هل يكون عام 2022 عام الإطاحة بأردوغان؟

 ليليان معروف

يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللعب على الحبل والتدخل بصراعات اقليمية علّها تكون الحل لانتشاله من الغرق في المستنقع الذي أغرق بلاده به, محاولاً إعادة عقارب الساعة إلى سنوات خلت, وإلى سياسة الصفر مشكلات التي تحولت إلى الكثير من المشكلات, وبين معارك الداخل وسياسات الخارج يتأرجح الرئيس التائه لتحسين وضعه محلياً ودولياً في محاولات فاشلة حتى الأن, والتي ربما تكون السبب في اطاحته هذا العام قبيل الانتخابات التركية العام المقبل, ومن انتظر سقوط الرئيس التركي لم ينتظر حتماً اصابته بالكورونا والجلوس والدعاء فسياساته الفاشلة كفيلة بذلك هكذا يعتبر البعض.
فمن فشله في الفوز في عضوية الاتحاد الأوربي إلى مشاكله مع الولايات المتحدة وصولاُ إلى الانغراس في الحرب السورية وتصدير الارهابيين لدول حديثة الصراع وليس انتهاءً بتدخله في الأزمة الأخيرة بين أوكرانيا وروسيا, والذي انعكس كلّه على الداخل التركي محدثاً نزيف لم يتوقف في الاقتصاد التركي.
ويحاول رجب طيب أردوغان العودة بعلاقاته إلى سابق عهدها أو محاولة مسح ماجنته سياساته الاخيرة من ذاكرة تركيا والعودة بالعلاقات مع دول الخليج وتبريد الجبهة مع روسيا وفتح صفحة جديدة مع اسرائيل متناسياً خطاباته البرّاقة من أجل فلسطين والاخوان المسلمين ودعمهم على أراضيه, فالقضية لم تطعمه دراهما فعاد متوسلاً إلى اسرائيل التي كان أول من اعترف بكيانها الغاصب راجياً منها دعمه لولاية جديدة قادمة, فالمصالح الشخصية أهم من رفع شعارات لدعم القضية.
الاقتصاد التركي الداخلي وأزمة الكهرباء:
واصل الاقتصاد التركي تدهوره بالتوازي مع تواصل انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار والتي وصلت اليوم إلى13,77 أمام الدولار بنسبة تراجع سنوي 37% منذ ايلول الفائت وذلك نتيجة سياسة خفض الفائدة في البنك المركزي التي اتبعها أردوغان, والتي ترافقت مع ارتفاع في أسعار المواد الغذائية  بنسبة 7,51% توازى مع ارتفاع أسعار السكن في كانون الثاني بنحو 3,12% وزيادة في اسعار الإضاءة بنسبة 70% تقريباً بالمقارنة مع كانون الأول.
كما سجّل معدّل التضخم السنوي ارتفاعاً جديداً بنسبة 36,08% بعد أن سجّل ارتفاع شهري في نهاية هذا العامقدره 13,59% ترافق مع تضخم المنتجين بحسب مؤسسة الاحصاء التركية وصل إلى 80% أي انتاج أقل وارتفاع تكلفة المعيشة أيضاً.
وبعد التراجع في الاقتصاد الذي شهدته تركيا مؤخراً أعلن أردوغان خطط انعاش مؤقتة أدت إلى انخفاض عجز التجارة الخارجية بنسبة 7.8 % إلى 45.9 مليار دولار في عام 2021، وارتفاع نسبة الصادرات إلى الواردات إلى 83.1 % كما ذكر رجب طيب في بداية هذا الشهر متحدثاًعن أرقام التجارة الخارجية للعام الفائت.
ومن الغلاء المعيشي إلى مظاهرات بسبب ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء, حيث شهدت عدة مناطق في تركيا منها أزمير وديا بكر وماردين مظاهرات واحتجاجات واسعة على ارتفاع أسعار الفواتير الكهربائية بنسبة 127 % حيث ارتفعت بين 50 و100 % منذ الأول من هذا العام, وأطلق المشاركون في المظاهرات عدة هتافات منها “استقيل يا أردوغان” و “على الحكومة الاستقالة” بحسب  ما ذكرت صحيفة زمان التركية, وجاءت المظاهرات بالتزامن مع انقطاع الكهرباء عن عشرين أسرة تركية لمدة أربع أيام متتالية .
كما قاد حزب العمال المعارض أحد التظاهرات مصدراً بياناً جاء فيه “القصر الرئاسي (أردوغان) يزداد ثروة ونحن ندفع ثمن ذلك.. هدية الحكومة لشعب تركيا تمثلت في ارتفاع أسعار الكهرباء، ومع نسبة الزيادة الأخيرة البالغة 50% أصبحت الزيادة في الحد الأدنى للأجور بلا معنى فعلياً”.
حملة اعتقالات مستمرة على خلفية اصابة أردوغانبأومكيرون :
لم تمنع حالة أردوغان الصحيّة استمراره بسياسته القمعية وكم الأفواه عوضاً عن سياسة التسامح التي يجب أن يتبعها قبيل الانتخابات المقبلة في 2023, حيث لجأت الحكومة التركية إلى اعتقال أربعة أشخاص من أصل ثمانية أشخاص خضعوا للتحقيقات بتهمة اطلاق شائعات على وسائل التواصل الاجتماعي بعيد اعلان اصابة الرئيس التركي وزوجته بمتحور أوميكرون.
وتباينت أسباب الاعتقال بين المشاركة بمنشورات استفزازية واهانات طالت الرئيس التركي, ومنشورات تتحدث عن التدهور الصحي في حالة رجب طيب.
وأبرز الذين طالهم الاعتقال السباح التركي السابق داريا بيوكونجو, والذي تم اعتقاله على خلفية اطلاق اشاعات طالت صحة الرئيس التركي, وعوقب السبّاح ب”حرمان دائم من حقوقه من قبل اتحاد السباحة التركي”.
فشل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي :
وضمن سياسة الاخفاقات التي واجهت تركيا في ظل حكم أردوغان, فقد لاقت تركيا فشلاً ذريعاً في محاولة الانضمام للاتحاد الأوروبي ويعود ذلك لأسباب ديمغرافية وسياسية تعارضت مع سياسة الاتحاد الأوروبي, ويأتي في أول الأسباب تلك هو أنّ عدد سكان تركيا كبير جداً ما يجعلها تحصل على عدد كبير من المقاعد في البرلمان الأوروبي وهذا لم يعجب الأخير, اضافة لأسباب اقتصادية كانت ستدفع العديد من الأتراك _في حال الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي _الذهاب إلى دول الاتحاد الأخرى مثل ألمانيا وفرنسا لتحسين أوضاعهم المعيشية وهذا ما سيشكل عبئاً اضافياً على دول الاتحاد, كما أنّ سياسة أردوغان القمعيةوسياسة الاعدامات التي تنتهجها حكومته وتدهور الوضع الانساني وعدم مكافحة الفساد في عهده كل هذه كانت أسباب كفيلة برفض الاتحاد الأوروبي اعطاء تركيا فرصة الانضمام له.
عودة العلاقة مع الخليج :
وبعد كل هذه الأزمات التي رافقت عهد الرئيس التركي, سعى الاخير ليغازل حكام الخليج علّ الأموال الخليجية تنقذه من السقوط الحر في فشله الأخير, وأول زيارة له قصد بهاً الحليف الوحيد الذي حافظ عليه خلال هذه السنوات وهو “دولة قطر” نظراً لنفس الخلفية الدينية التي تربط البلدين “الاخوان المسلمين” موقعاً عددا من الاتفاقيات, فاتحاً الباب أمام عودة علاقاته مع دول التعاون الخليجي.
وسبق زيارة الرئيس التركي إلى قطر وصول ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة بدعوة من الرئيسرجب طيب ، وأعلنت حينها الإمارات عن تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، وخاصة في قطاعي الطاقة والصحة لتعود العلاقات بين البلدين بعد قطعية تركية اماراتية منذ عام 2016.
وتواصل السياسة التركية انفتاحها مجدداً على دول الخليج والتي كان على رأسها الامارات والبحرين وقريباً السعودية التي اعلن الرئيس التركي في 17من كانون الثاني نهاية العام السابق عن نيّته زيارة المملكة العربية السعودية خلالهذا الشهر والتي ستكون أوّل زيارة له بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في نيّة لفتح صفحة جديدة مع دول الخليج صاحبة الأموال الكثيرة والتي يمكن أن تساعد في انقاذ عجزه الاقتصادي .
لملمة جراح علاقاته مع اسرائيل:
بعد سنوات من القطعية الظاهرية مع اسرائيل بحجة وقوف أردوغان مع فلسطين و دعمها من جهة واعتراض البحرية الإسرائيلية سفينة مرمرة التركية من جهة أخرى اضافة لمعارضته لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامبعندما اعترف الاخير بالقدس عاصمة لاسرائيل, مقدماً نفسه”رجب طيب” كفاتح للقدس ومحرراً لها من الاحتلال, جاذباً له عدداً من المتأثرين بنفاقه العلني, كاسباً لصفّه مئات العرب بحجة دعمه لفلسطين, فهل يخسر التأييد العربي له بعد قرب اعلان عودة العلاقات التركية الاسرائيلية إلى سابق عهدها؟
وفي سياق سياسة المصالحات مع دول المنطقة لدعم موقفه أكثر يعاود أردوغان اصلاح علاقاته أكثر وأكثر مع اسرائيلحيث أعلن رجب طيب أن الرئيس الإسرائيلي يتسحاقهرتسوغ سيزور تركيا في منتصف أذار المقبل, ليوقعوا عدة اتفاقيات تعاون من بينها اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة والتي ستكون على جدول أعمال الرئيسين, وخلال لقاءأردوغان بالجالية اليهودية التركية أوضح خلال اللقاء”الأهمية الحيوية للعلاقات التركية الإسرائيلية في أمن واستقرار المنطقة”.
وقامت الخارجية الإسرائيلية مؤخراً بتعيين الدبلوماسية “إيريت ليليان” التي كانت سفيرة إسرائيل لدى بلغارياكرئيسة للسفارة الإسرائيلية في أنقرة، وهي دبلوماسية قديمة وخبيرة في شؤون تركيا.
ازمة اغتيالات متوقعة:
يتوقع عدد من المحللين السياسيين أن تشهد المرحلة المقبلة موجة من الاغتيالات, وقال الصحفي التركي عبد الرحمن ديليباك في مقال له في صحيفة يني عقد التركية أنّ ” عام 2022 الجاري سيكون عصيبا على تركيا محذراً من احتمالية حدوث تطورات مرعبة بمنطقة الحج والمناطق المقدسة مشدداً على أنه يجب توخي الحذر أيضا من ارتفاع معدلات الحقد والغضب في أيام الخسوف الشمسي والقمري وأيام التقاطعات الخاصة النابعة عن حركة النجوم، إذ قد ترتفع جرائم القتل والاغتيالات أيضاً, كما أكد ديليباكأنّ غياب العدل وانتشار الظلم يؤدي أيضا إلى غياب السلام مفيداً أنّ الحرية أيضاً تندثر في المناطق التي يغيب عنها العدل والسلام.
ومع تواصل التوقعات بمزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي في تركيا في ظل السياسة الأردوغانية المتأرجحة والمتقلقلة بالتوازي مع محاولات أردوغانية فاشلة نوعاً ما في انقاذ البلاد وعودة العلاقات التركية العربية والتركية الدولية إلى سابق عهدها, وازدياد المعارضة لحكم الرئيس التركي, فهل نشهد في الأشهر القادمة اطاحة شعبية برجب طيب أردوغان؟

نقلا عن رأي اليوم 

خميس, 17/02/2022 - 11:14