حرب التمدد أم حرب الاقتصاد أيهما سينتصر.. أمريكا أم الصين؟

ليليان معروف

تأبى الولايات المتحدة الأمريكية أن تستفيق من حلم القطبية الواحدة في ظل ظهور التنين الصيني وتصاعد النفوذ الروسي في المنطقة, واللذان تركا الساحة لعقود خلت بيد الولايات المتحدة الأمريكيّة لينتفضا مجدداً على نظام القطبية الواحدة والتفرّد الأمريكي في ساحات الصراع, من أفغانستان إلى العراق وليس انتهاءً بسوريا واليمن إضافةًللقواعد العسكريّة الأمريكية المتركزة في دول الخليج والتي يتعزز وجودها يوماً بعد يوم.
وعلى نقيض سياسة التوسع والاحتلال التي تنتهجها الولايات المتحدة يلعب التنين الصيني اللعبة بذكاء معهود وبسلام مطلوب لشرق عانى الحروب الكثيرة, ويأخذ هذا التنين بتوسيع نشاطاته في العالم كلّه وتنفيذ مخططاتاقتصادية وتكنولوجية إن ثبت تحقيقها سيكون الميزان لصالح الصيني على حساب الأمريكي المنهك اقتصاده, فهل يمكن للتنين الصيني الانتصار على الأمريكي؟
انشغلت الولايات المتحدة خلال تاريخها البعيد والقريب حتى اليوم بالتدخل بشؤون الدول الأخرى وتسليحها وتوجيهها والتدخل العسكري بها تحت حجج مختلفة وذلك على حساب اقتصادها الداخلي الذي بات يعاني عجزاً نوعاً ما, حيث لم يستطع ترامب ولا بايدن من خلفه  تخطيه أو المحافظة على سوية الاقتصاد نفسها .
أمريكا وحروبها في المنطقة:
لم يخف على أحد الانسحاب الأخير والذليل للولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان وقلق الحلفاء من تراجع دورها في المنطقة بالتزامن مع انكفاء زمن القطبية الواحدة على حساب ظهور زمن متعدد الأقطاب يضم الصين وروسيا وايران.
فقد خاضت الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية سبعة حروب انطلاقاً من كوريا إلى فيتنام إلى حرب الخليج وأفغانستان وصولاً إلى التدخل المباشر في العراق و سوريا واليمن.
ودخلت الولايات المتحدة تلك الحروب لتخرج خاسرةً من معظمها ماعدا حرب الكويت, ففي كوريا بقيت شبه جزيرة القرم محتلة وفي فيتنام لم تستطيع انهاء الشيوعية فيها, ولم تستطيع نشر الديمقراطية, ولم تكن لتقضي على ما دعته “إرهاب وجماعات مسلحة” في كل من العراق وسوريا واليمن بل دمرّت تلك الأوطان مع شركاء محليّن لها.
واضافة للنتائج الغير رابحة والغير خاسرة في المعنى العام في تلك الحروب, إلا أنّها وفي المعنى الخاص المتعلق بجيشها وداخلها فقد ترتب على ذلك نتائج كارثية لم تأخذها في الحسبان, فقد خسرت الولايات المتحدة ألاف من جنودها في تلك الحروب, منهم من مات انتحاراً ومنهم من وجد بالإدمان على المخدرات والتشرد ملجأً له وهرباً من واقع فرض عليه, اضافةّ لذلك فقد تركت هذه الحروب ندوباً نفسيةفي نفوس المحاربين الأمريكيين يصعب معالجتها.
وفي محاولة فاشلة من الولايات المتحدة لفرض احتلالها عن طريق حروبها من جهة ومحافظتها على تفردها في العالم على حساب مواطنيها واقتصادهم من جهة أخرى نقول أنها فشلت, فلا حرب فعليّة ربحت ولا باقتصاد بلد ازدهرت ولا أمام امتحان الوباء “كورونا” نجحت .
التعامل مع جائحة كورونا:
لم ينجح جو بايدن على غرار سلفه ترامب في امتحان كورونا بينما اجتازت الصين الامتحان بجدارة, فرغم اصدار لقاح كورونا الامريكي “فايزر” بعيد انتخاب الرئيس بايدنإلا أنّ عدد الوفيات بالفيروس ارتفع للضعف عن عدد الوفياتفي عهد ترامب حيث بلغ 890 ألف وفاة بينما في عهد ترامب 400 ألف وفاة, اضافةً لتلك المعاناة خسر القطاع الخاص في الولايات المتحدة 301 ألف فرصة عمل في بداية هذا العام مع اعادة انتشار اومكيرون المتحور الجديد عن فيروس كورونا, فيما أوضح خبراء أن هذا التراجع مؤقت,كما أظهر تقرير أمريكي معني بسوق العمل خسارة الشركات الصغيرة ل144 فرصة عمل وتراجع عدد أجراء الشركات الكبيرة بنحو 98 ألفا، في حين خسرت الشركات المتوسطة 59 ألفا، فيما سجلت أغلبية الخسائر في الوظائف في قطاع الخدمات مع تراجع إجمالي قدره 274 ألفا, ومع كثرة الأبحاث وتعداد الخسائر الأمريكية بسبب فايروس كورونا ومتحوره نجحت الصين نجاحاً ملفتاً في تخطي الجائحة من خلال السرعة في انتاج اللقاح وتخطي عواقبالمرض على كل الأصعدة حيث أصبحت مثالاً يتحذى به في التعامل مع الأوبئة, ومع ظهور المتحور الجديد لم تستهين الصين به وأخذت تقوم بالإجراءات نفسها التي اتبعتها مع جائحة كورونا.
وعلى عكس الولايات المتحدة التي بدت متعثرة أمام الجائحة نجحت الصين في انتهاز أثار الجائحة وتحويلها لانتصار حيث وصل معدل الشفاء إلى 94% على عكس الولايات المتحدة التي تضاعف فيها عدد الوفيات, ما جعل من الصين نموذجاً مساعداً لكثير من الدول التي عانت من الوباء.
وفي الوقت الذي تراجع فيه الاقتصاد الأمريكي نجح الاقتصاد الصيني في تخطي الجائحة واخراجه من حالة الركود التي عمّت العالم حينها, وشهد الاقتصاد الصينيتعافي فوري بعيد الحجر العام في العالم حيث بلغ معدل النمو 6,5% لعام 2020ونما الناتج المحلي الإجمالي  بنحو 2.3% لنفس العام, كما سجل قطاع التصدير نمواً بلغ 7% عن عام2019, لتكون الصين الدولة الوحيدة  المتفردة في تخطي الجائحة وأضرارها.
وتواصل الصين معركتها الباردة أمام الولايات المتحدة والتي تواجه تحديات داخلية على خلاف غريمتها ومطبات اقتصادية لم تنجح في تداركها منشغلة بحروبها في المنطقة.
الاقتصاد الأمريكي:
لا حروب مجانية وكل حرب لها تكلفتها فكيف ستكون تكلفة عدة حروب مجتمعة على الولايات المتحدة؟
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد قال في خطابه العام الفائت أنه ” بعد إنفاق أكثر من 2 تريليون دولار في أفغانستان وهي تكاليف قدرها باحثو جامعة براون أنها تزيد عن 300 مليون دولار يوميا لمدة 20 عاما – نعم، يجب أن يسمع الشعب الأميركي هذا… أرفض إرسال أبناء وبنات أميركا لخوض حرب كان يجب أن تنتهي منذ فترة طويلة”
هذه فقط كانت تكلفة الحرب على أفغانستان التي ذكرها بايدن متخطيةً تكلفة حرب العراق وحرب فيتنام والحرب العالمية الأولى, حيث وصلت تكلفة تلك الحروب مجتمعة إلى 8 تريليونات دولار أمريكي بحسب دراسة نشرتها جامعة براون الأمريكية, ما زاد الأعباء على الاقتصاد الداخلي ودفع بايدن للانسحاب من أفغانستان واعلان الانسحاب القريب من العراق وسوريا.
وأمّا عن الاقتصاد الأمريكي الداخلي بقي دون المستوى المتوقع, وعانى المواطنون من ارتفاع في الأسعار لم يتوقف, حيث ارتفعت أسعار السلع 7% في عام 2021 وهي أكبر زيادة في الأسعار منذ اربعة عقود, كما ارتفع معدل التضّخم السنوي بوتيرة غير مسبوقة منذ أوائل الثمانينات وانكمش اقتصاد البلاد بأسرع وتيرة له, ونقلت وكالة الأنباء “رويترز” عن وزارة التجارة الأمريكية في بيان لها، القول: “إنّ إنفاق المستهلكين الذي يمثل أكثر من ثلثي النشاط الاقتصادي الأمريكي هبط بنسبة 0.6 في المائة في كانون الأول بعد أن ارتفع بنسبة 0.4 في المائة في تشرين الثاني من العام الفائت”. مبينة “أنّ التضخم ارتفع مدفوعاً بالنقص الناتج عن ضعف سلاسل التوريد متصاحباً مع ارتفاعأسعار نفقات الاستهلاك الشخصي 0.4 في المائة بعد ارتفاعه 0.6 في المائة”.
وأشار بيان الوزارة إلى “ارتفاع مؤشر الاستهلاك الشخصي خلال سنة”, ويعود كل هذا التضخم وارتفاع الأسعار إلى سياسة أمريكية سيئة تحاول المد في هيمنتهاالخارجية على حساب اقتصاد بلادها, ويرى مواطنون أمريكيون أنّ سياسة بلدهم تتجه نحو الانحدار, وتتراجع شيئا فشيئا أمام التنين الصيني المنافس لها والذي اثبت نجاحة وتفوقه الاقتصادي والتكنولوجي مؤخراً, مؤهلاً بذلكالصين لتصبح الاقتصاد الأول في العالم قبل نهاية النصف الأول من القرن الحالي.
الاقتصاد الصيني:
ويقابل القوة الجيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية قوة جيو_اقتصادية صينية تصطف معها في ميزان يرّجح ميله نحو الأخيرة في الثلاث عقود القادمة, ففي الوقت الذي تنتهج فيه الولايات المتحدة سياسة تمدد استعمارية في الشرق الأوسط بدا أن الصين توازيها في التوسع تعاكسها في الهدف.
ويأخذ التنين الصيني امتداده اقتصاديا في الشرق الأوسطفقد بلغ حجم الاستثمارات الصينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 197 مليار دولار خلال السنوات القليلة الماضية, وبلغ حجم النمو المتوسط خلال هذه السنوات6,5%, كما وصل حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الشرق الأوسط 151إلى مليار دولار خلال عام 2020.
واليوم تعتبر الصين الأولى في تصدير البضائع ذات الجودة المتنوعة والأسعار المختلفة والتي تناسب كل الطبقات, ويحتل الناتج المحلي الإجمالي للصين المرتبة الثانية في العالم كما تعتبر الصين من الدول الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية, كما تساهم أيضاً في ثلاثين بالمئة من النمو الاقتصادي العالمي وتعود مساهمتها تلك لغزارة الانتاج وغزارة التصديرمتجاوزةً النسبة الإجمالية لمساهمة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية واليابان .
هذا الوضع الحالي, أما الوضع المستقبلي للاقتصاد يحمل بشائر أكبر بكثير من المتوقع مع اطلاق مبادرة “الحزام والطريق” التي حملتها الصين للعالم كله, وهي مبادرة فريدة ومشروع ضخم أطلقه الرئيس الصيني في عام 2013 لبناء شبكة اقتصادية ضخمة تصل بلدان العالم المنضمة للمبادرة بعضها ببعض و تربط بين أوروبا وأسيا و أفريقيا وتعزز نفوذ الصين أكثر.
وتبين الكاتبة مهويش كاياني -في تقرير نشره موقع “موديرن ديبلوماسي “أن الصين تسعى من خلال هذا المشروع للوصول إلى أسواق جديدة وتأمين سلاسل التوريد العالمية التي ستساعدها في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وضمان الاستقرار الاجتماعي”  وتركز الصين في مبادرتها على الشرق الأوسط, حيث توضح الكاتبة أهمية هذا الشرق للصين وتقول: أنّ الشرق الأوسط هو الأقرب إلى القنوات البحرية الاستراتيجية الأربعة: البوسفور والدردنيل وباب المندب ومضيق هرمز، الذي تمر عبره معظم التجارة الصينية.
ومع استمرار تطوير الصين لسياستها الاقتصادية الخارجية وتحقيقها توازناً مع سياستها الاقتصادية الداخلية واعتماد الحرب الباردة والهدوء تجاه الولايات المتحدة هذا كلّه يعبد الطريق أمامها في العقود القادمة لتحصل على العرش عوضاّ عن أمريكا عن طريق سياسة السلام في عالم أنهكته الحروب.

نقلا عن رأي اليوم 

اثنين, 07/02/2022 - 15:39