رسالة تملق متأخرة!

Khaled Elvadhel

إلى عزيز:
طيلة أحد عشر عاما كنت سيد القوم. طأطأوا رؤوسهم جميعا في حضورك الأسطوري. تدافعوا جميعا من أجل مصافحة رؤوس أصابعك. كتبوا القصائد والمقالات في تضخيمك رغم أنك قلت لهم بكل وضوح؛ بأنك تفضل عالم الميكانيكا على عالم المجاز. رأيناهم يتصببون عرقا كلما وقفوا أمامك ليتحدثوا. قالوا بأنك تسربت من المدرسة ولم تحصل على شهادة الباكلوريا؛ بيد أننا رأينا الدكاترة يتلعثمون كلما وقفوا أمامك. ركضوا من أقاصي الشتائم والمعارضة وشربوا الشاي بالياسمين ولم يقولوا الحمد لله الذي رزقنا هذا التعيين اللذيذ. لطالما عارضوك بكل أنواع العنف اللفظي بعد التجريد، ثم مدحوك بكل أنواع التطبيل بعد التكليف أو الترويض، إلا من رحم ربك..
مشيت بين جموعهم بقميصك المخطط ونظارتك السوداء فركضوا خلفك بقناعاتهم المخططة. كان غبار المبادرات والتصفيق يلون وجوههم وكرامتهم دون أن يشعروا بأي إحراج وهم يطعمون أطفالهم صباحا فطورا جمعوا ثمنه من التملق والتزلف.
استيقظت في أحد صباحات أغسطس بعد بزوغ الشمس ثم وضعت ركبتك أمام صناديق الاقتراع دون أن يتكلم أي نائب موالي عن احترام الدستور والمؤسسات. تجمهروا أمامك تحت لهيب الشمس الحارقة وفي صباحات الشتاء الباردة وصببت على رؤوسهم الهوان. جعلت النخبة مثل رقعة شطرنج؛ وكنت تحركهم، وتخرجهم وتدخلهم، كأنك تلعب مع نفسك فقط، ولم ينهضوا إلا عندما قال صديقك كش ملك، لقد أتعبت كل الخصوم والمطبلين وأنت داخل القصر الرمادي بصمتهم، وخارجه بتناقضهم.
سخروا من لغتك بعد الانقلاب الأسود على الديمقراطية في لقاء مع محمد كريشان ثم رأيناهم بعد ذلك يرهقون اللغة من أجل شرح مضامين خطاباتك، كأنك كنت تتحدث إلى الشعب الذي ترتفع فيه نسب الأمية؛ بخيال محمود درويش أو بدر شاكر السياب؛ بعثرت ثرواتنا في وضح النهار دون أن يحركوا نصيحة وعندما عدت لمنزلك الذي شيدته من أنات الفقراء كثرت نصائحهم وأصبحوا جميعا حكماء ويخافون على الوطن. أتعبتهم حتى رفعوا الراية البيضاء ثم ناموا على وجوهم ينتظرون بيانا يسقط عليهم من السماء أو من أحد أصدقائك المقربين.
فعلت كل ما تريده فصفقوا
فعلت كل ما لا يطيقونه فصفقوا
انقلبت على الدستور فصفقوا
عدلت الدستور فصفقوا
غيرت العلم والنشيد فصفقوا
جئت بقمم العرب والأفارقة فصفقوا
قطعت العلاقات مع بعض الأصدقاء فصفقوا
أمنت الحدود فصفقوا
انتشر اللصوص في المدن فصفقوا
شيدت الطرق فصفقوا
ملأت الطرق بالحفر فصفقوا
أطمعت الفقراء بالسمك فصفقوا
جوعت الفقراء بالضرائب فصفقوا
بنيت الجامعة فصفقوا
بعت المدارس فصفقوا
بنيت المطار فصفقوا
بعثرت الخطوط الجوية فصفقوا
حاربت الفساد فصفقوا
صادقت الفساد فصفقوا
حافظت على الدستور فصفقوا
أوشكت أن تخترق الدستور فصفقوا ووقعوا
قطعت العلاقات مع الصهاينة فصفقوا
ولو أنك أعدتها مرة أخرى لصفقوا
رشحت صديقك الذي انقلب معك على الدستور فصفقوا لكما معا، وعندما أصبح رئيسا صفقوا له وحده، توقفوا عن التصفيق؛ وفضلوا مائة يوم من الطمع على عشرة أعوام من الطمع..
عزيزي عزيز؛ لو أنك صادقت الفقراء من أول يوم جئت فيه للسلطة لما انتزع منك لقب رئيس الفقراء ولما كنت بحاجة لمرجعية حزب تشكل على أشلاء ديمقراطية جئت أنت بها رفقة بندقيتك. لطالما لاذ المدنيون بالصمت في كل المحطات الصعبة وفضلوا تشريع الانقلابات وازدراء الدستور. كما انقلبتم ذات يوم على المدنيين هاهم أيضا ينقلبون عليكم والأيام دول؛ طعنة بطعنة. إنها السياسة وإنها موريتانيا يا عزيزي، وكنت أعتقد أنك تعرفهم.
سيدي الرئيس السابق:
هذه مجرد دروس يبعث بها الزمن؛ ووصلت إلى رؤساء وملوك وأمراء قبلك منذ بواكير التاريخ. أنت الآن طالب تدرس اللغة الانكليزية؛ في دولة تعد من أعرق البلدان في مجال الدساتير والمؤسسات. ستفهم تلك الدروس جيدا عندما تعود إلى الريف البريطاني. أنا أنصحكم بأن تعودوا وتصحبوني معكم، فأن أيضا أود تعلم الانكليزية معكم لأنني فقدت مرجعيتي في وزارة التعليم. وأعتقد جازما بأن استنشاقكم لرائحة الورود في مدينة الضباب والجمال؛ أفضل بكثير من استنشاق رائحة النفاق داخل ثياب السياسيين في عاصمة مليئة بالقمامة، عاصمة لم تشيدوا فيها متنزهات خصبة، ولا مكتبات وجسور، طيلة أعوام حكمكم المثيرة للجدل. والتي تعد من أكثر فترات الحكم في موريتانيا حركية ولها ايجابيات وسلبيات. ومن الجيد فيها أن سلبياتها ربما تكون سمادا يساهم بتخصيب الوعي داخل المجتمع العميق. فهناك صدمات حدثت في حكمكم رغم أضرارها الضخمة إلا أنها كانت ضرورية من أجل تسريع تزايد منحنى الوعي..
ختاما، أعرف بأن سماع الشعر ليس من هوياتكم وربما لا ترغبون في سماعه. لكن هذه أبيات للمعتمد بن عباد أهديها لكم ونحن سنحتفل بعيد الاستقلال:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
فجاءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة
يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعة
أبصارهن حسيرات مكاسيرا
يطأن في التراب والأقدام حافية
كأنها لم تطأ مسكا وكافورا
من بات بعدك في ملك يسر به
فإنما بات بالأحلام مغرورا
أنتم لديكم قصر جميل والكثيرة من الأرصدة ربما، على عكس المعتمد بن عباد الذي رأى بناته يغزلن للناس ما يملكن قطميرا وهو في المنفى. قم بإهداء هذه الأبيات لصديقك غزواني وتمنى له التوفيق؛ فأمامه بلاد منهكة بلا تعليم وصحة وبنية تحتية وخدمات ومليئة بالمفسدين ورعاة التملق لنرى مدى جدية برنامج تعهداتي. المال الذي لديك استثمره هنا ووفر فرص عمل للشباب ودع عنك اكتناز الذهب والفضة؛ فهذه الأشياء لن تذهب مع أحد لقبره وقل لصديقك نفس الشيء أيضا.
هنا لعيون(حي العرگوب). الشتاء لم يأتي بعد. ومدينة لعيون مليئة بالذكريات الساخنة؛ وآثار الأنظمة السابقة تحولت معظمها إلى مواعظ. قصر الضيافة الفخم الذي شيده معاوية أضحى من توابع الجامعة الاسلامية. كما أن دار الشباب في قلب المدينة شاخت وتم بناء واحدة جديدة في حينا الذي كان في أطراف المدينة ويبدو أنه سيصبح هو قلبها؛ معظم الأماكن العارية التي كنا نلعب فيها ونحن صغار اكتسحتها المباني. وأضحى في مكانها الملعب ودار الشباب وقصر العدالة.

ثلاثاء, 26/11/2019 - 18:34