مآسي ولد الغزواني

محمد محمود ولد بكار

إلى حد الآن، لا يمكن تحديد اتجاه الرياح بالنسبة لحكم غزواني، ولا يمكن التنبؤ بما يفكر فيه الرجل، لكن هناك، في الذاكرة العامة، صورة عنه بوجهين متناقضين تماما، مثل لوحتين قديمتين على جدار عمومي صارتا مطبوعتين في الذاكرة الجمعية للمارة. واحد من وجهيْ الصورة متعلق بالقدرة الفائقة على مراكمة المرارة وهو يحمل الضغوط حتى أكثرها إحراجا للوصول إلى الهدف.

والثاني ضعف الإرادة لدرجة عدم القدرة على أي فعل دون تلقي الأوامر بمعنى الإذعان والشعور بالراحة في القيود.

لكن للصورتين خلفية واحدة بلونين مختلفين: "الصبر والكتمان". فأي الصورتين حقيقية رغم أنهما من مصادر الأصدقاء في الخدمة والعارفين الحقيقيين المخالطين للرجل، وكل فريق يقسم بالله على صورته، ولكل منهما وقعها الكبير في النفس وظلالها على مستقبل بلد معلق بخيط رقيق فوق الهاوية.

محمد ولد غزواني اليوم رئيس بالأمر الواقع: أي رغم أنف الكل، يفتقد للمشروعية لأنه جاء عبر انتخابات غير نزيهة، ويفتقد أيضا للشرعية لأن خطابه لا يحمل التطلعات نحو التغيير والإصلاح، وتلك مشكلة بحد ذاتها، وسيستلم ملفات هدم كبير ومعاملات غامضة كانت تسيرها مشيئة الفساد وسوء التدبير والغش. إنه ميراث محمد ولد عبد العزيز، ذلك الاسم الذي ارتبط في البلد بالرغبة الجامحة لرئاسة الأموات. كان ولد عبد العزيز ضابط سِماكة: Oficier Tôlier أقل درجات الاختصاصات في الجيش قيمة حسب عقيد متقاعد شارك ببسالة في حرب الصحراء.

 "وقد مرّ بمحطات في حياته تركت عنده انطباعا مأساويا تجاه شعبه على نحو يولد الانتقام، وعلى ذلك الأساس بنى حكمه وسير البلد بأطباعه ونوازعه، فتحوّل القرار الوطني إلى موضوع شخصي، وعارض الإكراهات والمسؤولية التي يفرضها القانون والأخلاق على منصب رئيس الجمهورية، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ضد سلطته المطلقة ويده الطولى حتى صار أهم من الدولة وصارت كل أمور البلد رهن إشارته: حياة المواطنين، حرياتهم، ممتلكاتهم، فرصهم في النجاح. وقد اتبع في ذلك هواه، فتم حرمان البلد من أصحاب الآراء الرشيدة وأصحاب القدرات العلمية وأصحاب الخبرة والتجربة، كما تم حرمانه من فرص التطور والنجاح، وجعلت، عكسا لذلك، مشاركة النساء والأطفال والأصدقاء غير المتعلمين الذين يوجههم حب الثراء والتملك بادية في قرار البلد. إنها جزء من مأساة ولد الغزواني الصغيرة التي سيرثها يوم 2 أغسطس القادم.

لا نملك عن ولد الغزواني أي صورة حقيقة سوى عدم معرفته بالاقتصاد، رغم أنه المحرك الأساسي للعالم اليوم أي سببا في الحروب وسببا في فشل الدول وعدم استقرارها. كما لا نملك حقائق عن قدرته على امتلاك الإرادة في إصلاح جو المنافسة وإشاعة مناخ الحرية والإبداع، وأكثر من ذلك تضميد جراح عملية وصوله إلى السلطة التي يعترض عليها 48  % من الناخبين الوطنيين. وتلك هي مأساته الثانية.

يلتقي ولد الغزواني مع صديقه ولد عبد العزيز - لا أريد أن أقول صنوه بتأثير إحدى تلك الصور -في بعض المظاهر، فلم يكن ولد عبد العزيز رجل دولة، بل كان رجل قبيلة يستخدم بعض أفرادها في قرارات ومستقبل البلد وفي مسار أسرته الشخصية، ويدافعون عنه في أكثر من موقع! وفي نفس الوقت كان يقف على رأس دولة ويسيرها بكل حرية وعنجهية، وهي تحميه بجيشها بتكلفة تزيد على 900 مليون أوقية سنويا: ما يقابل 26 مرة ضعف تكاليف حماية معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطائع، كما أنها تحميه بقوانينها. إنه وضع متناقض ومتعارض ولا علاقة له بقيم الجمهورية، كما لم يستطع التخلص من تأثير 28 سنة من الخدمة العسكرية (تلقي  الأوامر بانصياع تام وإعطائها يتجبر تام) واستخدام ذلك لأغراض شخصية أنانية بكل استغراق في العمق.

لا تتوقف مآسي غزواني عند التخلص من أوجه الشبه مع عزيز، بل وبالتكفير عن خطابه عكس التيار بالنسبة لشرعية المجتمع التي تطالب بالقطيعة مع "التسيير الحانوتي" (رحم الله الدكتور الشيخ ولد حرمة)، بل في التفكير في استصلاح الشروط والظروف التي ستطبق فيها قوانين الجمهورية بما تحمله من عدالة ومساواة وتكافؤ للفرص: أي بناء أسس الدولة الوطنية، وهو ما يتعارض مع الإبقاء على المصالح التي خلقتها مراكمة الامتيازات خلال السنوات العشر الماضية حتى صار الاقتصاد والمنافع يدوران في نفس الحلقة بعيدا عن التداول، وليس بوجود ولد عبد العزيز في الخلف ولا في آلية اتخاذ القرار من أيّ جهة بأي شكل من الأشكال لاعتبارات تتعلق بنوازعه وطموحه الدائم تجاه الغبن. فهل من سبيل إلى معرفة الحقيقة قبل الدخول إلى أمر الواقع؟

لا يملك غزواني في هذا الظرف سوى خيارين: إما أن يكون رئيسا غير حازم ويحاول، على طول الوقت، تقليص تأثير صديقه عليه أثناء ممارسة السلطة، وحينها سيغمره التسيير اليومي وتشابك الأحداث مما سيدخله في متوالية من المشاكل لن يصمد أمامها ليجد نفسه خارج اللعبة في غضون السنة الأولى، أو أقل.

وإما أن يكون رئيسا من اليوم الأول، صاحب المسؤولية الكاملة التي لا تتجزأ والتي قسم عليها يوم تنصيبه بأن "يمارس وظائفه باحترام الدستور والقانون"، ولا يوجد في الدستور رئيس ونصف ولا رئيسان، ويتعامل مع وظائفه بكامل صلاحياته، ويواجه الرهانات والتحديات الوطنية بقدراته وتفكيره الخاص، ويبتعد عن الرهانات الشخصية.. حينها يكون حدد الطريق للتعاطي مع مآسي حكم بلد يقبع تحت الركام. وهذا يكيفه من سوء الطالع.

اثنين, 29/07/2019 - 12:30