الحرب وارتداداتها.. من إثيوبيا إلى القارة العجوز

تتعدد السيناريوهات المحتملة بشأن إثيوبيا، ولكنها تتفق على تغيير كبير سيحدث في المشهد السياسي الإثيوبي. إن طموحات رئيس الوزراء المثير للجدل آبي أحمد وصلت لنهايتها، وفي اعتقادي إن المستقبل القريب لن يخرج عن 4 احتمالات:

ـ‏ أن ينتصر تحالف التيغراي والأورومو، مما يعني سقوط أديس أبابا.
ـ نجاح الوسطاء في عقد تسوية سياسية تحول دون دخول التحالف إلى العاصمة، وهذا في الغالب يعني خروج آبي أحمد من المعادلة، وهذا في حد ذاته انتصار كبير للتيغراي.
ـ أن يحدث انقلاب داخلي ضد آبي أحمد مما يسرع بالتسوية السياسية، وفي هذا انتصار للتحالف.
ـ أن يحدث انقلاب داخلي ضد آبي أحمد بقيادة الأمهرة المتشددين، وبهذا تنقل الحرب لمرحلة الخيارات الصفرية.
والراجح لديّ أن جميع هذه السيناريوهات الأربعة لن توقف هذه الحرب التي تتحرك فيها جميع الأطراف لأسباب مختلفة، مستفزة بحمولات تاريخية ثقيلة وبرغبة عارمة في الثأر أو السيطرة.

السودان غير المستقر نسبيا الذي ربما يؤدي التنافس الدولي حوله والأطماع الأوروبية فيه إلى تحوله لساحة حرب هو الآخر، يفتقر للقدرات الكافية لاستيعاب هذه التدفقات، وسيكون الخيار الأفضل له هو أن يتحول لمجرّد مأوى مؤقت ومعبر دون عوائق أمام اللاجئين في زحفهم نحو أوروبا أو تحركهم شمالا نحو إسرائيل عبر الأراضي المصرية

التيغراي -وهم قومية عرفت بالفخر والعناد- غدو أكثر انكفاءً على إقليمهم، ولربما سيجد القادة صعوبة في تجاوز شعبهم الذي علت أصوات فيه مطالبة بالانفصال، وبات منعزلا وجدانيا عن الدولة الإثيوبية الفدرالية بسبب الفظائع التي ارتكبت بحقهم العام الماضي من قبل الجيش الفدرالي والجيش الإريتري، كما أنهم لن يفكروا في العودة لحكم إثيوبيا من أديس أبابا ولن يسمح لهم الأورومو، ولذلك ربما تكون صفقتهم السياسية مع الأورومو والعفّر والصوماليين وشعوب الجنوب تقضي بحصولهم على استقلالهم ليصبحوا الدولة 55 في أفريقيا. لكنهم قبل ذاك لديهم ثأرهم الخاص مع قومية الأمهرة ومع إريتريا، ولن يتوقفوا قبل تحقيق هدفهم واستعادة المناطق الغربية من إقليمهم التي توفر لهم حدودا مباشرة مع السودان، وتصلهم في ممر ضيق بمناطق التيغراي في إريتريا.

إن أخطر ما في الوضع الحالي هو أن هناك تحالف قائم للإطاحة بآبي أحمد، لكن دون رؤية متفق عليها لما بعده، لذلك فإن الجهود الأميركية المباشرة وعبر الرئيس الكيني أوهورو كينياتا عليها التركيز على ترتيب الأوضاع فيما بعد آبي أحمد، وذلك لضمان تماسك الدولة. ربما من خلال الضغط على التيغراي للقبول بتسوية ينضمون عبرها إلى تحالف حاكم تحت قيادة وجوه جديدة من الأورومو وضمن الدولة الإثيوبية، أو يضمنون عبر ضمانات من هذا التحالف استقلالهم بعد حين، خاصةً أن النزاع في إثيوبيا سيأخذ وقتا غير قليل قبل الوصول لهذه التسوية الشاملة التي يمكن أن تقود لتغيير جذري في إثيوبيا التي تملك جميع القوميات فيها نسبا متفاوتة من النزوع للاستقلالية، ولن يفوِّت المتطرفون أو المتحمسون داخل هذه القوميات فرصة ضعف الدولة المركزية لتحقيق كل المكاسب الممكنة.

كذلك يبدو أن تحرك التيغراي نحو إريتريا متوقعٌ على نطاق واسع، ولا يملك الرئيس أسياس أفورقي قاعدةً صُلبة يمكنه المراهنة عليها إن ساءت الأوضاع، وهذا عامل آخر سيمدُ من أمد الحرب وكُلفتها.

إذن، بين المسلحين والجماعات المنخرطة في القتال، أين موقع المدنيين؟ يبدو أن إثيوبيا تمر بذات تجربة الحرب الأهلية التي اندلعت في نهاية السبعينيات واستمرت حتى عام 1991، فقد أدت تلك الحرب لنزوح السكان وهجر القرى وتوقف الزراعة وصادفت فصول جفاف سيئة، وقضى خلال 16 سنة أكثر من 1.5 مليون إثيوبي نتيجة للحرب أو المجاعة. واليوم الوضع ينذر بكارثة إنسانية أشد بؤساً، فعدد القتلى خلال عام واحد تجاوز 100 ألف قتيل، وهرب للسودان مثلهم، وهناك 3 ملايين نازح داخلي.

وبسبب الصراع تأثرت الزراعة للغاية، حيث توقفت تقريباً في إقليم التيغراي -الذي يساهم بـ47% من الناتج القومي الإثيوبي- بينما لم يزرع إقليم أمهرة أكثر من 10% من المعتاد، ويعاني إقليم الصومال من فصل جفافٍ شديد أثر على الزراعة وعلى الحيوانات التي نفقت بأعداد كبيرة. وبحسب الأمم المتحدة، فهناك 7 ملايين إثيوبي يحتاجون إلى مساعدات عاجلة، وما لا يقل عن 13 مليونا يفتقرون للأمن الغذائي والأرقام مرشحة للتصاعد، وهذا يعني بالضرورة أن التوقعات مرتفعة بنزوح داخلي وهجرات كبرى نحو جيبوتي والصومال، ولكن الكتلة السكانية الكبرى هي تلك المتاخمة للسودان، خاصة المناطق الغربية والشمالية الغربية وجزءا من الوسط الغربي، وهي أقاليم التيغراي والأمهرة والأورومو وبني شنقول والقمز التي تمثل ما يزيد على 60% من الكتلة السكانية.

السودان غير المستقر نسبيا الذي ربما يؤدي التنافس الدولي حوله والأطماع الأوروبية فيه إلى تحوله لساحة حرب هو الآخر، يفتقر للقدرات الكافية لاستيعاب هذه التدفقات، وسيكون الخيار الأفضل له هو أن يتحول لمجرّد مأوى مؤقت ومعبر دون عوائق أمام اللاجئين، في زحفهم نحو أوروبا أو تحركهم شمالا نحو إسرائيل عبر الأراضي المصرية.

وإذا كان الغرب منزعجا اقتصاديا وأمنيا وديمغرافيا من الهجرات التي قصدته نتيجةً للأوضاع في سوريا (27 مليونا) والعراق (40 مليونا)، فسيكتشف أن ما حدث هناك هو مجرد نزهة من حيث شراسة الحرب وأعداد المتضررين والمهاجرين والنازحين، فإثيوبيا (حوالي 120 مليونا) مسرح لصراع معقد ذي أبعاد إثنية وحمولات تاريخية، وإريتريا التي يتوقع على نطاق واسع أن تنزلق في هذا الصراع، عدد سكانها حوالي 4 ملايين نسمة، إذا أضفنا إليهم هجرات مرتبطة بحالة ضعف الدولة والوضع الاقتصادي المتردي وحالة عدم اليقين العامة في السودان، ففي تقديري فإن البحر الأبيض سيتغطى بالمهاجرين اليائسين، وعلى اليونان وإيطاليا وفرنسا وألمانيا ترتيب أوضاعها لاستقبال ملايين المهاجرين.

ربما هذه هي إحدى ميزات عالمنا المعاصر، حيث أصبح أمام البشر فرص وخيارات وخطط للمستقبل، وتحولت قضية الهجرة إلى عمل منظّم يدر أرباحا طائلة على العاملين فيه، لذلك لم تعد الدول الكبرى بعيدة عن التأثر بارتدادات الصراعات التي تتعامل معها ببطء كما في حالة إثيوبيا، أو بلا حساسية كما في السودان، وربما يخص الخير قلة، ولكن الشر والبؤس أصبحا يتمددان.

 

المصدر: الجزيرة نت

 

أربعاء, 01/12/2021 - 14:02