بلومبرغ: حرب أمريكا والسعودية على التطرف

سبت, 2017-05-27 12:11

صفوف من الرجال يرتدون جلابيب بيضاء وأغطية رأس متطابقة، صامتون يحدقون في شاشات الكمبيوتر بينما يضع دونالد ترامب، والملك السعودي ورئيس مصر أيديهم على الكرة متوهجة.

كان هذا المشهد تكريمًا لمركز جديد في الرياض لمكافحة الأيديولوجيات وراء الإرهاب. من المفترض أن تمكن التكنولوجيا موظفيها من تحديد موقع النشاط المسلح على الإنترنت، في أي مكان في العالم، في غضون ثوان. لكن العديد من المحللين يقولون أن البحث عن جذور التطرف الإسلامي يجب أن يبدأ في الداخل.

عندما بدأ ترامب زيارته إلى المملكة في نهاية الأسبوع، أكد أحد العلماء البارزين أن اليهود هم أعداء المسلمين. ألقى عالم آخر محاضرة أمام 320 ألف متابع على موقع تويتر، حول الأكاذيب التي نشرها الشيعة. فرض المعايير الدينية في المملكة يتجاوز الكلمات؛ ففي عام 2015، جُلِد مدون ليبرالي علنًا ​​بعد انتقاده المؤسسة الدينية. كما سجنت المحاكم المصرية عدة مدونين بتهم مماثلة.

في كلمة ألقاها يوم الأحد في الرياض، حثّ ترامب الدول الإسلامية على القضاء على الإرهاب، و “إرسال أيديولوجيتها الشريرة إلى غياهب النسيان”. كرر الزعماء المسلمون السُنة دعوته، لكن عندما يتعلق الأمر بالتصرف بناءً على ذلك، تبدأ العوائق في الظهور. غالبًا يكون للزعماء مقاصد مشتركة مع مؤسساتهم الدينية الخاصة، التي يمتد دورها إلى ما هو أبعد من المسجد، كما أنها تتيح مساحة ضئيلة للتعبيرات غير العنيفة من المعارضة.

 

مكان حرج:

في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تدين بعض الكتب المدرسية الأديان الأخرى باعتبارها “باطلة”، ويُهاجم رجال الدين علنًا أعضاء الطوائف الإسلامية غير السنية، رغم وجود العديد من الشيعة في البلاد، وخاصة في شرقها الغني بالنفط. أما القيود التي تفرضها المملكة على النساء، اللواتي لا يسمح لهن بقيادة السيارات، تجعلهن خارج العالم، ويجعل المملكة مكانًا حرجًا.

انضم حكام الخليج إلى الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة الجماعات المتطرفة منذ هجمات 11 سبتمبر، التي كان معظم مرتكبيها سعوديين. في حين أن الجهود المبذولة في الغالب شملت إنفاذ القانون المحلي في البداية، أرسل الحكام في السنوات الأخيرة طائرات حربية لقصف الدولة الإسلامية. كما أنفقوا ملايين الدولارات على مؤتمرات؛ لتعزيز الحوار بين الأديان وبرامج لإعادة تأهيل أولئك الذين انضموا إلى الجماعات المسلحة في الخارج.

قال وزير الخارجية عادل الجبير خلال جلسة نقاش الأحد: “لدينا سياسة في السعودية بعدم التسامح مطلقًا مع المتطرفين. إذا كان أحدهم إمامًا في مسجد يحث على الكراهية والعنف، يتم فصله في الحال”.

 

مضيعة للوقت:

قُوضت هذه الجهود بسبب الصراعات الدائرة في سوريا والعراق. يرى المقاتلون الإسلاميون، الذين يقاتلون في تلك الحروب، أنها معركة بين السنة والشيعة. في الخليج، يروج العديد من رجال الدين السائدين لنفس الرأي.

بعد شهر من سقوط الموصل في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في يونيو 2014، أشار تبادل إلكتروني بين هيلاري كلينتون وجون بوديستا، مستشار الرئيس باراك أوباما، إلى الضغط الأمريكي على قطر والمملكة العربية السعودية؛ بسبب دعمهما المالي واللوجستي للمقاتلين المتطرفين، وفقًا لويكيليكس.

في مصر، حيث الانقسام الطائفي أقل من مجرد قضية، واستخدام القوة لقمع السياسات الإسلامية يخلق مجموعة مختلفة من المخاطر. أدت الحملة الدامية التي شنتها جماعة الإخوان المسلمين بعد إطاحة الرئيس محمد مرسي عام 2013، إلى قتل العديد من مؤيديه. أثار ذلك مخاوف التحول إلى العنف الآن، بعيدًا عن صناديق الاقتراع. كثف المسلحون، الذين يدينون بالولاء إلى تنظيم داعش، الهجمات على قوات الأمن، حيث أسقطوا طائرة ركاب روسية فوق سيناء العام الماضي، ويترصدون للأقلية المسيحية في البلاد.

قال شادي حامد، زميل بارز في معهد بروكينغز في واشنطن: “أفضل طريقة لمحاربة التطرف ليست عن طريق مكافحة الأيديولوجية المتطرفة، بل من خلال معالجة العوامل السياسية التي تسمح لها بالاستمرار”. بدون ذلك، “كل التركيز على اللاهوت والدين هو بصراحة مضيعة للوقت”.

 

القيادة الفكرية:

بينما يوافق قادة الخليج على الحاجة إلى تسويات سياسية للصراعات مثل الصراعات في سوريا، يسعون أيضًا إلى مساعدة رجال الدين لتقويض نداء تنظيم داعش، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين، التي ارتبطت بالسياسة الانتخابية أكثر من العنف في السنوات الأخيرة، لكنها وُصفت كجماعة إرهابية في مصر والمملكة العربية السعودية.

في السعودية، يجعل التحالف غير المستقر في بعض الأحيان، بين القادة السياسيين والدينيين، المهمة أكثر صعوبة. في تاريخ يعود إلى القرن الثامن عشر، اتفقت عائلة آل سعود مع العَلم الديني الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي أعطى اسمه إلى العقيدة الوهابية المتقلبة، التي لا تزال سائدة في المملكة.

قال كامران بخاري، زميل في برنامج التطرف بجامعة جورج واشنطن: “بالطبع لا يدعم السعوديون داعش”، مضيفًا أن المشكلة هي أن بعض رجال الدين السعوديين يتنافسون مع الجماعة، من أجل “القيادة الفكرية” للأيديولوجية التي تشجع التطرف.

زاد الحكام السعوديون تحفظًا مقارنة بما مضى، ردًا على التحديات الدينية. بعد حصار المسجد الحرام في مكة المكرمة من قبل المسلحين عام 1979، حُظرت وسائل الترفيه العامة، ومُنح رجال الدين المزيد من السيطرة على المدارس والمحاكم والحياة الاجتماعية.

 

لم نفعل ما يكفي:

يتحرك الزعيم المهيمن في السعودية اليوم، ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في الاتجاه المعاكس. كجزء من خطته لتحويل اقتصاد المملكة، دعا بن سلمان إلى استثمارات أجنبية في صناعة الترفيه.

يأمل بعض السعوديين أن يتبع ذلك تغييرًا في الكتب المدرسية. قال حسن المالكي، عالم إسلامي سعودي معتدل، في مقابلة معه، إن مدارس المملكة “تضررت أكثر من إصلاحها. تغيير المناهج الدراسية أمر لا بد منه”. وزارة التعليم لم تستجب على الفور لطلب التعليق.

ليس مركز الرياض أول محاولة من السعوديين لمكافحة الجهادية على الإنترنت، لكن البرنامج يتمتع بدعم أمريكي متجدد تحت إدارة ترامب. يقول المسؤولون الأمريكيون إنه يمكن تكراره في أماكن أخرى، كما قال وزير الخارجية ريكس تيلرسون للصحفيين الأربعاء: “نأمل أن ننقل ما نتعلمه هناك إلى أفريقيا. هذا هو حقًا مركز امتياز سنقوم بتطويره”.

قال وزير خارجية حليف آخر مُقرب للولايات المتحدة إن القادة يعالجون مشكلة تجاهلوها. فيما قال الشيخ عبد الله بن زايد في مؤتمر صحفي: “الإرهاب زاد بسبب الأساليب التي استخدمناها لمكافحة الإرهاب، والتي لم تكن كافية”. أضاف: “لم نفعل ما يكفي لمحاربة الأيديولوجية”.

 

المصدر: بلومبرغ