فيضانات تيندوف تعيد قضية الصحراء للواجهة (مقال)

سبت, 2015-11-07 12:30
أحمد ولد جدو

بين الصحراويون والمعاناة قصة قديمة لها فصول عديدة. وآخر مشاهد  تلك القصة، في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، غضب الطبيعة وزيارة الفيضانات لمخيماتهم في مدينة تندوف الجزائرية، حيث تسببت التساقطات المطرية التي تواصلت على مدى أسبوع في هدم ما يزيد عن 11 ألف منزل ليتحول  نحو 50 ألف لاجئ  الى العراء، من أصل 125 ألفا يسكن أغلبهم بيوتاً مبنية من الطين، بينما يسكن بعضهم في خيام توزع عليهم كل أربع سنوات.. الخيام نزعتها من أرضها الفيضانات، وتسببت الأمطار كذلك في نفوق المواشي وتلف المؤن الغذائية وتهاوي المحلات التجارية المتواضعة وتوقف حركة النقل بين المخيمات وانقطاع شبكة الهاتف وانعدام الإنارة، المعتمِدة بشكل كلي على الطاقة الشمسية.  وذكرت الناشطة والشاعرة الصحراوية النانة رشيد، تدمير دار النشر الوحيدة في المخيمات، وهي دار لامارتان المدارة من طرفها.
ردود أفعال أولية
كرد فعل أولي على الكارثة،  شرعت مفوضية اللاجئين في تقديم المعونات إلى نحو 25 ألف لاجئ صحراوي، وأكدت أن عدد المتضررين مرشح للارتفاع مع استمرار الأمطار. وقام الهلال الأحمر الجزائري بتسيير قافلة إنسانية لمساعدة المتضررين، تضمنت حوالي ألف طن من المساعدات شملت مواداً غذائية وأفرشة وأغطية. وينتقد الصحراويون تجاهل الحكومات العربية لكارثتهم: "التفاعل مع الكارثة كان لافتا، خاصة من بعض الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الدولية وجمعيات الصداقة والتعاون، لكن الملاحظ هو الغياب الفاضح والمخزي لبني جلدتنا، العرب" بحسب الصحافي الصحراوي الراكب عبد الله. حضرت كارثة المخيمات بقوة في نقاشات الموريتانيين على الانترنت وظهرت مطالبات بضرورة مساعدتهم، وأصدر حزب "اتحاد قوى التقدم" بيانا يطالب فيه الحكومة الموريتانية والهيئات الدولية بالتدخل لمساعدة اللاجئين الصحراويين وسكان ولاية" تيرس زمور" الموريتانية التي تضررت بدورها من التساقطات المطرية.
عن المخيمات
تأسست مخيمات تيندوف في الجزائر بعد نزوح الصحراويين من مدنهم، عندما قامت إسبانيا بتقسيم الصحراء الغربية بين موريتانيا والمغرب وفق اتفاق مدريد، الذي رُفض من طرف الصحراويين ممثَلين بجبهة البوليساريو. وتقول النانة رشيد:" المخيمات موجودة بمنطقة تندوف الحدودية بين الصحراء الغربية والجزائر منذ نهاية 1975، بعد دخول القوات المغربية الصحراء الغربية اثر اتفاقية مدريد بين المغرب وأسبانيا وموريتانيا، حيث فر اللاجئون من أرضهم واستقروا أولا في بوادي الصحراء الغربية. لكن ملاحقة النظام المغربي لجيش البوليساريو جعلتهم يقصفون المخيمات في التفاريتي وأم أدريكة. حينها نزحوا مجددا نحو تيندوف ويقطنون فيها حتى يومنا هذا".  المخيمات خمسة، وتمت تسميتها على أسماء المدن الصحراوية "المحتلة" من طرف المغرب، وهي: الداخلة، السمارة، العيون، أوسرد، وبوجدور. ويعتمد اللاجئون الصحراويين في مخيمات تيندوف على المساعدات التي تقدمها الهيئات الدولية. 
الصحراء آخر المستعمرات في افريقيا
بدأت أزمة الصحراء الغربية، آخر المستعمرات في إفريقيا، حين قرر الاستعمار الإسباني الانسحاب منها عام 1975، حيث اعتبر  المغرب أنها جزء منه وطالب الأسبان بها. بدورها،  طالبت موريتانيا بجزء من الصحراء بدعوى أن للسكان تقاليد شبيهة بالتقاليد الموريتانية وأن بينهم روابط  دم، وسبق وأكد الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه في خطاب متعلق بالصحراء، ألقاه 1957(قبل الاستقلال) "أن موريتانيا لا يمكن أن تنهض إلا بجناحيها: الصحراء الغربية وأزواد (شمال مالي حاليا)". لكن أبناء الصحراء كان لهم رأي آخر، فقد أعلنت جبهة البوليساريو في 1976 عن دولة جديدة منفصلة في منطقة الصحراء الغربية، تحمل اسم الجمهورية العربية الصحراوية. وكانت جبهة البوليساريو قد تأسست سنة 1973 كنوع من رد الفعل على مماطلة الأسبان في منح الصحراويين الحق في تقرير مصيرهم. لكن الاحتلال الإسباني لم يستجب لمطالبها وقام بتقسيم الصحراء الغربية بين موريتانيا والمغرب من دون استشارة السكان، وهو ما عرف باتفاقية مدريد الثلاثية، التي حولت المنطقة لمكان نزاع، أطرافه موريتانيا والمغرب و جبهة البوليساريو. لكن موريتانيا قررت في سنة 1979  الخروج من الحرب، حيث وقعت اتفاق سلام مع المغرب، انسحبت بموجبه من الأراضي التي كانت تحت سيطرتها ليحل محلها المغرب.  حدث ذلك بعد صعود العسكر للحكم، عبر انقلابهم على المختار ولد داداه عام 1978.
أصبحت  موريتانيا في موقف الحياد. ولا تزال القضية تنتظر حلا. فالصحراويون  لا يزالون  يحلمون بالعودة لأراضيهم  وينتظرون الاستقلال، و يديرون أمور دولتهم الحلم من خارج أراضيها، وهي المعترف بها من طرف ثمانين دولة  والعضو في الاتحاد الافريقي. و المغرب لا يزال متمسكا بالصحراء، رغم أن محكمة العدل الدولية فندت ادعاءاته بأحقيته فيها. فقد تقدم المغرب بطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى الحكومة الإسبانية في 23 أيلول/سبتمبر 1974 لإحالة ملف الصحراء الغربية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتبدي رأيا استشاريا لتعزيز مطالبته بما يسميه "حقوقه التاريخية على الإقليم"، ووافقت الجمعية العامة على الطلب المغربي، وأحالته على محكمة العدل الدولية التي عقدت 27 جلسة علنية، وأعلنت رأيها الاستشاري في 16 تشرين أول/ أكتوبر1975 مؤكدة "أن جميع الأدلة المادية والمعلومات المقدمة للمحكمة لا تثبت وجود أية روابط قانونية من شأنها التأثير على تطبيق القرار 1514 المتعلق بتصفية الاستعمار ومبدأ تقرير المصير عن طريق التعبير الحر لسكان الإقليم". وتتواجد فى الصحراء الغربية بعثة تابعة للأمم المتحدة منذ 1991 تحت اسم "المينورسو"، وذلك للإشراف على وقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو، الذي دخل حيز التنفيذ في تلك السنة بموجب خطة التسوية الأممية ــ الأفريقية القاضية بتنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي، وحل النزاع بطريقة سلمية وديمقراطية.
واليوم يسيطر المغرب على 80 في المئة من مساحة الصحراء، ويعتبرها جزء أصيلاً من حوزته الترابية، وهناك عازل من الألغام والإسمنت يعزل المناطق الصحراوية تحت السيطرة المغربية والمناطق التي تعتبرها البوليساريو مناطق "محررة".  وتنقسم الصحراء الغربية  لمنطقتين هي الساقية الحمراء شمالا، ووادي الذهب جنوبا، وتبلغ مساحتها 266 ألف كلمتر مربع، ويقدّر عدد الصحراويين  بـنصف مليون نسمة، يقطن أكثر من ربعهم في مخيمات اللاجئين بتندوف.
وعلى الرغم من مرور سنوات عديدة على سيطرة المغرب على جل الصحراء الغربية، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور عدة انتفاضات داخل تلك المدن، مثل، انتفاضة 2005 التي  طالب فيها سكان المدن الصحراوية الواقعة تحت السيطرة المغربية بالاستقلال وانتفاضة" أكديم ايزك" عام 2010 التي جابهها النظام المغربي بالقمع الشديد. وسبق وانتقدت منظمات وهيئات دولية عديدة مثل "هيومن رايتس ووتش" اسلوب المغرب العنيف وانتهاكاته لحقوق الإنسان بحق الصحراويين.
وتعتبر قضية الصحراء أكبر العوائق أمام وجود اتحاد مغاربي فعال، لما تخلفه من حساسيات في المنطقة، وخاصة بين الجزائر التي "تحتضن" الصحراويين ولكنها تستخدم قضيتهم في صراعاتها مع المغرب...

نقلا عن السفير العربي