لماذا لا تنشب الحرب؟

عبد المنعم سعيد

قبل أسبوع نشرت صحيفة الواشنطن بوست مقالا لمجموعة من المحللين يوم ٥ فبراير الحالى على الوجه التالي: تقترب روسيا من استكمال الاستعدادات لما يبدو أنه غزو واسع النطاق لأوكرانيا يمكن أن يتسبب فى مقتل أو إصابة ما يصل إلى ٥٠ الف مدني، وقطع رأس الحكومة فى كييف فى غضون يومين، وإطلاق أزمة إنسانية مع فرار ما يصل إلى ٥ ملايين لاجئ. الفوضى الناتجة هائلة وفقًا لتقديرات الجيش والاستخبارات الأمريكية التى تم اطلاعها على المشرعين والشركاء الأوروبيين خلال الأيام العديدة الماضية. وتأتى المخاوف المتزايدة مع استمرار الجيش الروسى فى إرسال وحدات قتالية إلى الحدود الأوكرانية فى كل من أراضيها وفى بيلاروس. حتى يوم ٤ فبراير، قال سبعة أشخاص مطلعين على التقييمات إنه كان هناك ٨٣ مجموعة تكتيكية كتيبة روسية، تضم كل منها نحو ٧٥٠ جنديًا، مصطفين لشن هجوم محتمل. هذا ارتفاع من ٦٠ قبل أسبوعين، ويشكل نحو ٧٠% مما يحتاجه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إذا كان يريد تعظيم العملية. هؤلاء الذين يزيد عددهم على ٦٢ ألف جندى مدعومون بعشرات الآلاف من الأفراد الإضافيين لتقديم الدعم اللوجستى والقوة الجوية والدعم الطبي. قال مسئولون أمريكيون إن الوجود الروسى على طول حدود أوكرانيا يبلغ أكثر من مائة ألف؛ وقدر مسئول أمنى غربى العدد بـ ١٣٠ ألفاً. مادامت شعرت روسيا بالقلق من استقلال أوكرانيا. كانت أوكرانيا جزءًا من الاتحاد السوفيتى المنحل الآن، وكانت روسيا تحكم أجزاء من أراضيها لقرون. تطمح أوكرانيا أيضًا إلى عضوية الناتو، الأمر الذى يرفضه بوتين بشدة.

الوصف بهذا الشكل كان مدعما بتصريحات لمسئولين أمريكيين كبار يتحدثون عن الحرب الوشيكة، وكنوع من الردع قامت الولايات المتحدة بإرسال قوة من ٣٠٠٠ جندى إلى أوروبا للتموضع فى أرض تشيكوسلوفاكيا. القوة كانت رمزية ولكنها تشير إلى أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدى إذا ما تم الغزو؛ وكنوع من الردع تعهد الرئيس بايدن، جنبًا إلى جنب مع المستشار الألمانى الجديد أولاف شولتس، بأن دولتيهما متحدتان فى جهودهما لردع روسيا من غزو أوكرانيا بعد اجتماعاتهما الرسمية الأولى فى البيت الأبيض. اللافت للنظر، وعد بايدن أنه وحلفاء آخرين سوف يضعون نهاية لخط أنابيب الغاز الطبيعى نورد ستريم ٢ الذى يربط بين روسيا وألمانيا إذا هاجمت روسيا جارتها أوكرانيا. هذا النوع من التهديدات والحشود وتلك المضادة أذاعت رائحة الحرب فى أوروبا والتى بدورها استعادت روائح سابقة لحروب عالمية نشبت لأسباب مشابهة أو نتيجة تصعيد من التهديدات والحشود التى سرعان ما جرى التصادم بينها ليتسع نطاقها بعد ذلك.

لم يكن العالم خاليا من الحروب الصغيرة التى يجرى بعضها وراء الإرهاب فى إفريقيا، وفى الشرق الأوسط كانت هناك حرب صامتة جارية بين إسرائيل وإيران أغلبها على الأراضى السورية؛ وهناك حرب أخرى تجرى بين إرهابيين لا يزالون يشنون عمليات عسكرية فى العراق وسوريا وقامت الولايات المتحدة من جانبها بالقيام بعملية لقتل قائد «داعش» مشابهة لتلك التى قام بها باراك أوباما تجاه أسامة بن لادن. الحرب الأكثر إثارة للاهتمام وقعت على مطارى أبو ظبى وبغداد الدولى من قبل الجماعات الإرهابية الحوثية التى تستخدم الصواريخ إن لم يكن لإصابة أهداف فإنها للفت النظر لقوتهم العسكرية التى تقف وراءها إيران.

ولكن سخونة الموقف فى أوروبا كانت دائما أكثر لفتا للانتباه، ويستدعى كما حدث من قبل فى التاريخ محاولات لوقف التصعيد وتلافى الحرب، ولكن المشهد يبدو دائما قابلا للانزلاق إلى ما هو أكثر خطورة. الإعلام العالمى فى عمومه لا تكون تساؤلاته عما إذا كان ممكنا منع الحرب من الحدوث، وإنما عن التوقيت الذى تقع فيه الحرب. الحقيقة ربما تكون أكثر تعقيدا والرأى هنا أن الحرب مستحيلة الوقوع ليس فقط لأننا ما زلنا أسرى للرعب النووى الذى يمنع المواجهة التى تدمر الكرة الأرضية كلها وهى الشائعة والضامنة للسلام طوال فترة الحرب الباردة ولا تزال ضامنة له بعدها. فالواقع هو أن هناك درجات كثيفة من الاعتماد المتبادل بين الدول والشعوب التى تجعل الحرب مستحيلة. العالم الآن يشهد بوضوح الكثير من التحديات التى تواجه العالم كله، ولا توجد قدرة لدولة واحدة أو مجموعة من الدول مهما تكن قوتها أن تتعامل معها وحدها. التحديات كما التفاعلات ذات طبيعة كونية يوجد فى مقدمتها الأوبئة بعد مشاهدة مئات الملايين من البشر يصابون، وملايين يفقدون حياتهم بفعل جائحة الكورونا. ويليها أن الاحتباس الحرارى بات حقيقة كونية مؤثرة على جميع دول العالم بغض النظر عن اللون أو الدين أو اللغة أو النظام السياسي. وثالثها أنه مع التحديين السابقين فإن استقرار النظام الاقتصادى العالمى بات مهددا بشدة. ورابعها أن الإرهاب رغم ما تعرض له من هزائم جزئية فلا يزال قادرا على مهاجمة الأهداف فى جميع قارات العالم. وخامسها أن انتشار الأسلحة النووية بات ممكنا فى ظل نظام دولى بات أقل كفاءة. وسادسها أن الفضاء الخارجى بات مفتوحا للنزاع والتضارب كما لم يحدث فى التاريخ من قبل.

السؤال الطبيعى هنا هو لماذا إذن تحدث هذه الموجات من التهديد المتبادل والتصعيد المتعمد؟ والإجابة هى أن العالم يمر بمرحلة مراجعة للنظام الدولي، وحسب السوابق فإن مراحل المراجعة دائما ما ترتبط بالتوتر والأزمات لأن كل طرف يحاول أن يعيد تموضع مكانته داخل النظام العالمي. المسألة هى أن النظام العالمى لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة قد وصل إلى نهايته وآن أوان وضع الأسس لنظام جديد تقدم المقترحات به الآن من قبل الصين وروسيا.

نقلاً عن "الأهرام"

ثلاثاء, 22/02/2022 - 12:22