الصورة الفتوغرافية ودلالاتها!

المرابط ولد محمد لخديم

انتشرت في لآونة الاخيرة صورا لاشخاص من نساء ورجال في اطوار الحياة المختلفة: طفولة، شباب، كهولة....!!

     فنحن كبشر في كل سنة تمضي، نتذكر العام الماضي بإنجازاته وإخفاقاته، ولا نشعر بكبرنا واقترابنا من المصير المحتوم..لكن تقنيات الاعلام الحديثة تقيم علينا الحجة!!

    وتعليل ذالك علميا إن خلايا أجسامنا تتجدد كل يوم, فهي كالنهر الجاري المملوء دائما بالمياه ومع ذالك فهو نفس النهر الذي وجد منذ زمن طويل, ولكن الماء لايبقى, بل يتغير‼

وكذالك أجسامنا التي تخضع لعملية مستمرة حتى أنه يأتي وقت لا تبقى فيه أية خلية قديمة في الجسم, لأن الخلايا الجديدة أخذت مكانها, هذه العملية تتكرر في الطفولة والشباب بسرعة, ثم تستمر بهدوء ملحوظ في الكهولة, ولو حسبنا معدل التجدد في هذه العملية فسوف نخرج بأنها تحدث مرة كل عشر سنين.

ولذالك تلجأ الدول الى تغيير بطاقة التعريف كل 10سنين...

إن عملية الجسم المادي الظاهري تستمر, ولكن الإنسان في الداخل  لايتغير  بل يبقى كما كان: علمه, عاداته, وحافظته, وأمانيه, وأفكاره, تبقى كلها كما كانت, انه يشعر في جميع مراحل حياته بأنه هو الإنسان السابق الذي وجد منذ سنوات ولكن لا يحس بأن شيئا من أعضائه قد تغير , ابتداء من أظافر رجليه حتى شعر رأسه..

     يتجلى ذالك أكثر في أحاديث الصورة في السينما واستوديوهات التمثيل في الدراما والكوميديا في الحياة والموت  في الأفراح والأتراح في الضحك والبكاء في النجاح والفشل..نهايات سعيدة ونهايات مأساوية...هكذا سنة الحياة.‼

 

ولما كانت الصورة ديدان ذالك كله يلزم لنا أن نعرج عليها في عجالة:

  ظهرت أول كاميرا للتصوير الفوري اسود وأبيض من شركة ( بولا رويد) وأول كاميرا فورية بأوراق ملونه عام 1963م وهي الكاميرات ذات التركيز البؤري الذاتي

    وما زالت ثورة التصوير قائمة للآن تستمد قواعدها من التطور التكنولوجي القائم في العالم أجمع، وقد تعدى التصوير مفهومه التقليدي المنحصر في التحميض والطباعة الى التصوير الرقمي أو التجريدي الذي ظهر مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين وتطورت طريقة التصوير الملون الآني في ظهور أول كاميرا ذاتية "أوتوماتيكية" بالكامل في عام 1973م..

    وأخيراً ظهرت الكاميرات الرقمية في عام 1999م إلى يوم الناس هذا..مما يعني أن الصورة أصبحت واقعا في حياة الناس اليومية لا غنى عنها...؟‼  

   بعد هذه العجالة وتعريفنا للصورة والكاميرا يجدر بنا أن نتساءل كبشر عاقل خلق في هذه الدنيا ليعمل كيف نستفيد من هذه الآلات التى سخرت لنا.؟

  تقول العلوم الحديثة أن كلما نلفظ من كلام يحفظ في سجل كامل. وتفسير ذالك أن أحدنا عندما يحرك لسانه ليتكلم, يحرك بالتالي موجات من الهواء تسمى (آكوستيك), كالتي توجد في الماء الساكن عندما نرمي فيه بقطعة من الحجر...

ولقد ثبت بالبرهان القطعي أن هذه الموجات تبقى كما هي في «الأثير»إلى الأبد, بعد حدوثها للمرة الأولى, ومن الممكن سماعها مرة أخرى,مع أنها لا تزال تتحرك في الفضاء منذ زمن بعيد. ولقد سلم العلماء بإمكان إيجاد آلة لالتقاط أصوات الزمن الغابر قياسا على التقاط المذياع الأصوات التي تذيعها محطات الإرسال.

غير أن المسالة الكبرى التي واجهوها في هذا الصدد, ليست في التقاط الأصوات القديمة, وإنما التمييز بين الأصوات الهائلة الكثيرة حثي يتمكنوا من سماع كل صوت على حدة

وقد تغلبوا على هذا الإشكال في الإذاعة فملايين المحطات في العالم تذيع برامج كثيرة ليل نهار, وتمر موجات هذه البرامج في الفضاء, بسرعة 186000 ميل في الثانية.

وكان من المعقول جدا عندما نفتح المذياع أن نسمع خليطا من الأصوات لا نفهم منه شيئا,     ولكن هذا لا يحدث, لأن جميع محطات الإذاعة ترسل برامجها كما هو معروف على موجات طويلة.. و قصيرة..ومتوسطة...وهكذا

وبهذا يثبت عندنا قطعا أن كل ما ينطق به الإنسان يسجل وهو محاسب عليه

   إن مناقشتنا لجانب المسألة إنما يؤكد وجود ملائكة يسجلون كل ما ننطق به من كلام مصداقا لقوله تعالى 

{ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }.

   وليس القول وحده هو الذي يسجل فعملنا أيضا يسجل على صفحات الكون

    فالعلم الحديث يؤكد أن جميع أعمالنا- سواء با شرناها في الضوء, أم في الظلام, فرادى أم مع الناس – كل هذه الأعمال موجودة في الفضاء في حالة الصور, ومن الممكن في أية لحظة تجميع هذه الصور, حتى نعرف كل ما جاء به  إنسان من أعمال الخير و الشر طيلة حياته, فقد أثبتت البحوث العلمية أن كل شيء  -حدث في الظلام  أو في النور,  جامدا كان أو متحركا-  تصدر عنه «حرارة»بصفة دائمة, في كل مكان, وفي كل حال, وهذه الحرارة تعكس الأشكال وأبعادها تماما, كالأصوات التي تكون عكسا كاملا للموجات التي يحركها اللسان. وقد تم اختراع آلات دقيقة لتصوير الموجات الحرارية التي تخرج من أي كائن, وبالتالي تعطي هذه الآلة صورة فوتوغرافية كاملة للكائن حينما خرجت منه الموجات الحرارية كما هو مشاهد الآن في التلفزيون والتقنيات الرقمية عالية الجودة ويمكن استرجاع هذه الصور مرة أخرى...

  ومشكلة هذه الآلات كسابقتها, أنها لا تستطيع تصوير الموجات الحرارية إلا خلال ساعات قليلة من وقوع الحادث.

   أما الموجات القديمة فلا تستطيع هذه الآلات تصويرها.

     ومن هذا نصل إلى أن جميع تحركاتنا تسجل على شاشة الكون ولا يمكننا منعها أو الهروب منها, سوا أكنا في النور أو في الظلام.

   فحياتنا كالقصة التي تصور في الاستديو, ثم نشاهدها على الشاشة بعد حقب طويلة من الزمن, وعلى بعد كبير من مكان التسجيل, ولكنك تشعر كأنك موجود في مكان الأحداث!!

  وهكذا  شأن كل ما يقترفه الإنسان, وشأن الأحداث التي يعيشها فان فيلما كاملا لتلك الأحداث نعيشه واقعا منذ الولادة وحتى الموت ويمكن عرضه في أي وقت...

  وربما يتعظ ويعتبر أكثر أهل الفن الذين أنجزوا ميئات الأفلام عبر تاريخهم الطويل فالبعض منهم لما اعتزل التمثيل وقد طعن في السن إذا سألته اذا رجع به الزمن هل سيمثل تلك المشاهد المخلة بالأخلاق يجيبك بغضب  والندم والحسران يظهر على تجاعيد وجهه التي طواها الزمن..

والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا نتمسك بالدين من البداية قولا وعملا ونطبق مايأمرنا به ونحن مازلنا في سن تسمح لنا بذالك بدلا أن نتظر حتي الشيخوخة لمن كتب له النجاة أما الغالبية فقد خطفها الموت في عمر الزهور منها من مات في استديوهات التصوير ومنها من مات وحيدا في داره..ومنها من عاش حياة مأساوية بعد أن أفلس وانفض من حوله الجميع حتى من أقرب مقربيه... ويكفي أن تسأل محرك كوكل عن مأساة الفنانين؟

لم نكن نتخيل أن أبطال الشاشة من فنانين كبار، كانت تنقصهم السعادة،فلديهم الشهرة ووفرة المال وأناقة واهتمام دائما بالمظهر..

   ولكن الحقيقة أنهم كانوا يعيشون مأساة حقيقية سرعان ماتظهر عندما تطفو تلك الهالة من الأضواء المصطنعة..لتنتهي حياتهم بمشهد ادرامي..

   وللعاقل أن يتعظ ويستفيد من أخطائه،قيل فوات الأوان..

  فهل نعتبر من مشاهد تلك الشخصيات التي رحلت عنا وقد مثلت جميع أدوار البشرية صالحها وطالحها؟

   ونتعظ أكثر من الشخصيات التي مازالت تنتظر وقد طعنت في السن وتبرأت من أعمالها السابقة التي لم تعد تناسبها؟

لم تترك الأفلام السينمائية موضوعاً إلا وتناولته من وجهات نظر متعددة..

 ضحكاتهم وبطولاتهم ملأت البيوت وعبرت القارات، ومازالت تتردد بين الحين والآخر، وكأنهم موجودين معنا..وقد استطاعوا بموهبتهم الفريدة أن يرسموا البسمة على كل الشفاه، التي شاهدت أفلامهم ومسلسلاتهم.. ولكنهم لم يحققوها لأنفسهم...‼

فهذا شارلي شابلن الأديب لبريطاني الشهير يقول: لقد أضحكت العالم ولم أعش يومًا سعيدًا)

     قدماء رحلوا عنا وآخرين مازالوا يعيشون معنا وهم دائما يمثلون الإنسان أشجانه أحزانه آماله..غناه فقره..علمه.... جهله...كونه صالحا أو طالحا....

     رحل عدد كبير من الفنانين أثناء تصوير أعمالهم أو أثناء عروضهم رحلوا وماتوا فى أماكن لم يتوقعوا مطلقا أن تكون نهايتهم فيها .

فحبهم للفن جعلهم يواصلون العمل حتى أثناء أوقات مرضهم وتعبهم، فهناك فنانون وافتهم المنية أثناء أداء أدوراهم فى التليفزيون أو على خشبة المسرح، ومنهم من مثّل مشهد وفاته قبل وفاته بدقائق!!

ومنهم من توفى أثناء أداء مشهد وفاته فى العمل، فقد مات الكثير من الفنانين أثناء عملهم!!

   نحن جميعا بشر لدينا نفس الأحداث التي مروا بها والتي جسدوها لنا على خشبة المسرح وشاءت الأقدار أن تكون نهايتهم بحيث لم يشعروا.. فالنجومية والشهرة لم تمنع هؤلاء من أن يعيشوا بؤساء ..فالصورة ليست دائمًا كما نراها من الخارج، فالواقع مؤلمً، والنهاية غير متوقعة..

    هؤلاء الذين أضحكوا الملايين.. ومازالوا.. وقد أفنوا أعمارهم في التمثيل.. لم يجدوا أحدًا بجانبهم عندما أفل نجمهم حتى باعوا  أثاث بيوتهم لسد حاجاتهم الإنسانية من الطعام والسكن ...!!

      وتأسيسا على ما أسلفنا فان أجهزة الكون تقوم بتسجيل لكل أعمال الإنسان, فكل ما يدور في أذهاننا يحفظ إلى الأبد, وكل ما ننطق به  من كلمات يسجل بدقة فائقة, فنحن نعيش أمام كاميرات تشتغل دائما, ولا تفرق بين الليل والنهار مثل هاتفك الذكي الذي يضبط كل ما تقوم به بدقة تامة علمت ذالك أم جهلته.

     وعليه فان العلوم لم تترك لنا أي خيار ولم يبقى أمامنا إلا أن نسلم بأن قضية كل منا سوف تقدم أمام محكمة إلهية وبأن هذه المحكمة هي التي قامت بإعداد هذا النظام العظيم لتحضير الشهادات التي لا يمكن تزويرها.

    ونرتل بكل خوف وإجلال قوله تعالى ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ﴾  الكهف الآية:49

    وقوله جل وعلا  (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)(14)

   في تفسير ا بن كثير الدمشقي يقول تعالى بعد ذكر الزمان وذكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) وطائره : هو ما طار عنه من عمله ، كما قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد : من خير وشر ، يلزم به ويجازى عليه ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة : 5 ، 6 ] ، وقال تعالى : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 17 ، 18 ] ، [ ص: 51 ] وقال تعالى : ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) [ الانفطار : 10 - 14 ] ، قال : ( إنما تجزون ما كنتم تعملون ) [ الطور : 16 ] وقال : ( من يعمل سوءا يجز به ) [ النساء : 123 ] .

   والمقصود أن عمل ابن آدم محفوظ عليه ، قليله وكثيره ، ويكتب عليه ليلا ونهارا ، صباحا ومساء .

ويتصل بهذا التفسير  قوله تعالى(وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ۚ كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

(الجاثية:28).

قوله : كل أمة تدعى إلى كتابها ) يعني : كتاب أعمالها ، كقوله : ( ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء ) [ الزمر : 69 ] ; ولهذا قال : ( اليوم تجزون ما كنتم تعملون ) أي : تجازون بأعمالكم خيرها وشرها ، كقوله تعالى : ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) [ القيامة : 13 - 15 ] .

ثم قال : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ) أي : يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقص ، كقوله تعالى : ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) [ الكهف : 49 ] .

وقوله : (انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )) أي : إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم .

  وقوله [ تعالى ] ( ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ) أي : نجمع له عمله كله في كتاب يعطاه يوم القيامة ، إما بيمينه إن كان سعيدا ، أو بشماله إن كان شقيا ) منشورا ) أي : مفتوحا يقرؤه هو وغيره ، فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره ( ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) [ القيامة : 13 - 15 ] ؛ ولهذا قال تعالى : اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) أي : إنك تعلم أنك لم تظلم ولم يكتب عليك غير ما عملت ؛ لأنك ذكرت جميع ما كان منك ، ولا ينسى أحد شيئا مما كان منه ، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي .

    فأنت أمام عدسات تعمل ليلا ونهارا بدون كلل لن تكون  صورنا التي نشرناها على صفحاتنا في مواقع التواصل الاجتماعي آخرها!!

الهوامش:

القرآن الكريم

تفسير  ابن كثير , دار طيبة,  1422هـ / 2002م  

* وحيد الدين خان: الإسلام يتحدى، ترجمة، ظفر الإسلام خان، (مدخل علمي إلى الإيمان)، مراجعة وتقديم، الدكتور عبد الصبور شاهين، الطبعة الثانية، المختار الإسلامي 1964 م.

* دين الفطرة:استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم,تصدير الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند, تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة أنواكشوط,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية, ط, دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م.

اثنين, 24/01/2022 - 11:44