كيف نتواصل في مواقع التواصل؟

فيصل القاسم

ليس هناك أدنى شك أن مواقع التواصل وفرت للبشرية منتديات لم تحلم بها على مدى التاريخ الإنساني، فقد جعلت من الجميع ناشرين بعد أن كان الإنسان العادي لا يستطيع أن ينشر جملة واحدة في وسائل الإعلام الأخرى إلا بشق الأنفس. أما اليوم فقد صار الكل ينشر ويتفاعل ويناقش ويدلو بدلوه. ولا شك أن منصات التواصل يمكن أن تكون مصدراً عظيماً للمعلومات والأفكار والتثقيف والتنوير والتعليم لو أحسنا استغلالها ووضعنا لها شروطاً وقوانين وضوابط ليس لكبح حرية التعبير طبعاً، بل لمنع حرية «التبعير»، فما أكثر التبعير على مواقع التواصل وما أقل التعبير، لأن الغالبية العظمى تتخذ من حساباتها وصفحاتها منبراً للإساءة والشتم والتشويه والتنابز. لا شك أن المواقع نفسها لديها ضوابط وخوارزميات جيدة لمواجهة المسيئين وطردهم، لكن ليتنا وضعنا نحن رواد ومستخدمي المواقع ضوابط تجعل من المواقع ساحة حقيقية للتفاعل البناء والتواصل الإنساني الثقافي والمعلوماتي والعلمي، لأن لدينا منابر مجانية عظيمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ويمكن أن تساهم في تطوير البشرية بشكل غير مسبوق.
سأقترح في هذا المقال بعض الأفكار. كيف نتعامل مع مواقع التواصل؟ كيف نتناقش مع روادها؟ كيف نتواصل؟ ماذا علينا أن نفعل؟ ما هو نوع الديمقراطية التي يجب علينا أن نمارسها على الأثير الالكتروني؟ دعونا أولاً نبدأ بالابتعاد عن الشخصنة، فعندما تريد أن تناقش شخصاً على مواقع التواصل وتريد فعلاً أن تفيد وتستفيد معرفياً ومعلوماتياً ابتعد عن الشخصنة تماماً. ناقش الفكرة بكل قوة وشجاعة، ولا تقترب من صاحبها شخصياً بأي إساءة. وعندما تستهدف الشخص وتترك الفكرة تكون بذلك قد أنهيت النقاش وخسرت الفرصة للإفادة والاستفادة، فاعلم دائماً أن أبسط شيء يمكن أن يفعله الشخص الذي شعر بالإساءة هو أن ينهي علاقته معك فوراً على مواقع التواصل طبعاً بالحظر الفوري. لا تتردد في مناقشة الفكرة بكل حرية. وهذا من حقك تماماً، فمهما هاجمت الفكرة لن تسيئ لصاحبها لأنه طرحها بالأصل كوجهة نظر يمكن أن تصيب أو تخيب، هذا طبعاً إذا لم يكن من أولئك المتعصبين الداعشيين الذين يجب ألا تدخل معهم في أي نقاش أصلاً ويجب أن تحظرهم دون أن ترد عليهم. وما أكثر الدواعش في الثقافة والاجتماع والدين والسياسة. بعبارة أخرى، لا حرية لأعداء الحرية في كل المجالات. باختصار، ركز على الفكرة وانس صاحبها، ولا ننسى أن هناك الكثير من الناس يدخلون إلى مواقع التواصل كي يتعلموا ويستفيدوا من الآخرين.

ليتنا وضعنا ضوابط تجعل من المواقع ساحة حقيقية للتفاعل البناء والتواصل الإنساني الثقافي والمعلوماتي والعلمي، لأن لدينا منابر مجانية عظيمة ويمكن أن تساهم في تطوير البشرية بشكل غير مسبوق

وفي كثير من الأحيان نكتب تغريدات ومنشورات كي يصححها لنا الآخرون أو يعطونا عنها مزيداً من الأفكار والإيضاحات. أنا مثلاً لا أكتب دائماً لأعلم بل لأتعلم. وهناك دائماً فرصة للتعلم. ولطالما تعلمنا في مواقع التواصل من أناس عاديين غير معروفين، لكنهم أثرياء جداً بالمعرفة والثقافة والتاريخ، وهؤلاء ثروة يجب أن نحافظ عليها. وبمجرد أنك تسيء لمثل هؤلاء فأنت كمن يطلق النار على قدميه. لا تسئ لأحد مهما اختلفت معه بالرأي، ولا تشتم ولا تستخدم عبارات شخصية مسيئة مع من تناقشهم أو ترد عليهم. يكفي أن ترد على الفكرة، ومهما كنت حاداً في الرد على التغريدات بشكل منطقي فإن الآخرين حتى لو تضايقوا فلن يحظروك. وأنا شخصياً أشعر بسعادة غامرة عندما يرد علي شخص بقوة ويدمر الفكرة التي طرحتها بشكل منطقي دون أن يسيء لي شخصياً. فلماذا نستعدي هؤلاء أو نسيء إليهم إذا كانوا يقدمون لنا عصارة أفكارهم وقراءاتهم ومطالعاتهم؟
ماذا تفعل مع المسيئين والشتامين الذين يردون عليك بالسباب أو حتى بالتجريح الشخصي؟ هؤلاء احظرهم فوراً واطردهم من النقاش مباشرة ولا تعطهم ثانية واحدة من وقتك. أكنسهم من حسابك، فهؤلاء لا يمارسون حرية التعبير بل حرية التبعير كما قلنا. زبدة الكلام أنك يجب ألا تقبل بأي تجريح من أي شخص على مواقع التواصل، وإذا لم تكن قادراً على مقاضاة المسيئين، فيجب حظرهم فوراً. باختصار «خلّي الحظر صاحي»،
فالإساءة الشخصية والتجريح ليست من الديمقراطية بشيء، فما أسخف الذين يسيئون للناس على مواقع التواصل، ثم عندما تحظرهم يقولون لك أنت لست ديمقراطياً. ديمقراطية إيه يا روح أمك؟ ألا تعلم أن للديمقراطية أسناناً وهي تعاقبك على أبسط إساءة شخصية؟ لو اطلعت على قضايا القدح والقذف والذم والافتراء المرفوعة في المحاكم الغربية لرأيت العجب العجاب. هل تعلم أنك تستطيع أن ترفع دعوى على شخص في الغرب لمجرد أنه اتهمك بالكذب على مواقع التواصل؟ صحيح أن كثيرين لن يفعلوا ذلك، لكن القوانين الديمقراطية الغربية تسمح لك بملاحقة ومعاقبة أي شخص يسيء لك بعبارة «أنت كاذب»، إذا كانت افتراء؟ وأعرف شخصاً رفع دعوى في بريطانيا على شخص آخر ليس لأنه شتمه في مواقع التواصل، بل فقط لأنه شارك رابطاً لمادة ذُكر فيها اسم الشخص واتُهم بالكذب، والغريب أن المحكمة قبلت الدعوى، مع أن الشخص المدعى عليه لم يكن يعرف المدعي أصلاً، لكن مجرد مشاركة المادة في تويتر كانت سبباً لدعوى قضائية. طبعاً ما ينطبق على الأفراد لا ينطبق على الدول والحكومات والزعماء، فالقوانين في البلدان الديمقراطية تسمح بشتم الحكومات والدول ومسح الأرض بها، لأن أساس الديمقراطية هو اختيار شخص يتحمل كل المسبات والانتقادات والشتائم. ولا تخلو النقاشات السياسية في البرلمانات الغربية أحياناً من الحدة والمشادات الكلامية العنيفة.
تعالوا نجعل من مواقع التواصل ساحات حوار وتفاعلا حقيقيا بدل تحويلها إلى متاريس ومكب للبذاءات والنفايات.

نقلا عن القدس العربي

سبت, 04/06/2022 - 10:49