حرب نفسية فاشلة: البديل عن الحرب العسكرية الخاسرة

 جهاد حيدر

لم يكن وصف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للاستعراض الذي قام به نتنياهو من على منبر الامم المتحدة، واخرين في الكيان الاسرائيلي، بأنه حرب نفسية على لبنان، مجرد وصف عابر، بل كان ملخصا لتقدير سياسي لخلفيات وأهداف المواقف التي اطلقها. وهو ما يدفع للتوقف عند السياقات التي دفعت قادة العدو لشن هذا النوع من الحروب وفي هذه المرحلة بالذات.

منذ ما بعد حرب العام 2006، وضعت (اسرائيل) أمامها، هدفاً استراتيجياً من ضمن مجموعة أهداف أخرى، وهو منع تطوير قدرات حزب الله الصاروخية والعسكرية، كما ونوعا. وهي من أهم العبر والخلاصات التي استخلصوها من نتائج تلك الحرب. ولهذه الغاية اتبعت (اسرائيل) مسارات متعددة.

قبل الاحداث السورية اعتمدت سياسة (حافة الهاوية) ضد سوريا وحزب الله، في محاولة لردعهما عن مواصلة هذا المسار. وبدت في بعض المحطات كما لو أنها على وشك المبادرة العملانية لكن كل مساعيها باءت بالفشل. وواصل حزب الله بناء وتطوير قدراته، الامر الذي حال في حينه دون تكرار عدوانها على حزب الله ولبنان.

شكلت الحرب السورية عام 2011، فرصة بالنسبة لـ(اسرائيل) لتحقيق ما هو أبعد من طموح الحد من تطوير قدرات حزب الله، بل لشطبه من الساحة والغاء وجوده.. وعندما تراجعت احتمالات السقوط السريع للرئيس بشار الاسد، استغلت فرصة انشغال محور المقاومة وبدأت في سياسة الاستهداف الموضعي الذي يهدف الى منع نقل قدرات نوعية الى حزب الله في لبنان. وعندما حاولت توسيع هذه الاعتداءات باتجاه لبنان، تلقت ردا تناسبياً فهمت منه أن ذلك سيؤدي الى التدحرج نحو مواجهة كانت ما زالت حريصة على تجنبه.

في ظل مظلة الردع التي رسخَّها، استطاع حزب الله أن يواصل تطوير قدراته العسكرية والصاروخية، كما ونوعا، وتعددت التقارير الاسرائيلية التي تحدثت عن تعاظم قدرات حزب الله حتى أضحى قوة اقليمية تخشى (اسرائيل) من الاحتكاك العسكري المباشر معه. وصولا الى اعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن اتمام الامر في امتلاك الصواريخ الدقيقة، الذي شكل تحولا مفصلياً في معادلات القوة بين (اسرائيل) وحزب الله.

لقي إعلان السيد نصرالله عن الصواريخ الدقيقة، أصداء واسعة في الكيان الاسرائيلي مما دفع رأس الهرم السياسي بنيامين نتنياهو الى الرد السريع والمباشر متوعداً بضربة ساحقة لحزب الله... ثم أكمل رده من على منبر الامم المتحدة الذي تحدث فيه عن تطور الصواريخ الدقيقة لحزب الله، التي تتمتع بهامش خطأ يصل الى عشرة أمتار. متوعداً بأن اسرائيل ستعمل في لبنان وسوريا والعراق...

في مواجهة هذا التطور كان على (اسرائيل) أن تعيد دراسة خياراتها العدوانية، التي تراوحت بين التكيف القهري مع الواقع المستجد، وصولا الى عدوان عسكري واسع وما بينهما من ضربات موضعية تستهدف القدرات الأكثر خطورة على العمق الاستراتيجي الاسرائيلي.

فيما يتعلق بالخيار الثاني والثالث، يدرك الاسرائيلي أن حزب الله قادر على الرد بمستويات لم تشهدها (اسرائيل) طوال تاريخها... ولا يعني امتلاك (اسرائيل) القدرات العسكرية المطلوبة أنها تملك شروط تحقيق النصر في أي حرب قد تشنها، وهو ما ثبت في العديد من المحطات السابقة. وحتى في الضربات الموضعية، بات حزب الله أقدر على اصابات أكثر ايلاما ومدى وتدميراً..

في التكيف مع الواقع، لا يشكل هذا الموقف خيارا اسرائيليا، ابتدائيا.  لأن (اسرائيل) تدرك أن حزب الله في مسار تصاعدي على كافة المستويات.. ولن تقبل طوعاً بالتسليم بهذا الواقع الذي فرضه.

في مواجهة هذه الخيارات البديلة، وما يترتب على كل واحد منها من نتائج، لم تجد (اسرائيل) امامها سوى محاولة شن حرب نفسية تهدف الى تأليب الرأي العام الداخلي على حزب الله وسلاحه. وهي محاولة بدت فاشلة، عندما قابلها الجمهور اللبناني بالسخرية، وبرد دبلوماسي عندما استدعت وزارة الخارجية اللبنانية، السفراء المعتمدين لمعاينة كذب نتنياهو في مكان محدد، بالقرب من مطار بيروت الدولي.

أمام المأزق الذي تواجهه تل أبيب، ستبقى تواصل حروبها النفسية وسياسة حافة الهاوية، والتهويل... وسيواصل حزب الله في المقابل، تطوير قدراته الكمية والنوعية، لكن تبقى ساحة الاشتباك الاقليمي في المرحلة الحالية محصورة في الساحة السورية.

الوفاق

 

خميس, 18/10/2018 - 11:35