خلف خيمتنا المغاربية كلب تدلى لسانه من شدة السعر

اثنين, 2015-05-11 04:29
الكاتب المغربي لحسن الجيت

هل هي لعنة أم قدر ابتلي به العالم الإسلامي، ذلك أنه في كل منطقة من مناطقه توجد دولة مارقة، ففي الخليج هناك دولة الملاليين، وفي المشرق دولة البعثيين، و في المغرب الكبير دولة العسكريين. القاسم المشترك لهذه الأنظمة هو استهداف الاستقرار الإقليمي تمهيدا لوضع اليد بحثا عن الحلم، حلم الزعامة المفقودة. فهو نهج يعاكس مجرى تاريخ الشعوب، بل وفاقد لبوصلة المستقبل المرشدة للوحدة والتوحد في بقية العوالم التي تريد لنفسها مكانا محترما بين الأمم.

ومن سوء الطالع، فإن منطقتنا المغاربية لم تسلم من هذا الوباء. فهناك من هو مصاب بداء الكلب يلهث يمنة ويسرة إلى أن تسربل بلعابه: إنه النظام الجزائري. فهو اليوم كما هو في الماضي لا يتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة ولا يبالي بسيادتها . فما حدث مؤخرا مع الشقيقة موريتانيا يشير بما لا يدع مجالا للشك أن حكام الجزائر كان همهم دائما أن يجعلوا من هذا البلد قطرا خاضعا لسلطة نفوذهم وأن يأتمر بأوامرهم من دون مراعاة لأبسط قواعد حسن الجوار، ولا لمبادئ القوانين والعلاقات الدولية القائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

1 ـ إن قضية طرد الدبلوماسي الجزائري مؤخرا من طرف السلطات الموريتانية، وهي محقة في ذلك، ما هي إلا تلك النقطة التي أفاضت الماء عن الكوب. فالاستفزازات الجزائرية الأخيرة داخل التراب الموريتاني وعلى حدوده بلغت شأوها، وطفح الكيل بالأشقاء في نواكشوط.

وتورط هذا الدبلوماسي الجزائري في التحريض إعلاميا من داخل موريتانيا بنية الإيقاع بين الرباط ونواكشوط، يعد نشاطا عدوانيا ضد موريتانيا قبل المغرب، وغير مرغوب فيه وكونه يتناقض مع المهام النبيلة والأخلاق المهنية التي ينبغي أن يتحلى بها الدبلوماسي كضيف في بلد الاعتماد، وينأى بنفسه دون التدخل في شؤونها الداخلية أو الإخلال بنظامها العام. وما دام أنه لم يراع تلك المبادئ فهو بكل تأكيد عنصر من عناصر المخابرات الجزائرية التي لا تتفتق قريحتها إلا على المكائد والدسائس. وهذا ليس غريبا عن بلقاسم الشرواطي، المطرود، فهو مسؤول استخباراتي جزائري تخفى في صورة دبلوماسي، وهو معروف عنه بالتجسس وفي الدسائس والمكائد، كما يعد من ألد الأعداء لبلادنا.

وإن القرار الموريتاني ، الذي بني على خروقات سافرة للدبلوماسي الجزائري وتصرفاته المخلة بسيادة الدولة المضيفة، ليعد قرارا قانونيا ومبررا . وهو قرار يتماشى مع مقتضيات المادة التاسعة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بين الدول الموقعة بتاريخ 18 أبريل 1961، حيث تنص على أن :"للدولة المعتمد لديها في أي وقت أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس بعثتها أو أي عضو من أعضائها الدبلوماسيين أصبح شخصا غير مقبول أو أي عضو من أعضاء بعثتها غير الدبلوماسيين أصبح غير مرغوب فيه".

وإذا كان القرار الموريتاني بالطرد له ما يعززه على أرض الواقع وله مشروعيته مما يتعين معه اعتبار الدبلوماسي المزعوم شخصا غير مرغوب فيه PERSONA NON GRATA ، فإن الرد الجزائري والفوري بطرد دبلوماسي موريتاني ، في المقابل، جاء كيديا وخاليا من أي تبرير. وأن ما حدا بالقيادة الجزائرية إلى الإقدام على هذا التصرف لا يخرج عن نطاق كبريائها المغشوش ونظرتها الدونية لبلد كموريتانيا. وفي فهمهم المتعجرف، يستغرب الحكام الجزائريون أنه كيف يحق للساسة الموريتانيين أن يتجرؤوا ويسمحوا لأنفسهم بأن يتطاولوا ويتخذوا قرارا في حق الجزائر. وبلا شك فهي تلك غطرسة المتشبعين بعقلية الثكنات وبسياسة فرض الحجر على بلد مجاور، كما فعل نظام الأسد مع لبنان وكما أراد أن يفعل نظام صدام مع دولة الكويت الشقيقة.

2ـ إن المثير للاشمئزاز في الرد الجزائري هو النبرة الفوقية والمتعالية التي طبعت البيان الصادر بمناسبة طرد الدبلوماسي الموريتاني ، وهو رد تضمن عبارات المن على موريتانيا كبلد "ناكر للجميل" INGRAT . فأية علاقات ثنائية هذه التي تتحدث عنها القيادة الجزائرية وتريد أن تجعل من موريتانيا دولة تابعة لها. ثم ما هو هذا الجميل الذي يتحدث عنه النظام الجزائري إن لم يكن في سلسلة من التدخلات السافرة في ما شهده هذا البلد الشقيق من انقلابات عسكرية كانت من ورائها المخابرات الجزائرية، ومن انتخابات رئاسية حاول النظام الجزائري التدخل في مجرياتها. وأي جميل هذا في الوقت الذي لا تتوانى فيه القيادة العسكرية الجزائرية من جعل الحدود الواسعة مع موريتانيا موضع عبث وخروقات بتسخير مرتزقتها البوليساريو في تجاوز الحدود والمرح كالأرانب البرية فوق التراب الموريتاني إلى حدود العاصمة نواكشوط.

هكذا يريدون موريتانيا وهكذا يريدونها أن تظل سجينة للنظرة الجزائرية، وأن تبقى خزانا لكل القنابل الموقوتة على أن يحتفظ بها إلى حين لحظة استخدامها ضد المغرب. وليس ذلك فحسب، بل يريدون جعلها مرتعا للسوق السوداء وممرا للإرهابيين وللمتاجرة في السلاح وكل أنواع الحشيش والمخدرات، ومكانا للإثراء من خلال تهريب المساعدات الإنسانية الموجهة إلى مخيمات تيندوف والتي تباع في أكبر الأسواق الموريتانية كسوق ازويرات الخارج عن السيطرة إلا من سيطرة الجزائريين ومن مرتزقة البوليساريو.

وإذا كان النظام الجزائري يقصد بمنه لموريتانيا وقوفه إلى جانب استقلالها وبعض الفتات من المساعدات المقدمة لهذا البلد، فهو واهم إن اعتقد أن ذلك قد يعطيه الحق في مصادرة القرار السيادي للأشقاء الموريتانيين. فهذا الشعب بإبائه وشموخه وكبريائه الصحراوي يرفض أيا كان أن يمرغ كرامته وأن ينتزع منه حقه في الوجود ككيان مستقل .

3 ـ الأزمة الدبلوماسية الحالية بين البلدين هي في اقع الأمر أزمة نهج سياسي يريد النظام الجزائري فرضه على الشقيقة موريتانيا بتبنيها لسياسة معادية للمغرب، وخاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية . وهو بذلك يريد من نواكشوط موقفا مؤيدا للأطروحة الجزائرية أو على الأقل الالتزام بما يسمى بالحياد الإيجابي أي عدم الاصطفاف إلى جانب الأطروحة المغربية.

تأتي هذه الأزمة الدبلوماسية في ظل وجود مؤشرات إيجابية على مستوى تحسين العلاقات المغربية الموريتانية والمتمثلة في عودة الدفئ إلى هذه العلاقات من خلال الزيارات المتبادلة أبرزها زيارة وزير داخلية موريتانيا للمغرب والتي توجت بالتوقيع على اتفاق تعاون أمني في شهر أكتوبر المنصرم. ولذلك، فإن هذه الديناميكية في العلاقات والتي قد تتعزز بزيارة مرتقبة لجلالة الملك محمد السادس إلى موريتانيا ، لا يمكن أن ينظر إليها الحكام الجزائريون إلا بعدم الرضى واعتبارها عصيانا وتمردا موريتانيا على السياسة الجزائرية وخروجا عن بيت الطاعة.

4 ـ الوهم المستشري في القيادة الجزائرية جعلها دائما تعتقد بأن شراء الذمم قد يطلق يدها الطولى في صنع الأحداث في موريتانيا، بنية استخدامها يمنة ويسرة في مساومة المغرب . وفي هذا الصدد، يطرح التساؤل الكبير ما إذا الدعم المحسوب الذي قدمه النظام الجزائري لنواكشوط أكان من باب المبادئ والمثل العليا التي يتشدق بها أم من باب مصالحه الإقليمية الضيقة. فالكيانات لا تنشأ ،بعد بلقنة المنطقة، لكي يتم التحكم فيها من خلف الستار وتسخيرها لخدمة أجندة دولة ترى في نفسها الآمر والناهي في المنطقة والباقي لا يعدو أن يكون سوى "كراكيز". فأرض شنقيط الضاربة في عمق التاريخ وكبلاد شد الرحال إليها من المرابطين والأتقياء من حفظة القرآن ورجال الموعظة والحكمة، عصية على أن تكون أداة طيعة في يد حكام لدولة لقيطة لا تاريخ لها وأن شهادة ميلادها حررها الاستعمار الفرنسي بعد أن لملمها لما يزيد عن مائة سنة، 1845 – 1956، وجعل منها دولة القطع المجمعة ETAT PUZZLE. وقد جمعت بكل المقاييس الاستعمارية المجحفة من قطع أرضية اجتزأت من الدول المجاورة، وكنظام سياسي أفرزته جبهة التحرير الوطنية تشكلت لاحقا على وهنها مجموعات: مجموعة الغرب ومجموعة الشرق ومجموعة وجدة ومجموعة تلمسان .

ولست بصدد القيام بوصف كريكاتوري، بل هو وصف لحالة كما هي على أرض الواقع. وحينما أقول إن الجزائر ولدت من رحم المستعمر فلأن الحكام الجزائريين أنفسهم أقروا بهذه الوضعية وعلى رأسهم الرئيس الأسبق أحمد بن بلا الذي صرح بتاريخ 12 دجنبر 1963 "بأن حدود الجزائر هي تلك الحدود التي خلفها الاستعمار" وهو ما يعني أن الجزائر لا تعدو أن تكون سوى"دولة عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار" ETAT DE L INTANGIBILTE DES FRONTIERES . فلربما هذه العقدة، عقدة الكيان والهوية وعقدة التاريخ هي التي تسكن اليوم في نفوس الحكام الجزائريين وهي التي تجعلهم ينزعون نحو التملك والغلظة والتسلط. ومن هنا تبقى أهمية استحضار الجانب السيكولوجي لفهم السلوك السياسي لحكام الجزائر. فهو علم يدرس في كبريات الجامعات العالمية .

5 ـ ما تقوم به اليوم القيادة الجزائرية من محاولات لتطويع موريتانيا من دون أي اعتبار لسيادتها وكيانها في الوجود لدليل قاطع أن ما يختمر في ذهن هذه القيادة ينزع نحو اعتبار أن مثل هذه الكيانات في اعتقادها هي كيانات ينبغي أن تكون شكلية ومسخرة للنظرة التوسعية واستخدامها كأدوات للمساومة وخنق المغرب.

لعل ما يحدث حاليا مع موريتانيا يشير إلينا بأن نفس النهج المكيافيلي تنوي القيادة الجزائرية اتباعه فيما تخطط له من كيان وهمي تريده أن يكون "جمهورية صحراوية" جنوب المغرب. وهذه حقيقة يجب على وجهاء وشيوخ القبائل الصحراوية ،وبما في ذلك قيادات البوليساريو التي لم تعلن بعد التوبة، أن يستحضروها من الآن. وأن فضل هذا النظام عليهم في الاستضافة وفي الدعم لن يمر من دون مقابل، والمقابل هو التبعية وفرض الوصاية والقضاء على الشخصية الصحراوية بمحو كيانها.

6 ـ العنجهية الجزائرية ليس لها حدود لا في المكان ولا في الزمان. فنفس النهج المتسلط والمخل بالأعراف الدبلوماسية مارسته كذلك مع المغرب. ففي عام 2009 تمكن المغرب من الكشف عن شبكة من التجسس كانت من ورائها المخابرات الجزائرية التي استقطبت امرأة دبلوماسية سويدية معتمدة في الرباط. هذه الدبلوماسية التي كانت على علاقة مشبوهة مع أطراف معادية للمغرب، قامت بتسريب وثيقة رسمية وسرية لجهات مرتبطة بالجزائر كانت الخارجية المغربية قد سلمتها إلى سفارة السويد بالرباط في موضوع مستجدات قضيتنا الوطنية. وقد ترتب عن هذا السلوك المخالف للأعراف الدبلوماسية اتخاذ القرار بالطرد الفوري لمستشارة السفارة السويدية بتاريخ 05 نونبر 2009.

فخطة الجزائر في تعاطيها مع المغرب تختلف عن تلك المتبعة مع موريتانيا الشقيقة. فالمغرب يضعه حكام الجزائر في دائرة استهدافهم، بينما موريتانيا يريدون تسخيرها كأداة من بين أدوات أخرى تصوب فيها الفوهة في اتجاه المغرب. ولأنه بلد عريق وله مقومات دولة عتيدة تستند على شرعية تاريخية، يبقى المغرب لا مندوحة عنه في المنظومة المغاربية. ولذلك لن يغمض جفن للقيادة الجزائرية ما لم تكسر شوكة هذا المغرب، ولن يتأتى لها ذلك. وما يزيد الحكام الجزائريين غيضا وهو أن المغرب في معركته هذه كطائر الفنيق ينبعث كل مرة من رماده ليشتد عوده ويتقوى في مواجهة الأطماع الجزائرية ويحبط أحلامها في التوسع والهيمنة على دول المنطقة.

وكان على النظام الجزائري أن يختار أيسر السبل بالاهتداء إلى الخيار الأسلم وهو خيار الوحدة المغاربية القائمة على التراضي والاحترام المتبادل للكيانات المكونة له والتي ينبغي أن ينظر فيها لموريتانيا وغيرها كدول قائمة الذات. فبناء هذه الوحدة لا يمكن أن يتحقق مع نظام يرفض الإقرار ببقية الدول كشركاء و ككيانات ذات سيادة والاعتراف بحقها في الوجود. فاحذروا أن وراء الخيمة المغاربية كلب غدار مسعور.