الخطاب الإعلامي العربي وضرورة تطويره

حسن العطار

احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م كشفت عن حجم التشويه التي تعرضت له صورة العرب في اذهان المجتمعات الغربية وذلك بسبب السياسة التي يتم إتباعها منذ عقود من الزمن ويغذيها الإعلام الغربي الصهيوني لتشويه هذه الصورة. فالشخص العربي في هذا الإعلام العنصري البغيض ما هو إلا مقامر او مزواج يتنقل بين امرأة وأخرى او إرهابي يرتكب ابشع الجرائم ضد الإنسانية. هذا الشكل الذي رسم به الإعلام الغربي صورة الإنسان العربي جعل الرأي العام الغربي مستعدا لأن يصدق أي كلام خاطئ عن العرب، والإعلام العربي يساهم بصورة كبيرة في تعزيز هذه الصورة السيئة وذلك بتركه الساحة امام الإعلام الصهيوني دون ان يقدم الى المواطن الغربي وجهة النظر الأخرى كي يمكنه من الوصول الى الحقيقة.

 

الخطاب الإعلامي العربي ما زال في معظمه خطابا محليا لم يستطع ان يصل الى مستوى الخطاب العام للعرب فضلا عن الخطاب العالمي. فالصحافة العربية وهي اهم وسائل الإعلام –اشبه ما تكون بنشرات اخبار داخلية تخاطب وتحاور وتناقش نفسها، ولم تستطع ان تتجاوز ذلك لتدرك ان مهمتها الرئيسية هي التأثير في صياغة وصناعة رأي عام مؤثر وفعال، وتوجيه المجتمع نحو أهدافها وقيمها ومنطلقاتها الفكرية والثقافية. لقد انشغل الإعلام العربي في جوهره ومضمونه بمشاكل وهموم الماضي ولم يتجاوز ذلك الى الحاضر فضلا عن استشراف المستقبل، كما ان مواصلة الاستغراق في المهاترات الكلامية والخلافات الجانبية يستهلك جزءا مهما من محتوى ومضمون هذا الخطاب.

إن الخطاب الإعلامي العربي بحاجة ماسة وضرورية الى التطوير والتحديث وذلك بتوظيف وسائل الإعلام الحديثة في ترويج ونشر الثقافة العربية ذات القيم الإنسانية والأخلاق الفاضلة المستمدة من دينها الحنيف، ومخاطبة الشعوب الأخرى على اختلاف مشاربهم وافكارهم وتوجهاتهم. ومن المهم ان يرتقي هذا الخطاب المعاصر الى مستوى التحديات الجديدة التي افرزتها العولمة وعززتها احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، وذلك من خلال فهم لغة العصر وثقافته وتجديد الخطاب بما يتلاءم مع روح العصر ومنجزاته العلمية والفكرية والثقافية، وتجاوز الاستغراق في قضايا الماضي وموروثاته الى الانفتاحعلى قضايا الحاضر واستشراف المستقبل.

وحتى نضمن النجاح وتحقيق الأهداف، ينبغي لهذا الخطاب الإعلامي ان يبنى على فلسفة واضحة واستراتيجية محددة المعالم واهداف مدروسة بدقة يسعى من اجل تحقيقها، وعدم الاكتفاء بتقديم خطاب بأي لغة كانت، فنحن في عصر بات العلم والفكر سمات من سماته الأساسية. ومن ثم لا بد ان نقدم لدول العالم خطابا مرتكزا على العلم والمعرفة مع تجديد ما يقبل التجديد في الجانب المتغير من الفكر الإنساني، والمحافظة على الثوابت القومية والوطنية التي لا تقبل التغيير والتبديل مهما تغير الزمان والمكان. ويمكن تلخيص خطة التطوير والارتقاء بالخطاب الإعلامي العربي فيما يلي:

• وضع الرجل المناسب في المكان المناسب: ان الميزة الرئيسية في الإعلام المعاصر والحديث هي مسألة التخصص في كل فرع من فروعه، وهو ما يعطيه القدرة الفائقة على رسم استراتيجية واضحة. والإعلام الناجح انما يكون نتيجة لتخطيط دقيق وفكر صائب وسياسة مرسومة، إضافة الى وجود كوادر إعلامية مدربة تدريبا احترافيا جيدا. 

• استغلال كل الوسائل الإعلامية الحديثة والمؤثرة من قنوات فضائية وشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) والسينما والمسرح، وتوظيفها فيما يخدم اهداف ومنطلقات الخطاب الإعلامي العربي وعدم الاقتصار على الصحافة المقروءة فقط.

• الارتقاء بمستوى الخطاب الإعلامي من حيث الرؤية العلمية والبصيرة الثقافية والمنهجية الصحيحة في محتوى الخطاب، وتقديم محتوى ومضمون متقدم قادر على الاقناع والتأثير في عقول وقلوب الجيل الجديد، والابتعاد عن الشعارات البراقة والحماس الجياش.

• التمييز بين الخطاب الموجه الى العرب وبين الخطاب الموجه لغيرهم من الشعوب، فلكل مجتمع خصائصه العقائدية والسياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والاجتماعية، لذا ينبغي ان يكون الأسلوب والأداء كما المضمون والمحتوى يتناسبان مع الجهات الموجه إليها هذا الخطاب.

الخطاب الإعلامي القادر على التأثير أيا كان توجهه هو الإعلام الذي يمتلك عناصر العملية الإعلامية المتكاملة من كوادر بشرية مؤهلة ومتخصصة، وامتلاك المعلوماتية بشكل او آخر وتقديم خطاب علمي ومعرفي. وعندما يمتلك الخطاب الإعلامي العربي هذه المقومات فسيكون قادرا على المنافسة والتأثير ليس في المجتمعات العربية فحسب بل حتى في المجتمعات والأمم الأخرى. ومن الضرورات الملحة ان يعالج الخطاب الإعلامي العربي القضايا المعاصرة برؤية واضحة وعصرية كقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان ومسألة التجديد والعولمة وغير ذلك من القضايا التي تطرأ من حين الى آخر. كما يجب ان يركز الخطاب على قيم الحرية والعدل والمساواة باعتبارها تمثل القيم الرئيسية في جميع الأديان السماوية والوضعية وأساسا لبناء المجتمع المدني.

إن تحسين صورة الانسان العربي في الإعلام الغربي ضرورةقومية ووطنية لن تأتي بسهولة، فلا بد من وضع استراتيجية إعلامية تستطيع إقامة حوار للتأثير على العقلية الغربية بالذات، وانه لا بد من الاقتراب بدل الاغتراب، والاتصال بدل الانفصال، والمشاركة بدل الاعتزال. بهذا وحده تضيق الفجوة وتتفتح العقول والقلوب لسماع ما عندنا، وتشارك حضارتنا العربية من جديد في صنع التاريخ وترشيد مسيرته. 

إيلاف

سبت, 03/08/2019 - 08:22