زعزعة الاستقرار.. استراتيجية روسيا المفضلة

أربعاء, 2017-05-31 10:54

قام الاتحاد السوفيتي منذ نشأته بحملات هدفها تحييد أعدائه المحتملين، وزعزعة استقرار بلادهم. بعد الثورة الفرنسية، أسس لينن المنظمة الدولية الثالثة؛ لدعم الأحزاب الشيوعية حول العالم. كما أجرت المخابرات السوفيتية حملات تضليل تهدف إلى تقويض الحكومات، وتشويه سمعة الشخصيات البارزة.

بعد الحرب العالمية الثانية، تزايدت حدة الحملات، حيث ادعى الاتحاد السوفيتي أن أمريكا كانت تستخدم الأسلحة الجرثومية أثناء الحرب الكورية، واستخدم الحركات العالمية ضد حرب أمريكا في فيتنام؛ لتجنيد العملاء المحتملين وزعزعة استقرار التحالف الذي تقوده أمريكا.

خلال السبعينات، دعم الاتحاد السوفيتي منظمات إرهابية أوروبية من إيطاليا وألمانيا، وقادوا حملات اغتيالات واختطاف وتفجيرات وغيرها. من الناحية الأخرى، بدأت أمريكا حملاتها الخاصة التي كانت تهدف إلى إضعاف الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه.

منذ بداية الحرب الباردة، استخدمت أمريكا مهاجرين من الكتلة السوفيتية، في محاولة لإثارة الانتفاضات في الشرق، وبثت دعاية موالية للغرب. فيما دعمت أمريكا العديد من الجماعات التي رغبت في الهروب من الاتحاد السوفيتي.

بعد انتهاء الحرب الباردة، دعمت أمريكا الحركات الديموقراطية وحركات حقوق الإنسان في الجمهوريات السوفيتية السابقة. اعتقد الروس أن هدف أمريكا الحقيقي هو وضع حكومات موالية لأمريكا في الجمهوريات القريبة منها، وإحاطة روسيا بدول معادية تدعمها أمريكا بأسلحة، ولا تعارض إنشاء أمريكا لقواعد عسكرية بها.

جاءت نقطة انهيار الروس في 2004، من خلال الثورة البرتقالية في أوكرانيا، التي كانت روسيا تقدر أهميتها لدروها كدولة عازلة، وكانوا يرون أن المصلحة الوحيدة التي تملكها أمريكا في أوكرانيا هي جعل موقف روسيا لا يمكن الدفاع عنه.

تكتيكات حقيقية ومجربة

الآن، بدأت روسيا، بقيادة بوتين وعدد من الأشخاص الذين تواجدوا في المخابرات السوفيتية، في زيادة جهود زعزعة الاستقرار حول العالم.

رغم أن هذه الأيدولوجية كانت جديدة، إلا أن الاستراتيجية كانت تعتمد على مبدأ أنه كلما زاد الانشقاق في دولة ما ستضعف، وهو ما سيؤدي إلى زيادة أمان روسيا. بالتالي كانت محاولات إعادة تشكيل دول أخرى، من خلال التركيز على التضليل والمساعدات المالية للأحزاب اليمينية، منطقية وخاصة بعد هبوط أسعار النفط وانعدام الأمن في روسيا.

اعتمدت روسيا على زرع عدم الثقة، وكان عاملًا هامًا لها في حملاتها، حيث سمحت بتسريبات تشير أنها كانت منخرطة في العديد من الأمور، وهو ما كان مقصودًا لزرع الشك بشأن من تحالف معها ومن لم يفعل، وهو ما مَثل سلاحًا كبيرًا لها، حيث إن اتجاه الأنظار لها في الكثير من الأمور، حتى إن لم تشارك بالفعل، جعلها تحقق غايتها، بالتالي فانعدام الثقة في حد ذاته يعتبر انتصارًا لها.

من أشهر الأمثلة على ذلك التشكيك في وجود روابط بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وروسيا، وهو ما لا يهم روسيا، بقدر اهتمامها بأنها – من خلال إثارة هذه الاحتمالات -استطاعت زعزعة استقرار النظام.

وهم القوة

تكمن الأزمة في هذه الاستراتيجية، أنه عندما حاول السوفييت تجربتها فشلوا، أو بمعنى أدق حققت النتائج المرجوة، لكن قوة السوفييت تم دعمها بشكل قليل، ولم تتأثر المسائل الاستراتيجية الكبرى بهذه النتائج. في الحرب العالمية الثانية، استطاع هتلر أولًا تدمير كل هذه العمليات في الأيام الأولى لنظامه، وثانيًا فشلت الاستخبارات السوفيتية في التنبؤ بالغزو القادم.

خلال الحرب الباردة، ورغم النجاح الحقيقي في حملاتها لزعزعة الاستقرار، إلا أن الاتحاد السوفيتي هو من سقط وليست أمريكا. كان السبب بسيطًا، حيث أن استخدام هذه التكيتيكات لمساعدة القوة الحقيقية يمكن أن يُفيد، لكن استخدامها كبديل عن القوة الحقيقية غير كافٍ بشكل كامل.

كانت الدعايا السوفيتية ناجحة قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تمنع اندلاع الحرب، ولم تكن هامة في فوز الحلفاء، الذين اعتمدوا بشكل أكبر على أدوات قوية مثل الدبابات والطائرات.

بالمثل، كانت جهود الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة ناجحة، إلا أنها لم تهم، حيث جعلت استراتيجية الإحتواء الأمريكية استراتيجيات السوفييت في وضع دفاع بشكل مستمر. انهار الاتحاد السوفيتي بسبب عدم استطاعة هيكله واقتصاده الحفاظ على نفسه، ولم تستطع أي جماعة إرهابية أوروبية تغيير ذلك.

يميل الروس إلى تعزيز عملياتهم السرية، التي تم تصميمها لزعزعة الاستقرار، كبديل للقوة الحقيقية، في حين تستخدمه أمريكا كعامل مساعد لقوتها. ظهر ذلك في أوكرانيا، حيث تواجه روسيا ضعف اقتصادي وتزايد قوة أمريكا في غربها. لم تستطع موسكو القيام بأي شىء لتغيير الوضع في أوكرانيا، وبدلًا من ذلك، لجأت إلى جهود سرية لزعزعة استقرار أوروبا وأمريكا.

يشعر قادة روسيا الآن، والذين حققوا نجاحات تكتيكية في الحرب الباردة، بالراحة تجاه هذا التكتيك، لكنهم نسوا أن نجاح هذه الاستراتيجية أثبت من قبل أنه وهمي، إذا استُخدمت بشكل أساسي، حيث يمكن استخدامها للتشويش وتضييع الوقت، إلا أنها لا تغيّر الحقائق الأساسية الخاصة بالقوة. في النهاية، لا يمكن تعويض القوة الاقتصادية والعسكرية عن طريق التلاعب.

 

المصدر:  جيوبوليتكال فيوتشر