هل يبارك العرب اتفاقا إيرانيا نوويا جديدا؟

محمد المِنشاوي

بعد 8 جولات من المحادثات في فيينا حول الاتفاق النووي الإيراني يضيق نطاق الخلافات بين إيران والدول الست الكبرى (ألمانيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وروسيا والولايات المتحدة)، ويتوقع أن يتم التوصل إلى اتفاق جديد خلال أسابيع.

وبينما تستعد مختلف الأطراف لسيناريو رفع العقوبات عن طهران وإعادة فرض القيود على أنشطة إيران النووية لا تظهر مؤشرات على استعداد الدول العربية -خاصة الخليجية- لسيناريو عودة إيران -وإن كانت بطيئة- للجماعة الدولية.

واليوم وبعد 7 سنوات كاملة تتهم دوائر متعددة داخل واشنطن الدول العربية بعدم النضج السياسي نتيجة رد فعلها المضطرب، وبسبب إحجام القادة العرب عن البحث عن أي فرصة يمكن اغتنامها من إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران.

قبل 7 أعوام وبعد مفاوضات ماراثونية توصلت إيران مع الدول الست الكبرى إلى اتفاق رفع عنها عقوبات غربية عديدة مقابل فرض قيود على برنامج تطوير برنامجها النووي عام 2015.

يؤمن الجانب العربي بأن إيران هي لاعب مهم ومسيطر في ما جرى في سوريا وما يجرى في اليمن، ويؤمنون أيضا بأن إيران تدير المشهد السياسي في العراق، ولا يختلف الحال كثيرا في ما يتعلق بلبنان عن طريق الرعاية الإيرانية لحزب الله، وقد يكون الانفتاح العربي والخليجي على إيران بمثابة البداية الفعلية للبحث عن حلول لأزمات هذه الدول

غضبت الدول العربية الخليجية في أغلبها، ورأت في عودة إيران البطيئة للجماعة الدولية خطرا عليها، واعتبرت العواصم الخليجية أنه كان يجب تضمين ملفات أخرى في الاتفاق النووي مع إيران، منها سياستها وتدخلها في عدة دول عربية مثل العراق واليمن وسوريا ولبنان، كما طالب الجانب العربي بضرورة فرض قيود على برامج تطوير إيران ترسانتها من الصواريخ متوسطة وطويلة المدى.

سعدت العواصم العربية بنهج إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي عام 2018، وعاد وفرض أغلظ العقوبات على إيران، ولم تفلح طريقة الضغوط القصوى التي باركتها بعض الدول الخليجية في تحسين مواقف إيران في القضايا الإقليمية مثل الحرب في اليمن، وتمكن حلفاء إيران (الحوثيون) من زيادة نفوذهم داخل اليمن، بل وتشكيل تهديد مستمر للسعودية والإمارات اللتين يستهدفونهما دوريا بطائراتهم المسيرة والصواريخ.

ومع توقع تحول المفاوضات الجارية حاليا في فيينا إلى اتفاق جديد يعود بإيران -ولو تدريجيا- إلى الاقتصاد العالمي ينبغي على قادة العرب البحث بأنفسهم عن طريقة يمكن من خلالها الاستفادة من واقع جديد بدلا من صب غضبهم على واشنطن وغيرها، وكيف يمكن الاستفادة من عودة إيران للجماعة الدولية وخروجها من قفص الحصار، خاصة بعدما أثبتت خبرة الأعوام الماضية فشل منهج العقوبات.

ويؤمن الجانب العربي بأن إيران هي لاعب مهم ومسيطر في ما جرى في سوريا وما يجرى في اليمن، ويؤمنون أيضا بأن إيران تدير المشهد السياسي في العراق، ولا يختلف الحال كثيرا في ما يتعلق بلبنان عن طريق الرعاية الإيرانية لحزب الله، وقد يكون الانفتاح العربي والخليجي على إيران بمثابة البداية الفعلية للبحث عن حلول لأزمات هذه الدول.

تتناسى الدول العربية أن فرض العقوبات على دولة ما هو الاستثناء وليس القاعدة في علاقات الدول، وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ناصبها العرب وواشنطن العداء، ثم تحولت إيران إلى نمط مزعج مع سعيها لنشر الثورة خارج حدودها، ثم تورطت في حرب لسنوات طويلة مع العراق راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وخسرها الطرفان.

ومع تعقد مشهد العلاقات الإيرانية الغربية ووصولها لفرض عقوبات غير مسبوقة في التاريخ -وهو ما نال مباركة رسمية عربية- لجأت إيران للعب دور "المخرب" (Spoiler) في قضايا المنطقة، وبررت ذلك بأنه رد مناسب على محاولات الغرب والعرب خنق النظام الإيراني.

ويرى البعض أن هذا السلوك يمكن تفهمه مع انعدام توافر بدائل أخرى، حيث لم يكن لدى طهران ما يمكن أن تكسبه في أي قضية (Iran had no stake)، من هنا تدرك واشنطن وعواصم أخرى ضرورة منح إيران وضعا طبيعيا كي تتوقف عن لعب هذا الدور المشبوه، وأن تصبح لها مصالح مشروعة كغيرها من الدول، وعليه تصبح جزءا من الحل في قضايا المنطقة بدلا من لعبها دورا هداما في العديد منها.

عندما وقّعت الإدارة الأميركية السابقة بقيادة باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران في صيف 2015 جمع أوباما ملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي في اجتماع قمة في منتجع كامب ديفيد الرئاسي بهدف طمأنة حلفائه الخليجيين من بواعث القلق لديهم بشأن الاتفاق النووي مع إيران، وجوهر الاتفاق هو وقف برنامج إيران النووي العسكري مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها.

ويعتقد الكثيرون في العاصمة الأميركية أن إحدى أهم وسائل طمأنة حلفاء واشنطن من العرب هو بيعها المزيد من الأسلحة، إلى جانب دعم الوجود الأميركي العسكري في هذه الدول، ويبدو أن هذه الترتيبات لم تكف لإقناع قادة هذه الدول الذين يسعون من جانبهم في محاولة صعبة لتوقيع نوع ما من أنواع اتفاقيات الدفاع المشترك التي توثق التزام الولايات المتحدة بحماية دول الخليج في حال تعرضها لأي تهديدات خارجية.

وبينما ستؤدي عودة العمل بالاتفاق النووي إلى ارتفاع نفقات التسليح لدى بلدان الخليج العربي فإن تعقيدات خرائط الصراع في المنطقة وخطورتها تستدعي أكثر من شراء مزيد من الأسلحة، فهي تتطلب تفكيرا مبتكرا من "خارج صندوق البيروقراطيات السياسية والعرقية والطائفية"، تستدعي تفكيرا يلزمنا -نحن العرب- مع جيراننا من الأتراك والإيرانيين والأكراد بالجلوس على مائدة تفاوض تسع الجميع للبحث في مستقبل أوطان لن تختفي شعوبها، عوضا عن تكليف الآخرين برسم خرائط المستقبل كما رسموا خرائط الماضي بدماء أبناء شعوب المنطقة.

وما يجب على الحكام العرب إدراكه هذه المرة هو أن إيران هي إحدى دول المنطقة، وأنها وجدت في الماضي وستوجد في المستقبل، وليس من الحكمة محاولة التأثير في مراكز صنع القرار الأميركي بالتنسيق مع إسرائيل، لوضع العراقيل أمام عودة طهران للجماعة الدولية.

المصدر: الجزيرة نت 

اثنين, 14/02/2022 - 12:49