موغابي.. مسار بين التحرر والاستبداد

Mahfoud Saleck

في كلمة بثها التلفزيون الرسمي لزيمبابوي، أعلن رئيس البلاد إميرسون مناغاغوا منح صفة "بطل وطني" للرئيس الراحل روبيروت موغابي، عن عمر 95 سنة، أمضى 37 منها في رئاسة البلاد.
روبيرت غبرييل موغابي رأى النور في 21 فبرابر عام 1924 بمدينة كوتاما، في زيمبابوي حاليا، "روديسيا الجنوبية" سابقا، ينحدر من أسرة مهاجرة من جمهورية مالاوي، افترق والداه وعمره يناهز 10 سنوات، ونشأ بعد ذلك في بعثة كاثوليكية يسوعية.
بين جامعات جنوب إفريقيا وبريطانيا، حصل معتنق التوجه الماركسي اللينيني، على شهادات في الاقتصاد، والقانون، والتربية، وزاول مهنة التدريس في زامبيا، بعدها غادر إلى غانا، ومنها تزوج بزوجته الأولى "سالي" عام 1961، وقد توفيت 3 عقود بعد زواجهما، بسبب السرطان.
لم يطل المقام بموغابي كثيرا في صفوف "اتحاد شعب زيمبابوي الإفريقي"، والذي يختصر باسم "زابو"، وكانت تغلب على معظم مناضليه عرقية "إينديبيلي"، فخرج منه، وأسس حزب "الاتحاد الوطني الإفريقي بزيمبابوي"، ويعرف اختصارا ب"زانو"، لم يبذل كبير جهد في اسمه، وشكل حاضنة لمجموعته العرقية "الشونا".
خاض موغابي حرب عصابات على نظام أيان سميث، وشكلت دولة موزمبيق منطلقا لذلك، ركن إلى السلم لاحقا، وشارك حزبه في انتخابات 1980، بعد عودته إلى البلاد، فحصل على أغلبية المقاعد، وتولى هو على إثر ذلك منصب رئيس للوزراء.
ما كان سيكون بذرة للديمقراطية في المستعمرة السابقة لبريطانيا، وأده موغابي لاحقا، حيث انتخب رئيسا للجمهورية عام 1987، وظل ينتخب ويعاد انتخابه، حتى ظن أن كرسي الرئاسة ما وجد إلا له، انتخب سابع مرة عام 2013، وكان يطمح لأن ينتخب للمرة الثامنة، لولا أن الجيش عزله 2017، عاما قبل انتهاء ولايته.
طرد من كان ينظر إليه في زيمبابوي وخارجها، كمحرر، وزعيم قومي، المزارعين البيض من أراضيهم لمصلحة المزارعين السود، وكان من نتائج ذلك، انهيار الإنتاج الزراعي، ولم تنهض البلاد من ذلك التعثر إلى اليوم.
قاد موغابي البلاد خلال عقود حكمه إلى حافة الإفلاس، ودخلت أزمة اقتصادية خانقة، لم تجد معها شهادته الجامعية في المجال الاقتصادي، فنأى عنها المستثمرون، وقطعت عنها الدول الغربية المساعدات، وضربت عليها حصارا.
تلطخت يدا روبيرت موغابي بقمع معارضيه، وكان الرئيس الحالي في مرحلة من المراحل "يده التي يبطش بها"، وعلى مدى عقود حكمه تفشى ثالوث الفقر والمرض والأمية في بلاد "الفحم" و"الذهب".
ظل الرصيد النضالي لموغابي يتآكل، مع تشبثه بكرسي الرئاسة، دون فتح الباب أمام التناوب على السلطة، ولم يجد في ذلك تقدمه في السن، فقد ظل يقاوم وهن العظم، كما يقاوم النعاس في القمم والمؤتمرات، لكنه في النهاية ينام.
قال لمواطني بلده قبل إعادة انتخابه 2013، إن سنوات عمره ال89 حينها "لا تعني شيئا"، وإن "لديه أفكارا" على الشعب الزيمبابوي أن يقبلها، فأثار ذلك تندرا وسخرية، زادت مساحتهما لاحقا، حينما ألقى في افتتاح الدورة البرلمانية 2015، نفس الخطاب الذي ألقى العام السابق.
ظل موغابي متشبثا بالحكم، ووعد ذات مرة بأنه سيحتفل بعيد ميلاده ال100 وهو في السلطة، قبل أن يعزله العسكر، ويدركه الموت لاحقا، رغم علاجات مستشفيات سنغفورة، التي تتالت زياراته لها خلال الفترة الأخيرة.

خميس, 12/09/2019 - 15:03