في اليوم العالمي للصحافة

محمد الأمين ولد محمودي

خلال السنوات الأولى لممارسة مهنة الصحافة،كانت كلمة "الصحافة" تعني الصحافة الورقية فقط ،وكان باعة الصحف أغنى من الصحافيين أنفسهم،فالصحافي الذي يتقاضى راتبا هو ذلك الذي يشتغل في "القلم"او "موريتاني نوفيل" أو "العلم" او "اخبار انواكشوط" أو غيرها من الأسماء المعروفة،أما البقية فيستغلون بصفة موسمية،وكنت من الذين عملوا مع حبيب ولد محفوظ رحمه الله ومحمد محمود بكار في اسبوعية القلم،وبعدها مع اباه ولد السالك في موريتاني نوفيل ثم مع ولدبكار مرة أخرى في العلم واخيرا مع الوالد الدكتور عبد الرحمن ولد حرمة مرورا بلاتريبين مع الأستاذ محمد فال ولد عمير،ومع زملاء وأساتذة رائعين هم سيدي ميلة،الحسين ولد محنض،ولد اتشفاغ المختار عبد الله ممدو باه ،حنفي ولد دهاه ومن الجيل الثاني مع محمد ناجي ومحمد ايدومو وغيرهم،.وطبعا كانت التجربة الأخيرة مع جريدة المجهر لناشرها سيدي ولد النمين ومع الزملاء الشيخ سيدي عبدالله وأبي زيدان وباباه سيدي عبدالله وامربيه الديد وآخرين.مات البعض دون ان يعرف أحدكم كم كانوا رائعين وهاجر آخرون لأسباب نعرفها جميعا.

بعد أسبوع من الكد والسعي وراء الأخبار وسهر الليالي لتصحيح الجريدة والاشراف على الماكيت يستلم أحدنا مكتوبا يحمله سعيدا الى أحد الباعة ليمنحه مقابله أجره الأسبوعي الذي بدأ بثلاثة آلاف اوقية وبتطور العمل وازدياد المداخيل أصبح خمسة آلاف من الورقة العريضة الزرقاء.

اذكر ان المبلغ كان يسمح لي بشراء " لبسة" كاملة من "خيط واحد"..اما المتبقي فسيصرف ببذخ خلال يومي الاجازة الأسبوعية..ولعل الباعة كانوا الادارات المالية لهذه الصحف.

وجوههم مازالت معي،لم تخرج من ذاكرتي،"بابا" المتجول مازال يمارس نفس العمل،لكنه تحول الى موزع على الباعة.."اكار والداه" شقيقان كانا يقيمان مؤسسة تستوعب كل أقاربهما القادمين من المناطق الزراعية،اما مقر شركتهما فتحت سلالم عمارات "بالاس" ومامن كاتب أو صحافي الا وارد ذلك المورد لساعات او لحظات حسب مزاج مدير الشركة،توفى أحد الأخوين للأسف رحمه الله قبل سنوات في حين ترك الآخر بيع كلام أصبح يباع افتراضيا.

"البي" دخل عالم بيع الصحف متأخرا وبعد أن تعرف على هذا العالم واكتشفه قرر ذات ضحوة أن يكون صحافيا.اشترى نظارات طبية " غير طبية" ورخص لاسم من الأسماء وحمل حقيبة وانضم للطابور.

" المال" مسن من أهل الكبلة الساحليين،للوهلة الأولى يخيل اليك انه" بابا نويل" ضل طريقه،ذات الشعر وذات الذقن ونفس لون الزغَب،المفاجأة الكبرى أن الرجل الذي يظهر عليه من الكبر مالا يضمر مختص في كرة القدم الدولية ومتابع لكل الأحداث الكروية،ولاحديث له الا عن هدف أحرزه فلان او تسلل مر على الحكم دون أن يلاحظه.

خلال الأماسي ولمدة سنوات كانت تلك الوجوه تنتظم في طوابير داخل أبهاء وأروقة احدى الصحف في انتظار صدور العدد،ثم بدأ عددهم في التناقص حتى لم يبق لكبار الباعة من أثر في مقار الصحف أو في الشارع و النقاط التي دأبوا على بسط نضدهم فيها.

اين من واكبونا خلال سنوات الجمر؟

هل ارتقينا وهبطوا؟

هل سرقنا وسُرقوا؟

عينان حمراوان من لهيب يوم حار،جسم هده الإعياء من حمل أسفار أبناء الذوات،رجل يسير برجل واحدة يسابق بها الآخرين ليعود لأولاده باللقمة الحلال من عالم الحرام،المسن الأبيض " الملثم" الذي يخشى أن يعيره الآخرون بشرفه،الكهل النحيف المرتعش اليدين وهو يعد الصحف سائلا الزيادة لزيادة الربح..

قبل أيام وجدت أحدهم أمام مبنى السفارة الليبية،كان مؤدبا ويتكلم ورأسه الى الأرض،ذرفت دمعتين كحبر ربما لم أكتبه لأمنحه حق بيعه لكنني قلت له بتينك الدمعتين: هل تذكرني؟

حين كنت أقف الى جانبك،أسألك لتقرضني؟ هل تذكر مشاكلي التي كنت تحلها كمصباح علاء الدين؟

ارفع رأسك عاليا فأنت الوحيد الذي مازال على حاله، أما زملائي فقد رذل جلهم وباعوا أنفسهم لأنظمة ومخابرات ورجال أعمال ودول اخرى،وهجروا الحرف المحترم..هل تذكر ولد سيدي ميلة؟ انه في تكند وليس وزيرا للاتصال ولا مديرا للوكالة أو التلفزيون؟ هل تذكر الساقط فلان الذي لم تربحوا اوقية من حروفه؟ أصبح مهما في هذه البلاد.

أتمنى لو أن لدي القدرة لجمع أصدقائي هؤلاء وأن أجعلهم سعداء في حركة واحدة فقد أنهكتهم عقود من حمل الزيف والهراء الذي إن كان بعضه مفيدا وسمينا الا أن جله سم وافيون تناوله على جرعات هذا الشعب البائس..انتم جسر عبرنا عبره ولم نلتفت اليه لنشكره.

أحبكم وأترحم على من رحلوا منكم وأعتذر لأنني عاجز عن تغيير العالم اللعين من أجلكم.

أربعاء, 04/05/2022 - 14:49