مدرسة إعادة خلق الثروة
في 5 نوفمبر الماضي قام الرئيس محمد ولد عبد العزيز رئيس الاتحاد الإفريقي حينها بزيارة مفاجئة لمدرسة المرابطون الابتدائية في تفرغ زينه الواقعة قبالة فندق اطفيله. زيارة مفاجئة خصوصا بالنسبة للسيدة التي تدير تلك المؤسسة العمومية والتي كانت تنتظر كل شيء إلا زيارة بهذا المستوى، رئيس الجمهورية ومدير ديوانه ووزير التهذيب ووزير الإسكان.
ولك أن تتصور حجم الدهشة والانبهار والحرج التي حلت بمديرة المدرسة الصغيرة والتي تفوق ما يمكن أن يتخيله المرء. كان الرجل مستعجلا، والسيدة محاصرة بكم من الأسئلة والطلبات ولا تدري بم تجيب. لكن رأس الرئيس كانت تدور به فكرتان. أولاهما فكرة الشعبوية لأولئك الذين ما زالوا مقتنعين بها، وفكرة أخرى خاصة وشخصية لا علاقة لها إطلاقا بالجمهورية.
كان هذا ديدن الرئيس منذ وصوله إلى منصبه، ففي كل نشاط رئاسي لديه دائما غرضان مختلفان بل وحتى متناقضتان. أحدهما ذلك الغرض الرسمي الذي يتكرر في وسائل الإعلام الرسمية، كرئيس قريب من شعبه. أما الأخرى فالله وحده ثم الرئيس هو من يدرى عنها شيئا.
سأل الرئيس: ما الذي ينقصكم، أجابت المديرة: الطاولات، الطاولات فقط، وهي تحاول اللحاق بالرئيس الذي كان يذرع المكان بخطوات مِتْرِيَّة، كان يقيس المكان بعينيه ويحسب في رأسه الطول في العرض. بل إنه قفز على المنصة الإسمنتية، ليعود من التيه الروحي ليُشْهِد مرافقيْه من التهذيب والإسكان أن هذا الجزء من المدرسة رطب ويفرز الأملاح. وهي جملة تهدف لإدانة الجزء الشرقي من المدرسة وهو الجزء الملاصق للشارع قبالة الفندق وعلى مرأى من وسط العاصمة. وعلى الرغم من حجج الرئيس الخاصة بملوحته ورطوبته فإن فيه فرصة تجارية تُسِيل اللعاب الجمهوري.
كانت السيدة تكاد تركض خلف رئيس قارة بأكلمها وبلد بأكمله، هاجسه هو التملك في خطواته الروحية والحسابية، فالجزء الشرقي أفضل من أن يكون مجرد مدرسة حقيرة، قبالة مركز تجاري في موقع هام وبنك يقع على تقاطع رئيسي. على الجزء الغربي أن يستقبل الجزء الشرقي، أو ليس الغرب دائما يستقبل الشرق؟ يمكن أن نقوم ببناء فصول وقاعات إضافية وأن نُنَمِّيَ المدرسة مقابل الحصول على قطعة أرضية ذات إمكانات تجارية هائلة.
البطولة والجبن.. إنها مسألة ملمتر واحد
في خبر ساقته الوكالة الموريتانية للأنباء الذراع الإعلامية للحكومة والشاهد المعروف على أغلب الزيارات المفاجئة للمواطن الأول جاء ما يلى: 'كما قام رئيس الجمهورية بعد ذلك بزيارة لتوسعة وترميم مدرسة المرابطون تفرغ زينه بمبلغ مالي يناهز تسعين مليون أوقية على نفقة الدولة وتضم التوسعة ثمانية فصول دراسية وحائط ومرافق عمومية. وتشرف على التوسعة شركة آمكستيب التابعة لوزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي في فترة لا تتجاوز سبعة أشهر.'
لقد كانوا أقوياء في الوكالة الموريتانية للأنباء حين أطلقوا عليها توسعة. صحيح، هي توسعة ولكن في الارتفاع، مع اختصار أو ضغط في العرض. لم يعد هناك فصول بالمستوى التعليمي مفتوحة على فناء. ذلك الفناء المشهور، الأسطوري، الذي هو جزء من المدرسة، وجزء من التعليم بل يمارس من خلاله.
إن مدرسة بدون فناء هي مدرسة هزيلة، لا يمكن فيها أن تتم تنشئة اجتماعية صالحة للأطفال يأكلون معا ويبنون الروابط بينهم. وإننا بهذا التصرف لا ندري أي فاتورة ثقيلة سندفع في المستقبل، ففناء المدرسة هو مدرسة مصغرة. مدرسة كما يجب، تحترِم وتُحتَرَم خصوصا من قبل السلطات العليا والدنيا.
عملية الهدم-البناء مستمرة (كما في الصورة) في عز سنة دراسية. غبار شكائر الاسمنت يملأ الفضاء وقضبان الحديد حاضرة رغم أنها ودية أكثر من المسامير الحادة للغاية، بالإضافة إلى تلال من التراب والحجارة أبعد ما تكون عن التربوية وبناءون وعمالون يتحركون جيئة وذهابا فوق رؤوس المدرسين والأطفال خلال الحصص التعليمية.
قال ولد عبد العزيز إن سنة 2015 ستكون سنة التعليم. والتعليم بالنسبة لولد عبد العزيز –بكل بساطة- هو أن تقسم مدرسة مَّا نصفين وتركِّب الفصول فوق بعضها، وتمنح النصف الآخر لأنه رطب ومالح للاستغلال التجاري. بهذا بدأت سنة التعليم وبه ستنتهى.
مدرسة مضغوطة. ومعلمة تجارية تطل على فندق فخم وشارع فخم ورجال ونساء مترفين سيأتون في الفصل القادم يرمون رزم النقود في الشارع. المدرسة هكذا. هي هكذا خصوصا بالنسبة لمن وعد بجعل سنة 2015 سنة للتهذيب أو التعليم.
في هذه الأرض التي تحمل كل أشكال الاعتلال لن تكون هناك فصول تُعَلّم أو تبني رجال ونساء الغد. فلمن ستعود إذن؟ بالقطع ليس لوزارة التهذيب أو الإسكان، بل لشخص محظوظ جدا، تحرك زعيم هذه الأمة بنفسه من أجل منحه هذا المنجم من مناجم الثراء. لقد مكّنه من جزء من مدرسة عمومية في شوط من أشواط إعادة التشكيل والسباق نحو الثروة.
نستذكر هنا مشهدا من رواية الكاتب الروائي الإيطالي أنتونيو تابوكشي "تريستانو يموت" حيث تتجاور البطولة والجبن. فهنا رئيس واقف يكاد يقفز من الفرح في مدرسة عمومية لكي يُظْهِر-في الصورة الإعلامية- أننا في سنة تقديس المدرسة. لكن على بعد مليمتر واحد يتحول الفرح فرحين: فرح بتوسعة مدرسة لخدمة الصالح العام وفي الجانب الآخر عملية توسعة للثروة الشخصية.
ترجمة الصحراء
لمطالعة الأصل اضغط هنا