لهذه الأسباب لن يكون تفشي كورونا مأساويا في موريتانيا..

محمد عبداه

لكل مجتمع بشري خصائص بيولوجية و اجتماعية معينة من شأنها دوما أن تضفي له قيمة مضافة أو ميزات محددة اعتبارا إلى غيره من المجتمعات في حيثيات استجابته لحدث عالمي ما.

فالمجتمع في علم الاجتماع يكتسب خاصية الذاتية و يسلك سلوك الكيان الموحد من ما يجعل من عملية دراسته في أدق تفاصيله أمرا سلسا، تماما كدراسة تصرفات الفرد الفذ..فباعتماد هكذا مقاربة قد يتبين لنا بجلاء تام طبيعة الخواص التي يمتاز بها مجتمع ما اتجاه مسلكٍ أو حدث كائن..

المجتمع الموريتاني ليس استثناءً حتما، و لعل هناك من المحددات و الميزات الخاصة لديه تُنبئ بطبيعةٍ مختلفة في استجابته لحدث تفشي كورونا العالمي عن طبيعة استجابة المجتمعات الأخرى..فما هي هذه المحددات يا تُرًى؟..  

أما عن طبيعة الاستجابة فستكون أقل عنفَوَانًا قياسا على استجابات العالم المغاير، و لجملة هذه الخصائص التي تميز المجتمع الموريتاني:

أولا: تعداد سكاني ضئيل على امتداد أرضي شاسع و متباعد.

 إذ يبلغ التعداد السكاني للشعب الموريتاني 4525697 نسمة حتى آخر إحصاء، موزعين على أكثر من 200 مقاطعة مما يعني فاعلية و سهولة الحجر الصحي إذا ما اقتضى الوضع ذلك. و لو أنّ الأغلب متركز في المدن الكبرى و عواصم الولايات إلا أنّ وجود مساحة بهذا الاتساع(1,03 مليون كلم مربع) و بهذا التباعد بين المدن سواءً الكبيرة أو الصغيرة و لأمة بهذا التقَّال في العدد يعني ضمنا بأنّ السيطرة على تفشي الوباء ستكون عملية ميسورة جدا، و لن تصل نسبة الإصابة إلى أعلى مستوياتها كما حدث في بعض الدول. ستكون المدن الكبيرة هي الأكثر عرضة لكن عزلها عن باقي المدن كفيلُ بأن يخفف من وتيرة الانتشار.

 لدينا أمثلة حية على مَرَضِيَات وبائية مماثلة ظهرت في التاريخ الموريتاني الحديث دون أن تصل لمستوى بالغ الهول من التفشي، على الرغم من أنّ قدرتها لإيقاع المرض عدوانية في المتوسط و تقتل حامليها بنسبة قريبة من الكورونا المستجد، إذ تتراوح ما بين 1% إلى 3% و إن كانت لا تسبب متلازمة تنفسية و لا تنتقل بشكل مباشر تماما, فهي أقل عدوائية. 

أما الأولى فهي المسبب لحمى الوادي المتصدع فقد ظهرت في المجتمع الموريتاني بشكل متقطع منذ سنة 1988 و لا تزال تُعاهده بالكرة من حين لآخر. آخرها كان سنة 2015 حيث تسببت في عدة وفيات من أصل عدة إصابات في أكثر من ولاية، يزعم البعض بأن وزارة الصحة تعتمت على العدد الحقيقي مثل ما تعتمت على ظهورها من الأساس لمدة أسبوع. و كانت قد ظهرت قبل ذلك بخمس سنوات في ولاية آدرار و أدت إلى نفوق عدد من الماشية و ثم وفات أشخاص عدة. و قد صرحت وزارة الصحة بأنّ العدد قد تجاوز العشرة من الماشية و الساكنة، غير أنه من المؤكد بأن المرض لم ينتقل إلى أي ولاية أخرى حينها.

و حمى الوادي المتصدع هي حمى نزيفيه ناتجة عن إصابة فيروسية تصيب الماشية في الأساس و ثم تنتقل من الماشية إلى الإنسان، و من الفيروسات التي قد تتسبب في الحمى النزيفية فيروس الإيبولا و الماربرك المسؤولان عن حصد الآلاف من الضحايا في أفريقيا، و يمكن أن ينتقل عن طريق دم المصاب أو سوائله البيولوجية.

الثانية هي الوبائية المسببة لحمى الضنك و هي فايروس الضنك، و قد تفشى في موريتانيا حتى 2018 و قد سجلت حينها رسميا أكثر من 100 حالة، و يمكنه أن ينتقل عبر الدم و بعض السوائل البيولوجية و ثم عن طريق البعوض القارص المتغذي على دم البشر أو الحيوان، و لم يثبت بأن المرض وصل إلى درجة من التفشي تصل به إلى كل الولايات و لو أنه سجلت حالات متفاوتة في انواكشوط و ازويرات و روصو.

الملاريا و شلل الاطفال ظهرا أيضا بتفاوت و لم يصل مستوى التفشي فيهما إلى المستوى الحرج الذي تسجل معه حالات في كل ولايات الوطن.

إن هذا التوزع لأمتنا على هذه الأرض الشاسعة يجعل من مستوى التفشي لمجمل الأوبئة دون المستوى المَخُوف، على الرغم من أّنّ بعضها ينتقل بوسائط سريعة كالبعوض الذي توجد منه مستودعات طبيعية في معظم ولايات الوطن تقريبا.

و هذه الحقيقة من جنس حقيقة كبرى يؤكدها العلماء، و هي حقيقة أن توزع البشر على قلة عددهم في جميع أنحاء الكرة الأرضية تجسد ميزة حمائية حالت دون انقراضهم كما حدث من قبل للعديد من الكائنات الحية.    

 

ثانيا: مدن كُبرى ذات بنية ديمغرافية غير بالغة التعقيد..

فقط المدن المكتظة تكون احتمالية التفشي فيها كبيرة للغاية، و أكبر المدن الموريتانية ليست بذاك المستوى من الاكتظاظ المرعب جدا الذي يجعل من واردية الانتشار فيها بالأمر الأكيد. فمدينة نواكشوط تحوي مليون شخص لكن موزعة على كيلومترات عديدة باعتبار أن أغلب الأبنية غير أفقية(العمارات السكنية قليلة جدا) من ما يؤمن مسافة المتر بين أغلب الأفراد و هذا ما سيجعل من سرعة انتقال الفيروس أكثر بطئا خصوصا إذا شاع لدى العامة بأن الاجتماع مع الآخر لغير ضرورة قصوى غير مستساغ إبان هذه الفترة. زد على ذلك أنّ بنيتنا التحتية ليست سُطُوحِيَّة في الأغلب بحيث تضمن بقاء الفيروس لمدة تسمح بانتقاله، فاغلب الأبنية مدهونة بالرخام الخشن و هذه لا تدعم بقاء الفيروسات الكاسية لهشاشتها.

و لعل من الأسباب الرئيسية التي جعلت إيطاليا بهذا المستوى من التفشي، اكتظاظ مدنها بنسبة أكبر في المتوسط قياسا على مثيلاتها في الفضاء الأوروبي. 

 

ثالثا: مجتمع شاب... 

من الثابت جدا بأنّ الفيروس يستهدف أكثر، الفئات الأقل حافزية لجهازها المناعي كالمسنين و ذوي الأمراض المزمنة أو أصحاب السوابق المرضية التي خلفت هشاشة مناعية قابلة للانتهاز من قبله. و يتفق جمعٌ من الخبراء على أنّ السبب الرئيس الذي قفز بإيطاليا إلى المرتبة الثانية عالميا من حيث نسبة الإصابة يعود لكونها الدولة الأوروبية الأسن، حيث تبلغ نسبة المسنين فيها 40%. هذا يعني بأن نسبة التفشي في موريتانيا إن تمت بالفعل، فلن تكون بتلك النسبة المهولة لكون أكثر من 30% من الشعب الموريتاني شباب تتراوح أعمارهم من 18 إلى 35 سنة، و متوسط عمره 52 سنة. و نسبة من هم فوق الخمسين 10,7% فقط،   و هذا يعني بأن نسبة الوفيات لن تتجاوز في أسوء الأحوال 1% من الإصابات بالرجوع إلى معطيات منظمة الصحة العالمية علما بأنّ النسبة في المتوسط العالمي هي 3,4%..   

 

و في النهاية لا ندري إن كانت هنالك ميزات بيولوجية خاصة ترتبط بالمناعة الطبيعية مثلا أو بمستوى التغذية لأنه لا دراسات و لا بحوث على ذلك حتى الآن، لكن نعتقد بأنّ عامل تقلب المناخ خصوصا ارتفاع المدى الحراري بين الليل و النهار و بين الأيام من شأنه أن يحول دون مواءمة بيئتنا لبقاء العديد من الفيروسات الكاسية و ثم يعوق تفشيها بين الأفراد. و حَتَّى هناك تدني الثقافة الصحية فتلك في جانبها الإيجابي قد تحُّدُ من عملية التهويل و استثارت الرعب لدى العامة. فلاشك أنَّ العديد من حالات الإصابة الفيروسية تتم و تنقضي دون أن تصل للمستشفيات لعدم توفر ثقافة صحية صاحية لدى أصحابها، من ما لا يسبب الذعر في العموم، و لو أنها كانت لتستحقه في عالم له اهتمام أبلغ بالصحة العامة كما العالم المتقدم.

سبت, 21/03/2020 - 16:44