مرحبا بك في الجمعية الفاشية..

علاء الأسواني

منذ أيام كتبت سيدة مسلمة تغريدة على تويتر تطالب فيها باقتصار ميكروفونات المساجد على إذاعة الأذان فقط منعا لإزعاج الناس وبينهم طلبة يستذكرون ومرضى يحتاجون إلى الهدوء. الدعوة عادية سبق لكثيرين أن طالبوا بها لكن التعليقات على تغريدة السيدة كانت عجيبة. لم يناقش أحد فكرة السيدة، وإنما انهال المعلقون عليها بالشتائم المقذعة واتهموها بالفسوق والكفر وبالانحلال الجنسي.

تابعت المعلقين الشتامين فوجدتهم جميعا  يزينون صفحاتهم بآيات قرآنية وأحاديث شريفة وابتهالات لربنا سبحانه وتعالى، هؤلاء المتدينون لا يجدون حرجا في اتهام السيدة بالزنا والكفر لمجرد أنها أبدت رأيا لا يعجبهم. إنهم يؤمنون بحقهم في التنكيل بكل من يخالف تصورهم عن الدين.. هؤلاء يحققون معنى الفاشية بالتمام.. الفاشية هي طريقة في التفكير أو ممارسة السلطة تحتكر الحقيقة (الدينية أو السياسية) وتجيز عقاب كل من يختلف معها وممارسة العنف ضده.

الأمثلة على فاشية الإسلاميين كثيرة. يكفى أن تراجع سجل انتهاكات حقوق الإنسان بواسطة الحكومات الإسلامية في تركيا والسودان وفي مصر خلال العام الذي تولى فيه الإخوان المسلمون الحكم حاصر الإسلاميون مدينة الإنتاج الاعلامي والمحكمة الدستورية لأنهم ببساطة يؤمنون أنهم على حق مطلق ومن حقهم إخراس كل من يختلف معهم.

جرب أن تكتب على فيسبوك أن ملايين المصريين الذين رفضوا حكم الإخوان في 30 يونيو/ حزيران كانوا يمارسون حقهم الديمقراطي في المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة بعد أن ألغى الرئيس الإسلامي مرسي القانون وأصدر الإعلان الدستوري. فورا، ستجد المعلقين الإسلاميين ينهالون بالسب عليك وعلى أهلك وسوف يقذفونك بباقة من الاتهامات تتراوح بين الانحلال الجنسي والعداء للإسلام والعبودية للجيش.

هؤلاء الإسلاميون يؤمنون بأن مظاهرات 30 يونيو/ حزيران كانت مؤامرة صهيونية ضد الإسلام وكل من ينكر ذلك يعتبرونه عدوا للإسلام من حقهم التنكيل به بكل الطرق المتاحة. على أن أنصار السيسي لا يقلون فاشية عن الإسلاميين . جرب أن تكتب نقدا موضوعيا لمشروع قناة السويس الذي بدد مليارات من أموال المصريين ولم يحقق إيرادات تذكر. ستنفتح عليك فورا صفيحة قمامة مليئة بالبذاءات إذ أن انصار السيسي يعتبرون كل من يوجه نقدا لزعيمهم خائنا وعميلا للمخابرات الأمريكية والإسرائيلية.

الذين يعارضون السيسي الآن يتعرضون إلى كل أنواع العقاب بدءا من الحبس بتهم مطاطة وهمية والفصل من العمل وصولا إلى الاغتيال المعنوي بواسطة اتهامهم في أعراضهم ووطنيتهم في قنوات التليفزيون الخاضعة بالكامل لسيطرة الأمن. برلمان السيسي سيصدر قريبا قانونا لحبس الملحدين. بدلا من أن نساعد الملحد على استعادة إيمانه المفقود سوف نلقى به في السجن لأننا صرنا مجتمعا فاشيا بامتياز، فكل من يخرج عن عقيدتنا سنعاقبه على أفكاره.

في عام 1937 أصدر عالم الرياضيات المصري اسماعيل أدهم كتابا بعنوان "لماذا أنا ملحد؟!" فلم يحاكم ولم يسجن ولم يهدر دمه أحد، وإنما رد عليه الكاتب الإسلامي محمد فريد وجدي بكتاب عنوانه "لماذا أنا مؤمن..؟".

في تلك الفترة، بالرغم من الاحتلال البريطاني، كان المجتمع المصري منفتحا لكل التيارات الفكرية والسياسية قبل أن تسقط مصر في الحكم العسكري عام 1952. مصدر الفاشية دائما هو نظام الحكم نفسه. الرئيس السيسي أعلن مرة أن الله قد وهبه القدرة على تشخيص أي مشكلة في أي مجال ومعرفة الحل فورا وهو لا يفترض حسن النية أبدا في منتقديه بل يعتبرهم جميعا من أهل الشر الذين يريدون "إسقاط الدولة" وهو تعبير غامض يستعمل لتبرير إجراءات القمع الرهيب التي يمارسها النظام ضد كل من يفكر بطريقة مختلفة عن السيسي.

الفاشية الآن تنتشر في المجتمع المصري كالوباء وكل من يقرأ التاريخ سيدرك أن تقدم المجتمع مستحيل في ظل الفاشية لأنها تشيع حالة من الانقسام والعدوانية بين أبناء الشعب فتمنع اصطفافهم لتحقيق أي غاية وطنية. الفاشية تمارس إرهابا ضد المعارضين فيضطرون إلى نفاق الرئيس حرصا على سلامتهم أو يلوذون بالصمت أو ينجون بأنفسهم هربا خارج البلاد وهكذا يتم حرمان المجتمع من أفضل العقول القادرة على أحداث النهضة.

أضف إلى ذلك أن الفاشية تؤدى إلى حبس آلاف البشر ظلما وهؤلاء يتحولون بالطبع مع أقاربهم وأصدقائهم إلى أعداء للنظام يكنون له الكراهية ويتمنون سقوطه. العيب الأخطر في الفاشية انها تكمم الأفواه وتمنع كل الأصوات ماعدا صوت الديكتاتور وبطانته من الطبالين الأفاقين الأمر الذي يؤدي بالديكتاتور إلى فقدان النصح الأمين والمعارضة البناءة فيعيش الديكتاتور في عزلة وينفصل عن الواقع مع إحساسه الكاذب بالعظمة وعندئذ يتخذ قرارات خاطئة تؤدي إلى كوارث تدفع ثمنها أجيال متعاقبة من أبناء الشعب.

لو كان السيسي استعان بدراسات جدوى علمية عن مشروع قناة السويس لما كان قرر انشاءه ولما اضطر بعد ذلك للاستدانة من البنك الدولي وتحميل الفقراء كل أعباء الدين. ولو أن عبد الناصر كان استمع إلى مستشارين مخلصين لما تورط في حرب 1967 التي أدت إلى هزيمة منكرة واحتلال إسرائيل لسيناء وغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان.

بين شعوب العالم نبدو نحن المصريين والعرب وكأننا لا نقرأ التاريخ أو كأننا نقرأه ولا نفهمه أو كأننا نفهمه ولا نعمل بما فهمناه. إننا للأسف، في كل مرة، نكرر نفس التصرفات التي أدت بنا الى كوارث وننتظر نتائج مختلفة. إن الانظمة الفاشية العربية أدت بنا إلى التخلف والهزيمة وانتشار النفاق والفساد والتطرف وإحباط ملايين الشباب الذين صاروا يريدون الفرار بأي طريقة من جحيم الوطن بحثا عن العدل والحرية.

نقلاعن  DW.

أربعاء, 23/05/2018 - 15:49