ضرب الأطفال في المدارس

رشا حلوة

قبل أيام، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وهي منظمة دولية غير حكومية تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان والمطالبة بها، تقريرًا حول العنف الذي يتعرّض له الأطفال في المدارس اللبنانية، وكان قد نُشر التقرير بـ 59 صفحة باللغة العربية بعنوان: "ما بدي إبني ينضرب: العقاب البدني في المدارس اللبنانية". وقد أشار التقرير إلى "أن الأطفال في لبنان يتعرضون للصفع والضرب في المدارس، وأن بين 20و 70في المائة من الأطفال في المدارس قالوا بأنهم عانوا من العقاب البدني"، كما تمت الإشارة إلى أن "القانون الذي يمنع موظفي المدارس من ضرب الطلاب أو الإساءة إليهم، غالبًا ما يتهم تجاهله". وفي سياق الحديث عن العنف المذكور، "فإن الطلاب يتعرضون للإهانة، الشتائم، الصفع على الوجه، الضرب على اليدين. كما ذكر بعض الطلاب أنواع إساءة أخرى، مثل الضرب بالعصي، بالأنابيب المطاطية والأسلاك الكهربائية، وفي بعض الحالات، يتفاقم العنف لحالات أخطر وأكثر أذى".

قصص الأطفال في التقرير، مرعبة، من جهة، ما مرّ على الأطفال من عنف جسدي ونفسي من قبل موظفي المدارس، والحديث لا يدور فقط عن معلمين/ات، إنما أيضًا بعض إدارات المدارس ومشاركتها بالعنف سواء بشكل مباشر أو من خلال إهمال الشكاوى، ومن جهة ثانية ما مرّ على الأهل من معاناة بعد معرفة أن أطفالهم يعنفون في المدارس، ولا أحد منهم يساعد في حمايتهم. وهنا الحديث عن غياب المراقبة الحكومية وعقاب مرتكبي العنف بحسب القانون، حتى لا يشعر الأطفال وأهاليهم أنهم لوحدهم في هذه المعركة.

على الرغم من أن التقرير يخص مدارس لبنان، إلا أن العنف البدني الممارس على الأطفال في المدارس موجود في دول عربية أخرى، في ظل ظروف مختلفة قانونيًا أيضًا، هذا العنف الذي "يبرر" بأسوأ التبريرات، بأنه نابع من "الحاجة لتأديب" الطفل/ة، "لتحسين أخلاقه وأداءه في المدرسة"، هذا الادعاء الذي هو بحد ذاته بمثابة انتهاكٍ للطفل/ الفرد، لا يختلف عن التبرير الذي يحصل عليه بعض الأبناء والبنات في منظومة العنف الأسري، عندما يتعرضون للضرب من قبل الأب أو الأم أو كلاهما، بأنه: "منضربكم لأننا منحبكم".

هنالك طبقات عديدة للتعامل مع العنف البدني والنفسي الذي يمارس على الأطفال في المدارس، منها المتعلقة بالموروث المجتمعي حول العلاقة ما بين العنف والتأديب/ المحبة، ومن جهة أخرى هنالك قوانين حماية الطفل وحقوق الإنسان، التي ترتكز على دراسات وأبحاث عديدة تشدد على أنه ليس هنالك نتيجة إيجابية واحدة يساهم فيها أي شكل من أشكال العنف، كل ما يؤدي له العنف في نهاية المطاف على الفرد، هو سيء ومضرّ، ويؤثر سلبًا على الإنسان.

في تقرير أعدّته منظمة "اليونيسيف" وجمعية "أطفال" وجامعة محمد الخامس في المغرب، حول العنف التربوي الممارس على الأطفال، أشار إلى أن آثار السلوكية المترتبة عن ما يُسمى "بالعنف التربوي"، أي الذي يبرر بحجة التربية والتأديب، هو إدمان الكحول والمخدرات، الاضطرابات الإدراكية، تأخر النمو، السلوك العنف والإجرامي، وكلما كانت ممارسات العنف خطيرة ومتكررة، بإمكان أن تدفع العواقب إلى الموت المبكر بسبب الحوادث، الأمراض والانتحار، وغيرها من المعطيات المؤلمة.

وهذا يعيدني إلى الأهل تحديدًا، إلى معاناتهم وألمهم على أطفالهم في ظلّ غياب منظومة رقابة على المدارس وما يُمارس من عنف، والخوف الذي يرافقهم كل مرة عندما يرسلون ابنهم أو ابنتهم إلى المدرسة، خاصّة في سياق تجاهل قوانين حماية الأطفال من أنواع العنف كلها.

في نص نشرته الصحافية المصرية، نادية العوضي، عبر مدونتها الإلكترونية في العام 2010،  بعنوان "العقاب الجسدي في المدارس المصرية: شهادة شخصية"، روت نادية قصة العنف الذي تعرّض له ابنها، ولم تكن هذه الحادثة الأولى، لكن هذه المرة ضُرب ابنها بالعصا والخرطوم على يد أحد نواب المدرسة، وعندما ذهبت لتقديم شكوى، كان أوّل سؤال طُرح عليها: "ماذا فعل ابنك؟".

 وتتابع نادية في شهادتها: "المنطق من وراء هذا السؤال صدمني. هل هنالك أي شيء يمكن للطفل القيام به يبرر تعرضه للضرب؟ ذهبت لأشتكي ما تعرّض له ابني من عنف، وكان علي بدلًا من ذلك الدفاع عن ابني! كان عليّ أن أقضي وقتي أثبت أنه لا يستحق الضرب بدلًا من أن نقضي وقتنا كأولياء أمور وإدارة مدرسة في معرفة بما كان يفكر به المعلم عندما قرر ضرب الطفل!؟".

خلال شهادتها، نلمس عجز نادية في حماية طفلها من عقليات تربط العنف "بالتربية والتأديب"، سواء ترتكز هذه العقليات على موروث أبوي، مجتمعي أو ديني، في مصر التي صدر فيها مرسوم وزاري عام 1992 يحظر العقوبة البدنية على الأطفال في المدارس. وبعد تسع سنوات من قضية نادية ومرور ثلاثة عقود على صدور مرسوم حظر العنف البدني على الأطفال في المدارس، ما يزال المجتمع المصري يعجُّ بحالات أمهات وآباء، يريدون فقط أن  يعود أطفالهم إلى البيت بعد المدرسة، سالمين وبأمان.

في حديث مع صديقة، وهي أم لطفليْن، انتقلت إلى ألمانيا مؤخرًا، روت لي بأنه ليس هنالك حوادث عنف تعرّض لها أطفالها في المدرسة عندما كانت تعيش في بلدها، لكن القلق عليهم في هذا الإطار، كان موجودًا، وتتابع: "بالإمكان أن يتعرّض الطفل للعنف في كل مكان، أي أن القلق الذي عشته كأم عليهما في بلدي هو الذي أشعر به اليوم في ألمانيا، هو قلق الأم وعدم الثقة في عوامل كثيرة، لكن ما يشعرني بالأمان قليلًا هنا، هو أن القانون يُطبق على مرتكبي العنف، مما يجعل العقاب الذي سيتحقق بالتأكيد، رادعًا لكثيرين".

لست أمًا، وبالتالي، هنالك خوف ما في الحياة لا أعرفه، مقارنة بالخوف الذي أسمع عنه من أصدقائي وصديقاتي . هو خوف على الأطفال من الحياة عمومًا وما سيأتي معها، وهو مرتبط منطقيا بفكرة عدم قدرة الأهل على حماية أبنائهم وبناتهم طوال الوقت. إن كلّ ما يمكن أن يفعلوه، هو منح الحبّ والأمان والثقة. لكن ينبغي،على الأقل، أن يكون هنالك منظومات مؤسساتية وقانونية تساعدهم على حماية أطفالهم من كل أشكال العنف. وبالمقابل، هنالك حاجة متواصلة للتوعية بأن إقحام العنف كوسيلة للتربية والتأديب، هي جريمة بحق الإنسان. وأن المحبة لا علاقة لها بالضرب، هذه المعادلة هي فقط لقمع الشخص ولمواصلة فرض السيطرة عليه والتقليل من قيمته الإنسانية، سواء كان طفلًا أو فتاة.

 DW.

سبت, 18/05/2019 - 12:22