في وداع جمال الخاشقجي

أنيس الخصاونة

المغدور جمال الخاشقجي ولد في المدينة المنورة عام 1959 وينتمي لعائلة ذات جذور تركية استوطنت الحجاز قبل 500 سنة ، عمل في بداية مسيرته الصحافية مراسلًا لصحيفة “سعودي جازيت”، ثم أصبح مراسلًا لعدد من الصحف العربية اليومية والأسبوعية ،وقام بتغطية أحدث مهمة في العديد من البؤر الساخنة في الدول العربية والأجنبية. شغل مناصب إعلامية متقدمة منها نائب رئيس تحرير صحيفة عرب نيوز ، ورئيس تحرير صحيفة الوطناليومية و مستشارًا إعلاميًّا للأمير تركي الفيصل السفير السعودي في لندن ومن ثم في واشنطن.

اتسمت مسيرة الخاشقجي بالمهنية والاعتدال وقد كان دوما قريبا من النظام السعودي ،ولم يعهد عن الرجل الإسفاف والتملق والممالئة لأولي الأمر. كان الخاشقجي، كما تابعه الكثير من الإعلاميين العرب والأجانب، معتدلا في طروحاته وتحليلاته السياسية ولم يميل يوما إلى “كسر العظم” أو قطع كافة خطوط الاتصال مع النظام السياسي السعودي ،ربما لإدراكه أن صوت الاعتدال والطروحات العقلانية هي أكثر فاعلية في إحداث الإصلاح السياسي ،أو ربما ،وهو الأرجح، لإدراكه لعدم توفر أدنى درجات التسامح السياسي من قبل أولي الأمر مع الطروحات السياسية التي تختلف مع أو تعارض أفكار وسياسات ورؤية النظام.

تم منع الخاشقجي من الكتابة في الصحف، أو الظهور على شاشات التلفزة وحضور المؤتمرات, بعد تصريحات أدلى بها في معهد واشنطن للأبحاث والذي انتقد فيها صعود دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة.وأزعج خاشقجي صناع القرار في السعودية، الامر الذي دفع الديوان الملكي السعودي بمنعه من الكتابة او الظهور على شاشات الفضائيات .

رحل جمال الخاشقجي بطريقة وحشية أثارت معظم حكومات العالم الديمقراطي الحر طبعا باستثناء الحكومات العربية ،واستفزت تصفيته كافة المنظمات الصحفية والنقابية والإعلامية والحقوقية باستثناء المنظمات الإعلامية والحقوقية والنقابية العربية(طبعا ما عدا قناة الجزيرة).لا أعلم كيف يمكن أن يمر اختفاء واغتيال صحفي كبير بوزن جمال الخاشقجي دون تصريح من حكومات عربية تعبر عن أسفها أو حتى انزعاجها الخجول من هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان وقيم الحرية والتعبير وحقوق المواطنة؟ .وفي الوقت الذي يمكن أن نتفهم أن كثير من الدول العربية ليست موئلا للإعلام الحر والصحافة المستقلة ،ويمكننا أيضا أن نتفهم حرص هذه الدول على التدفق المالي المشروط بدعم وتأييد المواقف لسعودية بغض النظر عن احترامها لحقوق الانسان، فإننا بالتأكيد لا يمكننا أن نتفهم صمت النقابات الإعلامية والصحفية العربية عن شجب واستنكار جريمة اغتيال الصحفي الكبير جمال الخاشقجي.

لقد آثر جمال الخاشقجي أن يكون بعيدا عن وطنه ليأمن على حياته ،ولكنه لم يدرك أن قوى الشر في وطنه لا تعدم الوسيلة في الوصول إليه فاستدرجته حيث تريد ،وقتلته بطريقة بشعة ضاربة عرض الحائط بكل المعايير الأخلاقية والإنسانية. لن يتمكن أي صحفي خليجي وربما عربي بعد هذه النهاية المؤسفة للخاشقجي أن يقول كلمة حرة دون وجل أو خوف على حياته وعائلته. لا أعلم كيف يمكن للكثيرين من منتقدي السياسات السعودية ،ومنهم كاتب هذا المقال ،أن يأمن على نفسه عند سفرة لبلاد الحرمين لأداء أحد أركان الإسلام الأساسية ؟لا أعلم كيف يمكن أن يأمن صحفي مبتدئ أو طالب في جامعة أو مواطن على انتقاد سياسات القيادات السياسية والحكومات في بلدة. رحم الله الصحفي الخاشقجي ورحم الله الصحافة السعودية والصحافة العربية من ورائها……..

رأي اليوم

أحد, 14/10/2018 - 11:30