المالي؟ أوليس هذا شعبك العزيز، والفقير طبعا، والذكي طبعا؟ وأنت ألست رئيسهم الغني جدا كما قلت بلسانك؟ لقد صدق من قال لك يوما دون أن تستوعبه فتعاقبه كالعادة: إن شعبيتك تزايد بسرعة، عانيا بذلك تكاثر الفقراء في عهدك من شعبك (العزيز عليك)؟

السيد الرئيس السا.. 

ثمة أكثر من قرينة تؤكد أنك قمت بكل ماقمت به من تلاعب خطير بالمصالح العليا للشعب الموريتاني وبمشاعره الدينية العميقة في كل مرة من أجل تحويل مبالغ مالية من ملكية عامة للشعب إلى ملكية خاصة لك. وثمة أمثلة أكثر من الحصر على ذلك حيث رتبت وألفت وأنت المؤلف، مؤامرة تمزيق المصحف، التي راحت ضحيتها نفسان زكيتان، تغطية منك على فضيحة تهريب صناديق معبأة باليورو ضبطت في أحد مطارات الدول الصديقة وتم الحجز عليها، وكانت موجهة إلى ملاذ مشبوه. للتذكير، ليست بالطبع صناديق أكرا ذات الرائحة المعروفة والسمعة السيئة.. فكيف توجه نداء لشعب "عزيز" عليك، بعد أن استخدمت تمزيق المصحف الشريف للتغطية على نهب ثرواته؟ أبعد هذا الفساد فساد أشد منه في الأرض؟

ثم كيف تعود لشعبك العزيز بثوب جديد، وتركب مشاعره الدينية الجياشة، في النصرة، وملف المسيء ولد امخيطير، وتستخدم تسخين الملف وتدويره استخدام "الميتادور" الإسباني لبرقعه الأحمر، حتى يشغل الثور المسكين عن تفادي الرماح التي تنغرز واحدا واحدا في شغاف قلبه النازف إلى أن يتهاوى؟ لقد كنت الميتادور بامتياز في حلبة الصراع مع شعبك العزيز، رفعت برقع حرية الرأي الجوفاء عاليا في وجه الشعب الموريتاني حتى ينصرف نظره عنك وغرزت الرماح في فؤاده واحدا واحدا حتى أثخنته. لا ياعزيز، "الستره اوذاك التعرف مايخلطو". لقد استخدمت شكل الديمقراطية للقضاء على الإنسان الموريتاني، فكانت ديمقراطيتك استهتار وشحناء، وكانت حريتك قبلية عجماء، هدمت النسيج الوطني من الداخل، وشجعت العصابات ولولوبيات الإجرم، وفككت كل شيء، لتملأ خزائنك وتقضي على كل شيء، أههههه.. أهذه هي الديمقراطية المثالية في رأيك؟ وتتحدث عن فصل السلطات وأنت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة؟وتتحدث عن تدجين القنوات؟ والتهديد والوعيد والرشوة؟ عزيز هل أنت على بابك؟ لقد كانت مكافحتك للفساد تغطية على فساد أعظم منه، كما تعلم، وكانت مشاريعك الفضفاضة غسيل أموال مبتكر.

وبدل أن يكون همك استداج الأموال للوطن أخرجت كل أموال الوطن نحو المجهول فكان الخراب وكان الدمار شغلك الشاغل، ظنا منك أنك إذا بنيت نفسك وهدمت وطنك فقد نحت، وهيهات. كنت تبحث في العالم البعيد البعيد.. عن ملاذات آمنة للمنهوبات، حتى لو كان ذلك الملاذ ممن تنفر منه الفطرة البشرية السليمة، و لم يهده الله إلى طريقة يستر بها نفسه أمام الملأ، ولم يصادف غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه، فجعلته رفيقك المفضل وملاذك المكرم، لمال "شعبك العزيز" الذي تخاطبه بكل "إخلاص" على طريقة "بينه" في حكاية السبعة وأبنائها.. لقد فضحت غيرك من صغار المختلسين حتى يكونوا دخانا لتحويل المزيد من مال شعبك العزيز يا عزيز.

 ألا تستحي من نفسك أيها الرئيس السا..؟ وإن لم تستح من نفسك، أفلا تستحي من "شعبك العزيز" الذي نهبته نهبا، ولعبت على مشاعره الدينية و القومية والوطنية لعبا سوداويا لا حدود له؟ أتعرف بم يسمي "شعبك العزيز" ممارساتك القاسية تجاهه، طوال إحدي عشرة سنة حسوما، ثم إطلالة عليه بعد كل هذا واعظا منذرا من وراء القضبان؟ والحال أنك في قبضة العدالة مضبوطا بالجرم المشهود، لتخاطبه بلغة محررة تحريرا لم تعهده منك وأنت على رأس الدولة؟ إن شعبك العزيز يسمي هذا " متن لوجه". 

وأنا على يقين الآن، وقد صرت إلى ماصرت إليه، أنك على يقين من أن الله يمهل ولا يهمل.

كيف تدعي الدفاع عن الحريات الصحفية، والمعارضة، وقد كانت في عهدك وعلى لسانك (مخربة، ومجموعة من العجزة المخرفين) و يجب قمعها وتلطيخها بالمياه العادمة والقنابل الصوتية والغازية حتى ولو كانت في ساحة المسجد العتيق، كما وقع فعلا؟ لا أيها الميتادور.

السيد الرئيس السابق، ذكرني بيانك هذا "لشعبك العزيز" ودفاعك عن الصحافة الحرة، والمعارضة التي أصبحت جيدة بعد مغادرتك"، وكذلك خلطك بين كل شيء وكل شيء بقول أحد الشيوخ لما سمع أنك قلت إنه مخرف، رغم وجوب احترامك له بكل المعايير:

اذكرني حد افمجلس زين

بالدكديك الراص او لباس،

محد أمنادم يفصل بين

حيوانو واحواوين الناس.

هل هناك إدانة لكم أبلغ من هذه بالفساد..؟ 

لقد فهم الجميع قصد هذا الأديب الكبير المطلع، وأدركو حجم اطلاعه وقد جعلته كأمثاله من "أهل الشعر، والأفكار، الذين لافائدة فيهم وهم سبب خراب موريتان".

(كلت لك، ذاك كاف من لغن ماهو كايل ش الحد).

 سبب خراب البلد عرف بكل تفاصبله، وسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية وتأليب بعض الفئات على بعض عرف، وحتى سبب بعض الجرائم عرف، أما سبب الإثراء الفاحش غير المشروع والفقر الدقع فقد عرف أيضا..

(ويلا عاد خالك لحجاب الي ينفظ فظة الشعب، حت خالك التظهار لمتين).

السيد الرئيس السابق هل نسيت أنه لم يكفك قمع المعارضة بكل وسائل الدولة بل كنت "اتبرد أخلاكك" بنفسك مباشرة في من يتجرأ على نقدك منها، وتبطش به بيديك ورجليك، فتنكل بكل من أثار غضبك داخل مكتب رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية دون هوادة، تصفع هذا الشيخ حتى يصيبه الرعاف فلا يغفرها لك إلى يوم الدين. وتخنق هذا الرجل حتى يتدلى لسانه وتبيض عيناه من الخنق، وتردح على أضلاع هذا الشاب حتى تكسرها، وتتفل على وجه هذا الكهل وتنتف لحية ذلك، وأنت تهدر وترعد وتزبد، تلعن هذه وتشتم ذاك، دون أن تنسى إفساد الذوق العام، والسخرية من أولئك، وتسفيه أحلام "شعبك العزيز."، وتعمل ليل نهار على الطعن في ثوابته.. وتمريغ كرامته في الأرض؟ أتعتقد أن ذاكرة الشعوب قصيرة إلى الحد الذي نسيت فيه كل هذه الفظائع؟ الكلمة تدخل كما خرجت إن كنت لاتذكر.

السيد الرئيس السا... 

لقد أربكتنا حقيقة بعد أن أفقرتنا: حيث خرجت ولم تخرج، ودخلت ولم تدخل، وذهبت ولم تذهب، وعدت ولم تعد، فأين انت؟

أنت رئيس، ولست رئيسا ومحاسب ولست محاسبا، ومورد ولست موردا، وانقلابي متمرس ولست انقلابيا. فمن أنت؟ أجب شعبك العزيز ياعزيز.

وأنت عراب الانقلابات منذ أن أصبحت على رأس كتيبة الحرس الرئاسي، وتفخر بذلك أمام الملأ كما تفخر بثروتك الهائلة التي نزلت عليك ولم تنزل، وكسبتها ولم تكسبها، وحصلت عليها ولم تحصل عليها، وأودعتها ولم تودعها، لاهي من مال متوارث، ولا من ثروات الشعب الفقير، ولا هي من تجارة تديرها بينك وبين نفسك. ولابينك وبين الناس، ولا هي بالطبع، من راتبك الذي لم تمسسه بسوء منذ عشر سنوات، ولاهي غلول تأتي بها غدا يوم القيامة، ولاهي هي ولا الأيام أيامها.. فمن أين نزلت عليك هذه الثروة يرحمك الله؟ أمن نيزك سقطت أم تفجرت مالا زلالا لاشية فيه من عيون الأرض؟ 

والله إنها لأحجية كبيرة لدى شعبك العزيز، و لابد لنا نحن "شعبك العزيز" من حجاب (بتشديد الجيم) لايشق له غبار، يساعده ظهار (بتشديد الهاء) متمكن حتى يظهرا لنا أمر هذه الثروة المنزلة بعد انقطاع الوحي، ويكشف لنا سترها، وسرها المكنون، أو تتطوع أنت بذلك السيد الرئيس السا.. 

وإن كنت تعز الشعب الموريتاني وتحترمه كما قلت في بيان مدرسة الشرطة فافتح عليه بالجواب عن سؤال واحد قبل أي جواب تقترحه عليه لأن شعبك يطرحه بشكل جماعي ملح، وهو: من أين لك ياعزيز بكل هذا المال الذي لايرد أوله، ولم يأت من سبب معروف من أسباب الكسب الأرضية ولا السماوية؟ 

بعد إجابتك على هذا السؤال الجوهري، في بيان ممهور بتوقيعك من مدرسة الشرطة، فلتحدثنا عما شئت من تشريعات موريتانية وحريات غربية، ومعارضة شرقية، اواقتصاديات شمالية وسياسات جنوبية، وإراء صحفية تحتية، وسلطات وبطشات فوقية.. و شباب سجناء رأي ليس لنا علم بواحد منهم، وتحول موريتانيا إلى سجن كبير لأنك سجين قضاء الآن، وقانون الرموز و "الجهات التي أسرت على تمريره"... و..و ..

 سنسمع منك فقط عندما تجيبنا على السؤال العنيد، أو يجيب عليه محرر البيان بأمر منكم السيد الرئيس السا..

أما قبل أن تجيب أيها الميتادور في حلبة الواقع على سؤال: 

من أين لك هذا؟ فاعلم أن أحرف هذا السؤال ستتزايد ضخامة وتمددا في رؤوس "شعبك العزيز" و"مواطنيك الأعزاء" حتى تغطي الأفق كله أمامك، كما غطيت أنت عيون مواطنيك وشعبك بلافتات الميتادور لثوره، حتى أثخنتهم جراحا وأخذت مقدراتهم وبددتها ظلما وعدوانا في أرجاء العالم (شرابا للشياطين).

فأجب "شعبك العزيز" على سؤاله المصيري قبل أن يلقيه عليك من لايسعك الامتناع عن إجابتهما، ولا الاحتفاظ بحق الصمت تجاههما بموجب المادة 92 من الدستور الموريتاني، ألا وهما منكر ونكير.

خميس, 18/11/2021 - 10:05