مهرجان "وادان" و الإعلان التاريخي

سيد محمد ابهادي 

كانت نوايا وزارة الثقافة واضحة في عزمها على تنظيم نسخة متميزة من مهرجان المدن القديمة.
بدأ ذلك بالتفكير في تحويل المهرجان من مجرد تظاهرة ثقافية و فلكلورية إلى مهرجان ثقافي فكري و سياحي و تنموي.
فتم تغيير الاسم القديم "مهرجان المدن القديمة" إلى "مدائن التراث" ليحمل الاسم شحنة دلالية تعلي من شأن التراث المادي و غير المادي، و تسمح بالغوص في مضامين التراث و تبرز البعد المعرفي و الموروث التراثي الزاخر الذي تتمتع به بلادنا، و تعكسه المدن التاريخية بعمرانها الفريد، و مساجدها العتيقة، و مخطوطاتها الغنية، بمختلف فنون العلم و المعرفة.
و لإن كان البعد التراثي و المعرفي حاضرا في النسخ السابقة من المهرجان فإنه تميز في هذه النسخة بالشمول؛ فاستوعب ابعادا استشرافية لمستقبل الثروة الأثرية و ما تقتضيه المحافظة عليها من جهد يشمل التوثيق، و التثمين، كما يفتح باب البحث الاركلوجي عن المدائن المندثرة و الآثار الحضارية التي لم تكتشف بعد. 
كما يستشرف المزايا الاقتصادية التي يمكن الاستفادة منها بترميم الآثار، و الاستثمار فيها و فتحها أمام السياحية العلمية و الاستكشافية. و هو بعد كنا بحاجة إليه لما يتيحه من فرص العمل و ما تدره السياحة في هذا المجال من دخل مادي معتبر.
- كما اهتم المهرجان هذه السنة بالجانب الفكري و فتح مجالا للباحثين و المفكرين لتدارس قضايا العصر التي يتصدرها الصراع الإيدلوجي و علاقة الاسلام و المسلمين بغيرهم،  فتم تنظيم ندوة فكرية تتناول علاقة الإسلام و المسلمين بالآخر و تبرز روح التسامح و التعايش التي يحث عليها ديننا الاسلامي الحنيف.
*-بعد آخر لا يقل أهمية، و هو البعد التنموي الذي تعهد به فخامة رئيس الجمهورية في النسخة الماضية،  و بناء عليه يتم تحويل المهرجان إلى قطب تنموي ينعكس إيجابا على ساكنة المدن الأثرية، و قد تم في هذه النسخة تدشين العديد من المشاريع التنموية و تم تخصيص ما يزيد على ثلاث مليارات من الأوقية القديمة، أنفقت على مشاريع تنموية مهمة اكتمل أغلبها، و البعض الآخر في طور الانجاز. 
نذكر في هذا الصدد:
- تزويد مدينة وادان بالمياه الصالحة للشرب و بنسبة ١٠٠٪؜ 
- مد شبكة الكهرباء لتصل لجميع أحياء المدينة 
- استصلاح مائة هكتار لغرس النخيل
-  غرس 14 الف نخلة ستوزع على السكان مع إعطاء أفضلية لصالح الساكنة الأقل امتلاكا للنخيل
- حفر 15 بئرا ارتوازية مزودة بمضخات تعمل بالطاقة الشمسية 
- خلق 600 فرصة عمل
- إقامة سدين لتجميع المياه دعما للبحيرة الجوفية
- إنشاء مجمع ثقافي متكامل يضم ملعبا بنجيلة خضراء، و دار للشباب و قاعات للتدريب.                                                

-إعلان وادان
و جاء الحدث الأبرز في افتتاح المهرجان بإلقاء فخامة رئيس الجمهورية لخطاب تاريخي، يمكن أن نطلق عليه "إعلان وادان التاريخي" الذي تحدث فيه فخامة الرئيس عن الوحدة الوطنية و التزام الدولة بالقضاء على كل أشكال التمييز و الطبقية و بسطها لثقافة المواطنة الحقة، التي لا تستثني أحدا و لا تسمح لأحد -مهما كان- في الاخلال بقيم و مبادئ المساوات بين مختلف أطياف و ألوان المجتمع.
- لقد كان الخطاب صريحا و واضحا،  حاسما و ناجزا، و في وقته المناسب؛ حين تعالت أصوات و خطابات الكراهية و القبلية و تم التقليل  من شأن بعض فئات المجتمع، على أسس فئوية و شرائحية؛ و جاء الخطاب قاطعا في حسم الجدل؛ 
- حيث لا تمييز على أساس فئوي
- لا مكاسب على أساس فئوي
- لا استثاء في محاربة الطبقية و الفئوية
- الدولة قادرة و ماضية في تطبيق القانون و بأي تكلفة.  وقد لامس الخطاب مشاعر الكثير من المواطنين و خصوصا الفئات التي تشعر بمرارة التمييز و يتم التنمر عليها يوميا، في سلوك استعلائي لا يستند إلى أي منطق، فلو أنصف الدهر لكان الحرفيون -بناة الحضارة -في طليعة المجتمع، يقول رئيس الجمهورية.
- و اختصارا كان المهرجان هذه السنة موفقا، تعانقت فيه أسباب النجاح:
- قائد شجاع لديه رؤية شاملة، و عارف بأمراض المجتمع، و حريص على بناء الدولة على أساس العدل و المساواة لا تأخذه في ذلك لومة لائم.
- وزير عارف بمجاله متفان في عمله.
- مستشارون يتقنون عملهم و مضحون في سبيله.
- فجاء المهرجان لوحة تراثية، و فكرية، و تنموية رائعة و رائقة.
سيد محمد ابهادي 
كاتب و ناشط سياسي.

سبت, 11/12/2021 - 13:54